الكويت ودول الخليج في دائرة المخاطر.. مع أي أزمة مقبلة
خلصت دراسة متخصصة أعدها أستاذ الاقتصاد في كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت د ..نايف الشمري تحت عنوان «أداء الاقتصادات الخليجية في ظل الجائحة ـ التداعيات والاستجابة»، والتي خص «الأنباء» بنشرها، إلى ان الدول الخليجية ومن بينها الكويت ستظل في دائرة مخاطر التداعيات السلبية، وليست في مأمن من أثار أي أزمة مقبلة مثلما حدث مع كورونا.
وأكدت الدراسة أن ما نتج عن جائحة كورونا من أثر اقتصادي عميق وسلبي على دول المجلس، ومن بينها الكويت سيتكرر بشكل دوري عند حدوث أي أزمة ذات آثار متشابهة والسبب يعود إلى هشاشة واختلالات الهياكل الاقتصادية فيها.
وذكر الشمري في دراسته أن مواجهة الدول الخليجية لجائحة فيروس كورونا أفرزت مجموعة واسعة النطاق من نقاط الضعف الهيكلية في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لدول العالم المختلفة، وما نتج عنها من انعدام حالة اليقين وارتفاع درجة المخاطر المحيطة بالاقتصاد العالمي لدرجات قصوى.
وأكدت الدراسة أن ما نشهده من تحسن في أداء اقتصادات دول المجلس، أو نتوقعه، يعتمد على مدى استدامة الطلب العالمي على النفط مقابل قدرتنا على امتصاص التقلبات المالية والاقتصادية من حيث التقنين في حدة الانكشاف على التقلبات الاقتصادية العالمية خاصة ونحن مقبلون على ضغوط تضخمية غير مسبوقة وبالتالي تشديد في السياسات النقدية، وهذا بدوره سيؤدي إلى انكماش في نمو الأنشطة الاقتصادية.
وشدد على أن هناك ضرورة لعمل الإصلاحات الهيكلية للدفع بالقطاعات غير النفطية لما لها من أثر إيجابي على وتيرة تنويع النشاط الاقتصادي.
وأشار إلى ان العجز في المالية العامة سيستمر طالما ليست هناك جدية في التعامل مع اختلاله من حيث تنويع الإيرادات العامة، لذلك يحتاج الأمر إلى تصحيح مسار المالية العامة من خلال وجود إرادة حكومية جادة وقادرة على التطوير والاصلاح، كما يحتاج صانعو السياسات في دول المجلس لإعادة تقييم الموازنات العامة بحيث يتم الابتعاد عن الاندفاع الفوري لتخفيضها بشكل عاجل، بل يعني إعادة ترتيب النفقات والإيرادات على حد سواء، والعمل على تطوير الأسس لبناء اقتصاد مستدام وديناميكي.
وتفصيليا، اهتمت الدراسة بتحليل أثر الجائحة على اقتصادات العالم، ومن ثم تقييم الاقتصادات الخليجية في ظل الجائحة، ثم تحليل استجابة السياسات الاقتصادية في الدول الخليجية لتداعيات الجائحة، وبعدها تقييم فعالية تلك السياسات على وضع الاقتصادات الخليجية.
وتطرقت الدراسة إلى استجابة السياسات الاقتصادية في الدول الخليجية لتداعيات الجائحة، حيث شرعت في اتخاذ إجراءات وتبني سياسات اقتصادية لمكافحة الآثار السلبية الناتجة عن الجائحة، وتركزت تلك التدابير في جانبين رئيسيين بدءا من إجراءات استثنائية للبنوك المركزية الخليجية لمواجهة الجائحة، وتضمنت تخفيضات هائلة في أسعار الفائدة وصلت لمستويات هي الأدنى تاريخيا، وتدابير رقابية توسعية موجهة لتعزيز الحيز الإقراضي للمصارف، وتأجيل أقساط سداد القروض الممنوحة من المصارف، واستجابة السياسات المالية الداعمة للتعافي الاقتصادي، وكذلك حزم تحفيزية لتوفير السيولة اللازمة للقطاع الخاص، ودعم المواطنين، كالتموين واستمرار رواتب المواطنين في القطاع الخاص، وتثبيت أسعار السلع الأساسية في بعض دول المجلس، وتخفيف قيود حركة النشاط في عدد من القطاعات الاقتصادية.
وتطرقت الدراسة إلى ملامح تقييم آثار استجابة السياسات والإجراءات ذات الشأن الاقتصادي والتي تم اتخاذها من قبل البنوك المركزية ووزارات المالية وغيرها من الجهات ذات الشأن في دول المجلس لغرض مواجهة الجائحة، وأظهرت أن هناك تحسنا نسبيا في معدلات النمو الاقتصادي خلال عام 2021 وتوقعات عام 2022 مدعومة بتحسن الطلب العالمي على النفط، حيث إن المعدلات السلبية للنمو في دول المجلس خلال فترة الجائحة 2020 قد تحولت إلى معدلات موجبة.
وعلى الرغم من تخمة مستويات السيولة خلال فترة الجائحة في عام 2020 في دول المجلس، إلا أنه من الملاحظ أن مستويات السيولة قد بدأت لرجوعها إلى مستوياتها الطبيعية قبل الجائحة ذلك لمعظم دول المجلس، وهناك تباين نسبي في معدلات القروض المتعثرة في معظم المصارف الخليجية، حيث من المتوقع ارتفاع نسبي في معدلات القروض المتعثرة جراء تداعيات الجائحة.
وذكرت الدراسة وجود تباين في أداء دول المجلس في تحسين وضع الحسابات الجارية في الفترة ما بعد الجائحة، ويأتي ذلك مدعوما بزيادة حجم الصادرات النفطية، حيث من المتوقع أن ترتفع مستويات الفائض في الحساب الجاري للكويت والسعودية والإمارات وقطر، فيما من المتوقع تقليص حجم العجز في الحساب الجاري للبحرين وعمان، وعلى الرغم من التوقعات بتحسن حجم التجارة وارتفاع الصادرات النفطية، إلا أن هناك توقعات لاستمرار تسجيل عجز في الموازنة العامة لدول المجلس ولو كان بحدة أقل من مستويات العجز خلال فترة الجائحة.
وجاء ضمن الدراسة «رصدت الدول حزم تحفيز وتدابير مالية ونقدية ضخمة استجابة للأزمة وللتخفيف من حدتها على اقتصاداتها، حيث استطاعت الدول التي وصلت لمستويات عالية من رأس المال الاجتماعي والبشري من تنفيذ تدابير بشكل أسرع وأكثر فعالية مقارنة بغيرها من الدول».
انكماش ومشكلة متأصلة
وتشير الإحصاءات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مجتمعة سجل انكماشا بمعدل 4.8% خلال العام 2020 بعد أن نما بمعدل 1% في العام 2019 ونما بمعدل 2% في العام 2018.
وبذلك فقد انكمش النمو الاقتصادي لدول المجموعة بمعدل أكبر من المتوسط العالمي لمعدلات الانكماش الاقتصادي المسجلة خلال العام 2020.
ومن الملاحظ أنه غالبا ما يكون اتجاه معدلات النمو الاقتصادي لدول المجلس متسقا مع حركة النمو العالمي، بيد أن انكماش تلك معدلات النمو تأتي بمعدل أكبر من المتوسط العالمي.
وجاء ضمن الدراسة أنه عند مقارنة العام 2020 (أثناء الجائحة) في العام 2019 (قبل الجائحة)، نجد أن العجز المالي ما هو إلا مشكلة متأصلة في المالية العامة لدول المجلس في الفترة ما قبل ظهور الجائحة والمرتبط بشكل رئيسي في حركة أسعار النفط، حيث تفاقم هذا العجز المالي خلال عام الجائحة في 2020 وهذه إشارة إلى الاختلال المتأصل في المالية العامة لدول المجلس.
وارتفعت مستويات السيولة المحلية في دول المجلس كمجموعة بمعدل 6.5% في عام 2020، كما أنها ارتفعت في جميع دول المجلس بمعدلات تراوحت بين 8.9% في سلطنة عمان ومعدل 3.8% في دولة قطر.
هذا وبالمقارنة مع الفترة ما قبل الجائحة في عام 2019، نجد أن معظم الدول قد سجلت ارتفاعا في حجم السيولة المحلية لديها والسبب يعود لقيام الحكومات الخليجية بضخ الحزم والتدابير المالية المعززة للسيولة مما رفع مستوى السيولة.
وتأثر أداء موازين مدفوعات الدول الخليجية خلال العام 2020 نتيجة الآثار الناتجة عن جائحة كورونا وأهمها تراجع الأسعار العالمية للنفط التي أدت إلى تراجع قيمة الصادرات النفطية التي تشكل الغالبية الكبرى من الصادرات السلعية لدول المجلس، والتي أثرت بدورها على تراجع الفائض التجاري السلعي لهذه الدول.
في مقابل ذلك، كان للقيود التي فرضتها الدول على السفر والتنقل وانخفاض التحويلات الجارية أثر إيجابي على تراجع العجز في موازين الخدمات للدول الخليجية.
ومحصلة لهذه التطورات، سجلت الحسابات الجارية للدول الخليجية عجزا إجماليا بقيمة 6.3 مليارات دولار في عام 2020، مقابل فائض بقيمة 95 مليار دولار في عام 2019