عقيد ركن متقاعد ناصر سلطان سالمين يكتب ليبقى الاحتلال الغاشم حاضراً !!
ليبقى الاحتلال الغاشم حاضراً !!
سمعوا مني كلمتين وأفهموا بيت القصيد
هالوطن غالي علينا هالوطن ماله مثيل .
أحبتي .. كان من الممكن أن يكون تاريخ : 2 اغسطس / 1990 بمثابة شهادة وفاة لهذا الوطن الغالي ، مثلما أصبح تاريخ : 26/فبراير / 1991 شهادة ميلاد للكويتيون أجمع وذلك بفضل الله علينا أولاً ثم أهلها الطيبين الصامدين بوجهه الغزات ووقوف أغلب دول العالم مع دولة الكويت الصغيرة بمساحتها وكبيرة بأفعالها التي كان ومازال يشار لها بالبنان ، وقف العالم أجمع من أجل أن تعود الأمور لمسارها الصحيح وتعود شرعية هذا الوطن لتقود من جديد دفة البلاد والمضي به قدماً نحو مستقبل زاهر .
2 / 8 حكاية وطن لم تكتب بحبر الأقلام بل سُطرت بدماء الشعب الكويتي ممزوجاً ببعض دماء الوافدين الأوفياء اللذين آبو إلا أن يقفوا سداً منيعاً مع أخوانهم الكويتيون ليصدوا هذا العدوان الآثم على دولة الكويت ، فأصبحوا جميعاً أشبه بدرعٍ يصد ضربات الغدر العراقي عن شباب المقاومة الكويتي ،
ومهما تكلمنا عن فترة الغزو العراقي الآثم على دولة الكويت فلن تسعفنا الكلمات عن سرد مجريات الأحداث ، فلقد كان الغزو بمثابة صدمة للعالم أجمع وليس على الشعب الكويتي فقط ، فشعب ينام آمن مطمئناً ويستيقظ على فاجعة أغتصاب وطن ، فاجعة حملت بين طياتها على مآسي عديدة لأفراد هذا الشعب المسالم ، فأي صدمة بعد تلك الصدمة .
لو أردنا اختصار 2 / 8 / 1990 ، فنستطيع أن نقول أن مفهوم الغدر والنذالة قد ترجمت في ذلك اليوم ، وأن مفهوم الأخوة قد تحطم وبقوة على صخرة الواقع .
2 / 8 أحلامٌ تحطمت وأمنيات تلاشت وضحكاتٌ تاهت عن مبسمها ، ووليدٌ شاب شعر رأسه وهو في المهد رضيعاً ، فاجعة وأية فاجعة.
وبعد صدمة الاجتياح أفقنا أنا وزملائي العسكريون لنجد أنفسنا أسرى حرب ، أسرى انتهكت أرادتهم وسلبت حرياتهم وحرموا من أبسط حقوقهم كأسرى حرب لهم متطلبات متعارف عليها دولياً ، ولكننا بتنا في أيدي سجان لم يعرف للمعاهدات الدولية أية معنى ولم يحترم مضمونها ، صحونا لنجد أنفسنا نُنُقل من سجنٍ لسجن ومن معتقلٍ لمعتقل ، شرابنا الويل وغذاؤنا الهوان ، كنا نتجرع أصناف العذاب من أجل إنتزاع معلومة أو الرضخِ لأمرٌ من المستحيل أن نقبله ، تسلحنا بحب الوطن وارتدينا ثوب الصبر على البلاء ، واحتسبنا ما يجري لنا بمثابة أجرٌ ورد جميل هذا الوطن المعطاء ،
حاربنا ذلك السجان بكل ما اوتينا من قوةٍ وحكمةٍ من أجل البقاء ، كنا على معرفة بأن عدونا أقوى منا وإننا بالنسبة لهم مجرد أجساد مهيئة للقتل بأية لحظة ، فأعددنا العدة لمجاراتهم والمضي معهم قدماً كي نحافظ على أرواحنا ، وتم تشكيل المجاميع المختلفة فيما بيننا كأسرى ، مجموعة مسئولة عن لجنة المطبخ وأخرى عن التنظيف ، ولجنة اهتمت بالناحية الدينية ورفع معنويات الأسرى ولجانُ أخرى تنظيمية ، باختصار استطيع القول أنه كان لكل منا دور مناطٍ به لا يتهاون به أو يتقاعس عن القيام به ، وهكذا استطعنا أن نتعايش مع جدران السجن ، كنا في تلك الفترة الأليمة أخوة رغم اختلاف المذاهب والأطياف ، كانت الكويت تجمعنا وكنا نحتمي من حرارة المعتقل تحت ظل شجرتها ، جمعتنا رابطة حب الوطن ، كلنا تناسينا العرق الطائفي والقبائلي الذي كان يمثل كل شخص منا واصبحنا فقط كويتيون .. كويتيون جمعهم حب الوطن ولا شيئ غير ذلك .
عشنا عدة أشهر ونحن نجهل مصيرنا المحتوم ، هل ستكتب لنا النجاة ونحن تحت وطأة العدو ، هل سنموت وتدفن أجسادنا في تراب أرض عدوٌ أستباح أرضنا ، اسئلة عديدة كانت تدور في مخيلاتنا ولم نجد لها إجابة شافية ، ولكن كان هناك أملٌ يجول في أنفسنا باستمرار بأننا ناجون وأن الله لن يتخلى عنا وفعلاً كتبت لنا الحياة من جديد وذلك بفضل الله أولاً ثم بفضل قوات التحالف التي كانت القوات الكويتية معهم لتحرير دولة الكويت ، ومن هنا اود أن أتوجه بالشكر لكل من سعى لاطلاق سراحنا .
أن حب الكويت شعورٌ لا ينازعه شعور ، والوطنية ليست شعارات ينطقها لسان المرء إنما هي أفعالٌ تنجز على أرض الواقع ، وهذا كان حالنا أبان تلك الفترة ، فكلٌ منا أحب الكويت على طريقته الخاصة ولكن في نهاية المطاف كان كلُ ما صدر منا من أفعال منصب في مجرى حب الوطن ، فهنيئاً لنا بهذا الوطن .
والجدير بالذكر أن ذكرى الغزو الثلاثون هذا العام يعيدنا لعام 1990 ، فلقد تكاتف الكويتيون في ذلك العام لمقاومة العدو العراقي وهذا العام يتكاتف الشعب الكويتي من جديد من أجل مقاومة وصد عدوان أخر إلا وهو فايروس كورونا المستجد والمسمى كوفيد 19 ، فما أشبه الأمس باليوم ، فحب الوطن له وجه ، والنجاة بالوطن هو الأمر الأهم عند المواطن الكويتي والذي يضع هذا الشأن من أولياته بل ويضعه دوماً نصب عينيه .
وختاماً لا يسعني إلا أن أدعو بالرحمة والمغفرة لسمو أمير الكويت الراحل الشيخ / جابر الأحمد الصباح وبطل التحرير الراحل الشيخ / سعد العبدالله الصباح اللذان بذلوا كلُ ما بوسعهم لعودة جميع الأسرى ، وكذلك أتقدم بجزيل الشكر والامتنان لقائد الإنسانية أمير دولة الكويت صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح على ما كان وما زال يقدمه لأفراد الشعب من أجل رفعة هذا الوطن الكبير ، فشكراً لكم من قلبٍ محب ودمتم سالمين ..
الاسير المحرر
عقيد ركن متقاعد
ناصر سلطان سالمين