تونس تدخل مرحلة مفصلية وسط آمال بالتوصل إلى حل يشكل انطلاقة جديدة نحو انفراجات سياسية واقتصادية وتنموية
من ناصر العتيبي تونس (كونا) — مع إصدار الرئيس التونسي قيس سعيد مؤخرا أمرا رئاسيا بتمديد التدابير الاستثنائية التي اتخذها في 25 يوليو الماضي بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب (البرلمان) ورفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضائه حتى إشعار آخر تدخل تونس مرحلة مفصلية مهمة تتصاعد فيها الآمال بحل يشكل انطلاقة جديدة وانفراجات متعددة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وصحيا.
وفي حين ينتظر التونسيون البيان المتوقع أن يتوجه به الرئيس سعيد إليهم قريبا هناك ثمة بوادر وملامح رسم مقدماتها الرئيس بكشفه قرب إعلان تشكيل الحكومة الجديدة مجددا التأكيد على أن التدابير الاستثنائية التي اتخذها في 25 يوليو الماضي جاءت في “إطار الدستور”.
وعن شكل الحكومة التونسية المرتقبة أوضح الرئيس التونسي أنه سيسعى إلى إقامة نظام “يعبر عن إرادة الشعب التونسي” كما حرص على اعتبار الشعب التونسي بوصلته في العمل واتخاذ القرار لافتا إلى أن قراراته الاستثنائية تمت في إطار الدستور وجاءت بناء على “نظرية الضرورة”.
ومنذ ال 25 من يوليو الماضي تحول المشهد السياسي في تونس بإعلان سعيد جملة من القرارات الاستثنائية في إطار الفصل 80 من الدستور متمثلة بإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه وتجميد عمل المجلس النيابي واختصاصاته مدة 30 يوما ورفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضاء مجلس نواب الشعب فضلا عن تولي رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة يعينه الرئيس.
واستدعت هذه التطورات اهتماما كبيرا تعدى الساحة المحلية التونسية لينتقل إلى الساحتين العربية والدولية تمثل في القلق إزاء تطورات الأوضاع في هذا البلد الذي يرزح تحت وطأة اقتصادية ومعيشية وصحية صعبة فضلا عن ملفات أخرى.
وأحدث ردود الفعل تلك تمثل بدعوة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى (جي 7) إلى سرعة العودة إلى نظام دستوري في تونس يضطلع فيه برلمان منتخب بدور بارز إلى جانب تعيين رئيس حكومة لمعالجة الأزمات الحالية اقتصاديا وصحيا.
وقالت (جي 7) في بيان مشترك صادر عن سفراء دولها في تونس إن ذلك من شأنه أن يفسح المجال أمام حوار شامل حول الإصلاحات الدستورية والانتخابية المقترحة في البلاد داعية إلى “احترام الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لجميع التونسيين واحترام سيادة القانون”.
وفي معرض رده على تلك المطالبات دأب الرئيس سعيد على طمأنة الرأي العام المحلي والخارجي بتأكيده أنه لن يتجاوز الدستور أو يخرج عنه داعيا الجميع داخل تونس وخارجها إلى الاطمئنان إلى أنه يحتكم للقانون والدستور.
ولاحقا أخذت الأزمة التونسية منحى آخر باتهام الرئيس سعيد بعض الأطراف بالتآمر عليه مشددا على أنهم “سيتلقون جزاءهم بالقانون وسيتصدى لمحاولاتهم” مبينا أنه “لم يتم اتخاذ التدابير الاستثنائية بناء على الانتماء السياسي لأي شخص”.
وطلب الرئيس التونسي من السياسيين “ذوي الأيادي النظيفة” التريث قليلا وتفهم الوضع الحالي “حتى تستتب الأوضاع”.
في المقابل شكلت (حركة النهضة) لجنة لإدارة الأزمة السياسية برئاسة محمد القوماني “من أجل المساهمة في إخراج البلاد من الوضع الاستثنائي الذي تعيشه والبحث عن حلول وتفاهمات تجنب البلاد الأسوأ وتعيد الوضع المؤسساتي إلى طبيعته”.
وكان رئيس الحركة ورئيس البرلمان المعلق راشد الغنوشي أبدى استعداد حركته “لتقديم أي تنازلات من أجل إعادة الديمقراطية” قائلا إن “الدستور أهم من تمسكنا بالسلطة” ودعا إلى “حوار وطني في البلاد”.
إلى ذلك أكدت منظمات ونقابات تونسية تبنيها للمطالب الشعبية التي عبر عنها الشارع التونسي داعية الرئيس إلى وضع (خريطة طريق) للخروج من الأزمة الصحية والاقتصادية التي تشهدها تونس.
كما أبدت أحزاب ومنظمات وشخصيات تونسية تفهمها للاجراءات الاستثنائية التي اتخذها سعيد لكنها طالبته بتقديم “خريطة طريق” للخروج من الأزمة المتفاقمة في البلاد.
وعن تلك المطالبات قال سعيد إن “هناك من يتحدثون عن خريطة الطريق دون أن يعرفوا معناها” مبينا أن “الطريق الوحيد الذي سأسلكه بنفس الثبات والعزم هو الطريق الذي خطه الشعب التونسي”.
ووصف عميد المحامين التونسيين إبراهيم بودربالة قرارات سعيد بأنها “إيجابية” ومن الضروري أن تكون المرحلة الحالية “مرحلة علاج” للأسباب التي أدت إلى “تردي” الوضع في تونس وإصلاح المؤسسة القضائية.
وأعرب بودربالة في تصريح صحفي عن اعتقاده بأن تمديد العمل بالإجراءات الاستثنائية كان متوقعا “لأن 30 يوما ليست كافية”.
وأضاف أنه “حسب ما استنتجته من لقائي برئيس الدولة وتصريحاته لاحقا فإن له مشروعا اختار ألا يعبر عنه بصورة واضحة وأعتقد أن لديه نية في تغيير النظام السياسي والمنظومة الانتخابية”.
من جانبه قال أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ إن “الفرصة سانحة” لإنهاء العمل بدستور 2014 ووضع “نص مؤقت” لتنظيم السلطات وحل البرلمان إلى حين تقديم مشروع دستور جديد تصوغه لجنة يتم تشكيلها لهذا الغرض على أن يكون هذا الدستور منسجما ومقتضبا خلافا لدستور 2014 “الذي يتضمن الفكرة ونقيضها”.
ولفت محفوظ إلى وجوب “طرح مشروع الدستور الجديد على الاستفتاء والقطع تماما مع الدستور الحالي الذي لم يفرز إلا الأزمات والذهاب نحو دستور يكرس الديمقراطية ويحفظ الحقوق والحريات”.
من ناحيته أكد أستاذ القانون الدستوري الصغير الزكراوي أن تمديد التدابير الاستثنائية كان “ضروريا” قائلا إن “البرلمان التونسي انتهى وتعليق عمله يعني ضمنيا حله ولا مجال للعودة لاستئناف نشاطه”.
واكد الزكراوي في تصريح صحفي ضرورة نشر رئيس الجمهورية بيانا لتنظيم السلطة “يسمى الدستور الصغير” واصفا الدستور الحالي بأنه “مفخخ ويتضمن كل التناقضات” في حين يتمثل الحل في صياغة لجنة خبراء دستورا جديدا ومن ثم عرضه على الاستفتاء العام.
وفي المقابل أعرب حزب (الأمل) في بيان عن تخوفه إزاء تمديد التدابير الاستثنائية في ظل “ضبابية الرؤية وغياب تصور واضح للخطوات المقبلة” داعيا إلى رفع هذه الإجراءات وعودة المؤسسات لأداء عملها ومؤكدا تمسكه بالفصل بين السلطات والعودة للمؤسسات الشرعية.
بدوره رأى القيادي في حركة (النهضة) سمير ديلو في مداخلة تلفزيونية الثلاثاء الماضي أن تمديد العمل بالتدابير الاستثنائية “كان منتظرا” مبينا أن “عدم تحديد فترة التمديد يزيد من حالة الغموض التي ستكون لها عواقب سيئة على الديمقراطية”.
ورأى النائب في البرلمان المجمد حاتم المليكي أن قرار رئيس الجمهورية كان “منتظرا” داعيا رئيس الجمهورية إلى “إعلان خريطة طريق في المرحلة المقبلة”.
من جهته دعا حزب (التحالف من أجل تونس) رئيس الجمهورية إلى “إجراء استفتاء شعبي لتغيير نظام الحكم وإصلاح المنظومة الانتخابية والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة وضرورة تفعيل الفصل 163 من القانون الانتخابي والعمل على محاسبة المتورطين الفاسدين الذين تسللوا لمؤسسات الحكم” وفق ما كشفه تقرير دائرة المحاسبات من التجاوزات والجرائم الانتخابية لسنة 2019.
وجدد الحزب في بيانه أمس الأول دعمه ومساندته لقرار رئيس الجمهورية بتمديد الإجراءات الاستثنائية معربا عن ارتياحه للتمديد في تعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة عن النواب.
وفي هذا السياق قال القيادي في حركة (الشعب) هيكل المكي إن قرار رئيس الجمهورية بتمديد الإجراءات الاستثنائية إلى حين إشعار آخر “كان متوقعا” و”ليعلم الجميع أنه لا رجوع الى ذلك البرلمان الذي كان يعمل ضد مصلحة تونس ولا رجوع لما قبل 25 يوليو لأن اللعبة انتهت”.
وشدد المكي على أن “حجم إنهاك” مؤسسات الدولة خلال السنوات العشر الأخيرة كان “كبيرا جدا” ويستغرق سنوات للخروج منه مشيرا إلى أنه لا خوف على الحريات ولكن “لا بد من محاسبة الفاسدين”.