برشلونة.. “المستديرة” تشهد أسوأ نهاية لأجمل بداية
لم يتوقع أشد المتشائمين في الأوساط البرشلونية أن يتحول شهر أغسطس إلى كابوس حقيقي يقض مضاجع الجماهير الكتالونية في جميع أرجاء العالم، كان آخر تجلياته إعلان نادي برشلونة برحيل الأرجنتيني ليونيل ميسي، البرغوث الذي أدهش العالم وملأه ضجيجاً لما يقدمه من سحر في عالم المستديرة.
نادي برشلونـة قال الخميس (5 أغسطس 2021) إن نجمه ليونيل ميسـي سيغادر النادي بـسبب عقبات اقتصاديـة وهيكلية في مفاوضات التجديد، وتسربت أخبار بأن وجهة ميسي القادمة ستكون في نادي باريس سان جيرمان المملوك لقطر.
جاء ذلك بعد اجتماع عُقد بين مسؤولي برشلونة وممثلي ميسي، ولم يكن هناك اتفاق حول العديد من الأمور، التي يأتي على رأسها تخفيض راتب النجم الأرجنتيني، وكان محل خلاف كبير بين الجانبين.
ولم تذكر إدارة النادي المزيد من التفاصيل، لكن صحيفة “ماركا” الإسبانية قالت إن إدارة نادي برشلونة بعدما كانت قاب قوسين أو أدنى من إعلان تجديد تعاقدها مع النجم الأرجنتيني، حدث تحول جذري في المفاوضات بين النادي الإسباني، وليونيل ميسي من شأنه أن يعرقل سير المفاوضات بشكل كبير ويفشل تجديد تعاقد النجم الأرجنتيني.
وأشار التقرير إلى أن تجديد تعاقد ميسي مع برشلونة وصل إلى نهاية مغلقة، موضحاً أن العديد من مسؤولي النادي الكتالوني يعلمون ذلك جيداً.
وفي سياق متصل، قالت مصادر إعلامية إن وجهة النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي ستكون نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، المملوك قطرياً بعد رحيله رسمياً عن برشلونة، بحسب ما ذكر حساب “نديب قطر”.
قنبلة ميسي
سبق إعلان النادي الكتالوني الذي يعيش على صفيح ساخن منذ فترة، إعلان ميسي بأنه ينوي الرحيل عن ناديه الذي حلق من خلاله إلى أرفع مراتب النجومية والشهرة.
النادي وجد نفسه أمام تحدٍّ غير مسبوق بإعلان نجمه ميسي رغبته في الرحيل، في 25 أغسطس 2020، بعد مسيرة طويلة تُوّج خلالها بجميع الألقاب المحلية والقارية والعالمية الممكنة مع الفريق الأول، فضلاً عن نيله مختلف الجوائز الفردية، وهنا يدور الحديث حول “الكرة الذهبية” و”الحذاء الذهبي”، إلى جانب جوائز الاتحاد الدولي لكرة القدم ونظيره الأوروبي.
جدية ميسي في الرحيل عن ملعب “كامب نو” كانت قد توضحت من خلال إبلاغه إدارة برشلونة برغبته في المغادرة عن طريق خدمة “بورو فاكس”، وهي خدمة تستخدم لإرسال المستندات بشكل عاجل، وتقدمها هيئة البريد في إسبانيا.
واستند ميسي إلى بند في عقده يتيح له الرحيل عن برشلونة مجاناً بنهاية الموسم، لكن إدارة برشلونة تقول إن البند المشار إليه انتهى بنهاية يونيو الماضي، في حين يصر مقربون من النجم الأرجنتيني على أن الوضع الاستثنائي للموسم الحالي -في إشارة إلى أزمة كورونا- يعني أن البند مستمر حتى نهاية الشهر الجاري.
الإدارة الكتالونية التي تتعرض لغضب جماهيري عارم يُطالب برأس الرئيس جوسيب ماريا بارتوميو رمت الكرة بملعب الدولي الأرجنتيني، وأبدت استعدادها للرحيل في حال خرج ميسي علناً وقال إن استمراره مرتبط باستقالة الإدارة الحالية.
“البرغوث” الأرجنتيني كان تلقى ضربة بانحياز رابطة الدوري الإسباني بقيادة خافيير تيباس إلى جانب الإدارة الكتالونية في مواجهة “البرغوث”؛ إذ أشارت في 30 أغسطس 2020، إلى أن العقد لا يزال سارياً حتى بعد رسالة “بورو فاكس”.
وقالت وسائل إعلام كتالونية إن تيباس أرسال بياناً أكد من خلاله أن عقد ميسي لا يزال مستمراً، موضحاً أن العقد الممتد حتى نهاية الموسم المقبل لن يتم إنهاؤه إلا في حال دفع النجم الأرجنتيني الشرط الجزائي وقيمته 700 مليون يورو.
قرار متوقع!
محلل قنوات “بي إن سبورت” القطرية عبد الناصر البار، يرى أن قرار ميسي كان متوقعاً بالنظر إلى الأخطاء الفادحة والقرارات الفاشلة لإدارة النادي منذ سنوات، وتراجع مستوى الفريق والتعاقدات غير المدروسة.
وأوضح “البار” في حديثه لـ”الخليج أونلاين” أن كل هذا جعل ميسي في وجه المشاكل والانتقادات مع كل إخفاق، كما أنه وجد نفسه يصارع وحده داخل الملعب وخارجه مع لاعبين انتهت صلاحيتهم منذ زمن، على حد قوله.
ولفت إلى أن تعيين كومان على رأس القيادة الفنية وسياسته الجديدة “قد تكون واحدة من الأسباب التي جعلت ميسي يقرر المغادرة”، مرجعاً ذلك إلى أن إدارة برشلونة أرادت خوض حرب ضد ميسي بالنيابة عن طريق المدرب الهولندي الجديد رونالد كومان، الذي قال إنه معروف بصرامته وقوته، مستدلاً بتعامله “غير الجيد” مع بعض اللاعبين؛ على غرار مطالبته سواريز بالرحيل.
تداعيات منتظرة
وحول النتائج المترتبة على خروج ميسي يقول المحلل الرياضي إن رحيل “البرغوث” سيؤثر كثيراً على نادي برشلونة؛ لأنه يعتبر نصف الفريق، كما أنه الذي غير من شكل البلوغرانا في السنوات الماضية، وجعله فريقاً آخر، مستشهداً بعدد الألقاب الفردية والجماعية التي حصدها مع برشلونة.
ويعتقد “البار” أن انحياز رابطة الليغا إلى جانب إدارة برشلونة “شيء متوقع ومبرر”؛ لكون الليغا بدأت تفقد بريقها في السنوات الأخيرة، مستشهداً بخروج النجم البرازيلي نيمار دا سيلفا إلى سان جيرمان الفرنسي، والبرتغالي كريستيانو رونالدو إلى يوفنتوس الإيطالي.
ويضيف أن الدور الآن على ميسي، وكل هذا يؤثر على الرابطة فنياً ومادياً واقتصادياً، مبيناً أن الجميع سيعمل كل ما في وسعه من أجل حرمان ميسي من الخروج والمغادرة.
ويؤكد أن قرار رحيل “البولغا” سيترك آثاراً سلبية على الطرفين، وخاصة برشلونة، الذي يواصل نزيف خروج نجومه، علاوة على التداعيات الاقتصادية من ناحية العوائد الإعلانية والأمور التسويقية، على خلاف ميسي الذي يحتاج إلى تغيير الأجواء بأهداف جديدة، إضافة إلى الأمور المالية.
أما على الصعيد الفني فإن برشلونة –وفق البار- سيتأثر حتماً من خروج ميسي، أحد أفضل اللاعبين في تاريخ كرة القدم، لكنه استدرك بقوله إن برشلونة يبقى فريقاً كبيراً، ويملك لاعبين كباراً وشباباً مميزين، قبل أن يؤكد أن “البرغوث” يظل لاعباً استثنائياً.
وربط المحلل الرياضي المطلع على الأجواء الكروية في أوروبا خروج ميسي بما حدث مع ريال مدريد عقب مغادرة الدون البرتغالي رونالدو، ومعاناة الفريق في دوري أبطال أوروبا، وخروجه من ثمن النهائي القاري في موسمين متتاليين، بعد فوزه باللقب الأغلى 3 مرات توالياً، كما أن برشلونة سيعاني على مستوى خط الهجوم.
وترك “البار” الباب مفتوحاً أمام خيارات أخرى؛ إذ أشار إلى أنه لا يُمكن الحكم على مستوى برشلونة إلا بعد بداية الموسم وظهور مستوى الفريق، خاصة أن كومان يعتمد على أسلوب اللعب الجماعي والكرة الهولندية الشاملة، موضحاً أن عشاق برشلونة قد يشاهدون فريقاً آخر يعتمد على روح المجموعة لا اللاعب الواحد، كما يقول.
قنبلة هيدروجينية
في الإطار ذاته وصف رئيس الجمعية اليمنية للإعلام الرياضي والمحلل الرياضي بشير سنان ما حدث بـ”القنبلة الهيدروجينية” لأسباب مختلفة؛ في طليعتها القيمة الكبيرة للنجم الأرجنتيني على مستوى الكرة العالمية، مؤكداً أن ارتداد هذا الانفجار سيضرب برشلونة لسنوات مقبلة.
وأكد “سنان” في حديثه لـ”الخليج أونلاين” أن التداعيات ستكون كبيرة، وأثرها النفسي سيكون له وقع كبير في صفوف البلوغرانا، الذي قال: إنه “قدم حقبة كروية عدها النقاد والمتابعون الأجمل في تاريخ الكرة العالمية”.
وحول انحياز الليغا واصطفافها إلى جانب الإدارة الكتالونية يرى المحلل الرياضي أن ذلك قد يكون مبرراً وفق البعض؛ لأن خروج البرغوث من البطولة الإسبانية سيهز العقود التسويقية لها.
وأوضح أن ما يهم رابطة الليغا “ضمان استمرار ليو في الليغا قدر الإمكان”، وهذا بحد ذاته “وجهة نظر تسويقية صرفة”، فيما قال إن انحياز الرابطة إلى جانب نادي برشلونة يمكن وصفه بالطبيعي وفقاً للعقود واللائحة الخاصة بالمحترفين.
أما فيما يتعلق بالسيناريو الأقرب فرجح “سنان” اللجوء إلى أروقة القضاء “لتكون النهاية الحزينة لقصة حب بدأها ميسي في جدران النادي الكتالوني منذ الصغر وانتهت في المحاكم”.
وحول الأضرار التي لحقت بميسي، يقول المحلل الرياضي إنه يمكن تلخيصها بجملة واضحة هي “شماتة الأعداء”، في حال لم يوفق “البرغوث” في محطته القادمة، مشيراً إلى أنه “سيكون على ميسي تلقي كل سهام النقد بأن ما حققه من بطولات وإنجازات مردها إلى برشلونة لا إلى اللاعب نفسه”.
ويعتقد أن انتقال ميسي ورحيله عن “كامب نو” بات ضرورياً، مبيناً أنه “من الظلم أن نرى موهبة بحجم النجم الأرجنتيني بين تشكيلة من العجزة لم تعد تقوى على مقارعة أسماك السلمون في الليغا قبل حيتان القارة العجوز”، على حد وصفه.
ومن بين الارتدادات العكسية على القلعة الكتالونية، يوضح المحلل الرياضي أن برشلونة قد يجد نفسه أمام موجة تمرد قادمة لنجوم آخرين بعد أن كان النادي خلال سنوات خلت مثالاً للانضباط.
وتوقع أن يكون موسم برشلونة المقبل “حزيناً على عشاقه”، كما رجح معاناة الفريق كثيراً قبل العودة إلى سابق مجده، مرجعاً ذلك “ليس بسبب خروج ميسي فحسب، ولكن لأمور عديدة متعلقة بإدارة البيت الكتالوني”.
وشدد على أن المنظومة الكتالونية تحتاج إلى إعادة ضبط كلي، كما أشار إلى أن هناك تنافساً محموماً ومعارك خفية تدور رحاها خارج أسوار ملعب كامب نو منذ سنوات، بعد خروج متتالٍ ومذل لخمسة مواسم في دوري أبطال أوروبا انتهت بالسقوط المدوي أمام بايرن ميونيخ الألماني بالثمانية.