«بنك الصين» يعرض على الكويت قرضاً بـ 5 مليارات دينار على 19 عاماً… بفائدة 5.5 في المئة
يبدو أنّ الكويت عادت مجدداً إلى طاولة المشاريع الصناعية الكبرى المؤجلة، من خلال برنامج طموح لمشاريع صناعية كان الحديث عنها قد توقف في خضم التبعات التي شهدها الاقتصاد الكويتي بفعل تداعيات «كورونا».
وفي هذا الخصوص، علمت «الراي» أن مسؤولي بنك التنمية الصيني المكلف بإعداد الدراسة الفنية لمدينة الشقايا الاقتصادية، عرضوا بشكل غير رسمي إمكانية إقراض الكويت 5 مليارات دينار، يمكن أن توجهها لتمويل إنشاء البنية التحتية المطلوبة للمشروع، لكنّ مسؤولي البنك غمزوا من قناة قلقهم على الاستقرار الحكومي المطلوب للمضي قدماً بالمشروع وفقاً للمخطط له.
و«الشقايا» عبارة عن مشروع تنموي لإنشاء مدينة صناعية متكاملة في منطقة الشقايا جنوب السالمي على مساحة 50 مليون متر مربع، ويفترض أن يضم المشروع الذي تشرف على دراسة مكوناته ومتطلباته لجنة توجيهية مكونة من 14 جهة حكومية، مصانع ومحطات كهرباء ومحطات طاقة متجددة، ومواقع تخزينية ومرافق خدمات عامة، وجهات حكومية ومبانٍ سكنية ومناطق خضراء ومراكز بيئية وغيرها من جميع مكونات المدن الصناعية بنماذجها العالمية الكبرى.
وفي التفاصيل، أفادت المصادر بأن مسؤولين في «التنمية الصيني» أعدوا دراسة فنية لإنشاء «الشقايا»، متضمّنة مكونات المشروع المقترحة، حيث خلصوا إلى أن تكلفة إنشاء البنية التحية للمشروع تقارب 5 مليارات دينار، وذلك حسب التجربة العالمية في شأن إنشاء المدن الصناعية الكبرى، متوقّعين أن تصل تكلفة جميع مكونات المشروع إلى 19 ملياراً.
عوائد سنوية
وحسب الدراسة التحليلية المعدة تبلغ الفترة المتوقعة لإنشاء البنية التحتية لمشروع «الشقايا» عامين، فيما يُرجح أن تصل الفترة الإجمالية لتنفيذ المشروع ككل 10 سنوات، وقدرت الدراسة عوائد المشروع بنصف مليار دينار سنوياً، وهي أعلى من العوائد المقدرة سابقاً للمشروع عند 333 مليوناً، حيث يتوقع أن تصل عوائد متر الأنشطة الصناعية في المشروع نصف دينار شهرياً.
وبالطبع، تمثل أرقام التكلفة تحدياً كويتياً لتوفيرها من الميزانية العامة، خصوصاً مع تباطؤ عجلة الإنفاق الرأسمالي بضغط من التراجع الحاد في الإيرادات النفطية التي تمثل السواد الأعظم من الدخل، وهو ما قابله مسؤولو «التنمية الصيني» بتقديم عرض يتضمن بديلين تمويليين، دون أن ينسوا وضع شروطهم للإقراض.
واقترحوا أن يموّل «البنك الصيني» الحكومة الكويتية أو من يمثلها 5 مليارات دينار، تسددها على 19 سنة، بفائدة 5.5 في المئة.
أما البديل الثاني، أن تُنشئ الحكومة الكويتية شركة يقوم البنك بتمويلها المبلغ نفسه، بالشروط نفسها.
وبالنسبة لشروطه، فأوصى مسؤولو البنك أن يحصلوا على ضمانات حكومية تؤكد جدية تنفيذ المشروع دون تعثر، مطالبين بإقرار تشريعات أو تعديلات قانونية تضمن استقرار المشروع واستقطاب المستثمر الأجنبي، إضافة إلى منح الممول الصيني الحصرية في بعض الصناعات التي سيسعى إلى توطينها في الكويت، مع اعتماد كود بناء متكامل للمشروع بالتعاون مع «البلدية».
فرصة استثمارية
وأفادت المصادر بأن مسؤولي البنك الصيني أكدوا للجانب الكويتي أنهم يجدون في «الشقايا» فرصة استثمارية واسعة، لكنهم شددوا على أن نجاح المشروع وفقاً لمستهدفاته الصناعية والاستثمارية يتوقف على الضمانات التي يمكن أن توافرها الحكومة لممولي المشروع ومستثمريه، فيما لم ينكروا مخاوفهم من تكرار الصدامات السياسية التي واجهت مشروعات كبرى طرحت بالكويت، وتعثر طرحها رغم مرور سنوات على إطلاقها.
ولفتوا إلى مخاوفهم من أن تتبدل البصمة الحكومية مستقبلاً بخصوص توجهاتها نحو تنفيذ «الشقايا»، مدفوعة بضغوط سياسية هنا أو هناك، مبينين أن المخاوف التاريخية من استقرار المشاريع الكبرى في الكويت تزيد التكهنات السلبية لدى المستثمر الأجنبي، الأمر الذي يوجد حاجة لضمانات حكومية تهدئ مخاوف الممول والمستثمر الأجنبي من إمكانية عدم استقرار تنفيذ «الشقايا» بعد إطلاقه لأسباب سياسية.
وأوضح الصينيون أن لديهم تصوراً يضمن تحويل «الشقايا» من مجرد مشروع طاقة إلى مدينة اقتصادية، بمفهومها الواسع، لتشمل كل المشاريع اللازمة بالمدن الاقتصادية الرئيسية والمعروفة عالمياً، موضحين أنهم على استعداد للمشاركة في إدارة المشروع إلى جانب تمويل تنفيذ بنيته التحتية بالكامل، إذا أفلحت الحكومة في تطمينهم بضمانات تشريعية.
وجاهة العرض
وكويتياً، يجري بحث جدوى العرض الصيني، وتقدير فائدة التمويل المناسبة، مع مراجعة التكلفة الأقرب لتنفيذ البنية التحتية للمشروع، وما إذا كانت 5 مليارات أم يمكن أن تنفذ بتكلفة أقل، ووقتها ستحدد الحاجة التمويلية الحقيقية.
وإلى ذلك، علمت «الراي» أن هناك تحضيرات كويتية لطرح بديل استثماري وتمويلي لتنفيذ «الشقايا»، لافتة إلى أن ضمن الأفكار محل الدراسة والتي تتمتع بوجاهة، أن يتحمل البنك الصيني تكلفة تنفيذ «الشقايا» بالكامل، مقابل امتياز استغلاله المشروع، بنظام الـ«B.O.T»، على أن تخصص 30 في المئة من المنتجات المطروحة بمناقصات المشروع للصناعات الكويتية.
وقالت المصادر إن هذه الحالة تضمن للكويت تنفيذ أحد مشاريعها العملاقة المدرجة ضمن رؤية الكويت 2035، في وقت تواجه فيه مخاطر نفاد السيولة، ودون تحمل أعباء التكلفة الضخمة، وبالنسبة لمنافع الجانب الصيني فتتمثل في استفادته بتنفيذ المشروع الذي أبدى قناعة واسعة بأهميته ومستقبله، وحصوله على العوائد التي قدرها في دراسته الفنية.
وبالنسبة للضمانات التي يطلبها البنك الصيني من الحكومة، فأوضحت أن مطالبته ستكون محل دراسة من اللجنة التوجيهية المكلفة بمتابعة أعمال مذكرة التفاهم مع «البنك الصيني» ومن ثم رفع توصياتها إلى مجلس الوزراء لاتخاذ اللازم.
هل الحكومةمقتنعة بالمستقبل الصناعي؟
رغم الأهمية القصوى التي يتمتع بها القطاع الصناعي في تعظيم إيرادات الدولة مستقبلاً بعيداً عن العوائد النفطية، باعتبار أن استثمارات الصناعة والبنية التحتية والابتكار عوامل حاسمة الأهمية للنمو الاقتصادي والتنمية، إلا أن جميع المؤشرات تعكس أن هذا القطاع لا يزال خارج أولويات الحكومة.
وتسلط الأرقام التي استعرضها ممثلو بنك التنمية الصيني في نقاشاتهم مع الجانب الكويتي بخصوص مشروع الشقايا، الضوء وبقوة على أهمية الاستفادة من القطاع الصناعي، وإمكانية تحويله إلى أحد أهم روافد الخزينة العامة، إضافة إلى أهميته في تنفيذ رؤية الكويت 2035، مع إمكانية أن يتحقق تمويل المشاريع الصناعية التنموية بقيادة ذاتية بعيداً عن الميزانية العامة.
لكن المفارقة أن الحديث الرسمي المفتوح أخيراً بأكثر من مناسبة لم يتعرض إلى القطاع الصناعي إلا من بوابة رفع رسوم القسائم والخدمات الصناعية، ورغم أن قيمة الصادرات حالياً تمثل 1.67 مليار دينار سنوياً، إلا أنه يغيب على المشهد الحكومي التركيز على وضع إستراتيجية تعظم عوائد الدولة من بوابة القطاع الصناعي المحلي، للدرجة التي يبدو فيه أنه قطاع منسي، ما يجعل السؤال مشروعاً، هل الحكومة غير مقتنعة بمستقبل القطاع الصناعي ولذلك لا تضعه على رأس أولوياتها؟