على هامش زلزال تركيا وسورية – بقلم : عبدالله الشّهاب
لا يمكننا عبور المحنة التي تعرض لها الأشقاء في تركيا وسورية، دون أن نتريث قليلا، لقد كان الحدث كافيا لإفراز مجموعة من الدروس التي تحتاج لوقفات تأمل، واقع الأمر لقد ألقت الكارثة بظلال إنسانية قاتمة، احتبست معها أنفاس العالم، الذي تابع لحظة بلحظة تفاصيل ما يجري على الأرض، لصراع ما بين الحياة والموت، وفي كل مرة يتكشف للإنسانية أنه لا بديل أمامها عن التعاون والتكاتف لعبور مثل هذه الأزمات الصعبة، إذ الأرض أقرب ما تكون لقرية صغيرة، ما يصيب البعض يطال الكل.
لقد رسمت لوحة المساعدات المتدفقة على البؤر المنكوبة، شكلا جماليا معبرا، تخفف الإنسان معه من أثقال العرق واللون والمعتقد، انتصرت الفطرة حين دق منبه الغريزة، التي دفعت القادر ليعاون المحتاج، إن ما تحمله الكويت للإنسانية من قيم الوفاء لا يوصف، فرسل الخير التي تفتش عن أهل الاحتياج، وسفراء السعادة الذين ينتشلون المهمشين، دلالة كبرى على ريادة الكويت الإنسانية.
صراحة لقد كانت الفزعة الكبرى التي أطلقت من على أرض الكويت، لتواكب الحدث مقياسا طبيعيا لمشاعر أهلها، وانسجاما ورؤية قيادتها الحكيمة، التي جعلت من «الكويت بجانبكم» نداء إنسانيا، تبنته الكويت شعبا وقيادة وحكومة وتاريخ عريق، حين اجتمع لها الكفاية والقدرة، لتشكل رأيا موحدا، يلتزم بتعهده تجاه الأشقاء والإنسانية، لتصبح الكويت ممثلة في فرقها التطوعية في الصفوف الأمامية تنقذ وتسعف وتطبب، وتتخذ كياناتها الخيرية زمام المبادرة، لبدء حملات إعاشة عاجلة لآلاف الأسر المشردة بالعراء، تقدم لهم ما يكفي من مؤن، والمبهر في الأمر ذلك التنوع في مساعداتها، لتجيء ملبية للنداءات الأممية، ولحاجة المحتاجين.
لا ننكر مرارة النكبة، ولا قسوة المشاهد التي كانت فوق الاحتمال، ولا المصير المشوش لضحايا لا نعرف أعدادهم حتى الآن تحت الأنقاض، ولا تبعات الجرح الإنساني المتكشف شيئا فشيئا، ولا حسابات العمل على الأرض، لقد كانت الفاتورة باهظة الكلفة، دفعها الإنسان الذي وجد نفسه بين عشية وضحاها في شتات لا ينتهي، وفي تواتر الأخبار المروعة ما ملأ الدنيا، وشغل العالم، هناك تنتحب الإنسانية فوق الأنقاض، تملأ قلبها آهات مرهقة، وأعينها عبرات محرقة، وصدرها أوجاع مؤرقة.
كانت التجربة قاسية بمعنى الكلمة، لكن ورغم هذا تحمل من المعاني الإنسانية، والدلائل الأخلاقية الكثير، حين أتاحت أمام العمل الإنساني الكويتي الفرصة ليؤدي ما عليه، تجاه استغاثة الآلاف، الذين وجدوا الكويت في نجدتهم، فتشيد وسائل الإعلام ومنصاتها بهذا، تعلي من قدر ديبلوماسيتنا التي وعت جيدا حكمة قيادتنا ورشد إدارتها لمثل هذه الملفات الإنسانية واجبة النفاذ.