هل النفط نعمة؟! – بقلم : بدر سعيد الفيلكاوي
المجتمع الكويتي ما قبل ظهور النفط، كان على رغم فقره حياً، السفن البحرية الكويتية كانت تحجز مساحة كبيرة من طريق الحرير البحري، وعند العودة من السفر كانوا يغوصون بحثا عن اللؤلؤ، وصيد السمك، والوقت المتبقي من العام يجهزون خلاله الشباك، هذا غير الزراعة والصناعات كانت مزدهرة ببناء السفن والغزل والنسج والحياكة وصناعة بيوت الشعر والخيام وصناعة الشباك وأدوات الصيد وصناعة الذهب والأسلحة والصناعات الجلدية، كان لدينا تاريخ حافل بالصناعة وإعادة التصدير والنقل البحري والبري، وكان المجتمع يستخدم كل طاقته الإنتاجية، ويستهلك أقل شيء ممكن، وهذا وضع طبيعي تمر فيه كل المجتمعات الحية.
حسب النظرية التي وضعها الاقتصادي والت ويتمان روستو، التي تحدد مراحل التطور الاقتصادي للمجتمعات، كنا في مرحلة الانتقال من المجتمع البدائي إلى الانطلاق والاستعداد للتطور ويستخدم المجتمع فيها بعض الآلات الخفيفة التي تسهل الإنتاج ويقوم المجتمع بإنشاء المصانع الخفيفة ويتوسع في الزراعة وهي مرحلة قصيرة يكون فيها التطور والتقدم الاقتصادي واضحا على المجتمع، ويتغير فكر المجتمع وتتغير أخلاقياته بما يتناسب مع تطوره وتعليمه، وإن ازدهرت هذه المرحلة سيكثر فيها المفكرون ودعاة التقدم والنقاش الفكري وهدم الأعراف التي تقف في وجه التطور، والناظر للوضع الكويتي قبل النفط يستشف أن الانطلاقة نحو التطور كانت في بدايتها، والتراكمات الثقافية والتاريخية، وحتى المجلسان التشريعيان الأول والثاني في عام 1928-1939م، كانا خير مثال على هذا التطور الثقافي والسياسي. وصحيح أن الإنسان الكويتي كان قليل التعليم، لكنه كان يستخدم في الإنتاج كل المواد المتاحة لديه.
بمجرد ظهور النفط توقف كل شيء، زادت الأموال في مجتمع محدود المدخول، سرعان ما استغنوا عن إعادة التصدير والنقل البحري، وعوضا عن تطوير صناعة السفن اندثرت، وبدلا من تطوير الغوص عن اللؤلؤ عن طريق زراعته انقرضت المهنة، وأصبح إنتاج المجتمع نادرا واستهلاكه ضخما مقارنة بالمجتمعات الأخرى، وبسبب الوفرة المالية أصبح مظهر الإنسان ومسماه الوظيفي أو الأكاديمي أهم من فكره وإنتاجيته، لدى نسبة كبيرة من المجتمع.
الوفرة المالية التي تحصل عليها المجتمعات المتطورة صناعيا، تأتي نتيجة مرورها بمراحل اقتصادية حددها روستو، وهذا المرور يغرس لدى المجتمع تراكمات في العقل الجمعي، تجعله قادرا على التعامل مع الوفرة المالية التي تأتي نتيجة جد وتعب من جيل إلى جيل، مجتمعنا لم يكمل هذه المراحل حتى تتكون لديه هذه التراكمات الثقافية، وهذا لا يعني أننا لا نستطيع حرق هذه المراحل والتقدم للأمام، لكن نحتاج إلى تغيير بعض الأفكار المترسبة بسبب الطفرة المالية المفاجئة، ورغم سلبية التفاعلات السياسية التي تمر بها الكويت في الوقت الحالي، إلا أنها باعتقادي مرحلة ستسهم كثيرا في تطوير العقل الجمعي حتى نتمكن من الخروج من هذه الحالة.