المحامي محمد ناصر العتيبي يكتب: المسؤولية المدنية والجنائية للمعلم
بقلم: المحامي محمد ناصر العتيبي:
بادئ ذي بدء، لقد أكد الدستور على حق التعليم كأحد الحقوق الأساسية والطبيعية للأفراد، بل أوجب على الدولة التزاما بأن تكفل التعليم وترعاه وأيضا تقدمه مجانا في مراحله الأولية. فقد نصت المادة 10 من الدستور على: ترعى الدولة النشء وتحميه من الاستغلال وتقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي.
كما نصت المادة 13 منه على: التعليم ركن أساسي لتقدم المجتمع، تكفله الدولة وترعاه.
وجدير بالذكر أن دور المعلم في المجتمع وما يحمله من رسالة سامية هو الدور الأساسي والأول لتقدم أي مجتمع، بل إن المعلم يتفوق في أهمية دوره على جميع المهن الأخرى كالأطباء أو المحامين أو المهندسين، لا سيما أنه هو من يؤسس في المجتمع جيل المستقبل والذي ينبثق منه جميع المهنيين باختلاف اختصاصاتهم كالطبيب والمحامي والمهندس.
ولكي نستطيع أن نحدد مسؤولية المعلم ابتداء فلابد أن نعرف من المعلم؟ ومن التلميذ؟
المعلم: هو كل من يتولى تربية وتعليم التلاميذ ويتولى رقابتهم في جميع مراحل الدراسة فيما عدا مرحلة التعليم العالي، سواء نهارا أو ليلا، بمقابل أو مجاني.
التلميذ: هو الطفل أو الصبي القاصر الذي يتلقى العلم على يد المعلم ويخضع لرقابته أثناء التدريس.
ويثور التساؤل: هل هناك عمر معين لهذا الصبي القاصر الذي يحتاج للرقابة وذلك لضعف الإدراك والتمييز لديه؟ وبعبارة أخرى للسؤال من الذي يخضع للرقابة؟ ونجيب عن هذا السؤال بعد استعراض مجمل النصوص القانونية المعنية بحماية القاصر ليتضح لنا الآتي: يظل الولد بحاجة الى الرقابة مادام لم يتجاوز عمره 15 سنة أو تجاوزها وكان في كنف القائم على تربيته.
وتنتهي الرقابة في جميع الأحوال بعد بلوغ سن 21 سنة، ما لم يكن هناك سبب آخر كالحالة العقلية أو الجسمانية.
وعليه فقد قرر المشرع مسؤولية تقع على متولي الرقابة تجاه الغير، ونص على ـ مادة 238 مدني: كل من يجب عليه قانونا أو اتفاقا رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة بسبب قصره أو بسبب حالته العقلية أو الجسمية، يكون ملتزما في مواجهة المضرور بتعويض الضرر الذي يحدثه له ذلك الشخص بعمله غير المشروع، وذلك ما لم يثبت أنه قام بواجب الرقابة على نحو ما ينبغي، أو أن الضرر كان لابد واقعا ولو قام بهذا الفعل، وذلك بجميع الأحوال سواء ألزم القانون شخصا معينا بالرقابة أو كان مصدر الرقابة هو الاتفاق.
ومما سبق يتضح لنا أن المعلم تقع عليه مسؤولية تولي رقابة التلاميذ وهم الصبيان القصر.
وبداية ونهاية مسؤولية المعلم: فهي ذاتها مسؤولية الوالدين، وتبدأ من تسليم الوالدين أطفالهما إلى المعلم، وتنتهي بالعكس، فالمسؤولية هنا تنتقل من شخص إلى شخص آخر بالتسليم.
وتتنوع مسؤولية المعلم بتنوع حالات المسؤولية كالآتي: الضرر الذي يحدثه التلميذ للغير، وهنا تكون المسؤولية على المعلم طبقا لفكرة الخطأ المفترض لمتولي الرقابة.
الضرر الذي يقع للتلميذ من الغير، هنا توجد حالات مختلفة، فإذا كان الغير هو تلميذا أيضا وتحت رقابة المعلم تتحقق مسؤوليته، أما إذا كان الغير سببا أجنبيا كالقوة القاهرة مثل «الزلازل والكوارث»، ففي هذه الحالة تنتفي مسؤولية المعلم.
الضرر الذي يقع للتلميذ بنفسه، هنا يكون المعلم مسؤولا سواء طبقا لمتولي الرقابة أو قد تكون مسؤولية حارس الشيء ومثال الأدوات التعليمية الخطرة. (وهنا قد تقع المسؤولية على الوالدين وقد تكون المسؤولية مشتركة، بمعنى أن المعلم يعوض فقط بنسبة خطئه في الرقابة إذا تم إثباتها أنها مسؤولية مشتركة بين المعلم والوالدين).
الضرر الذي يقع على التلميذ بسبب المعلم، وهنا يكون المعلم مسؤولا مدنيا بحكم المسؤولية التقصيرية.
٭ صور خطأ المعلم:
انعدام أو عدم كفاية الرقابة: الحالة الأولى تتمثل في انعدام الرقابة وهو ترك المعلم التلاميذ ومثال أن يولي المعلم تلميذا آخر (صبي قاصر ويحتاج للرقابة أيضا) ويذهب هو لمكان ما. الحالة الثانية: عدم كفاية الرقابة وهو ضعف الرقابة نفسها ومثال: أن يتولى معلم واحد الإشراف على 100 تلميذ بينما النظام المتبع يكون مثلا 3 مشرفين.
الإهمال في الرقابة: وهو أن يكون المعلم متواجدا بين التلاميذ ولكن يهمل رقابته لهم ومثال أن يعلم بوجود ماء على الأرض ثم ينزلق احد التلاميذ بسبب هذا الماء ويصاب، أو ينشغل عن التلاميذ بشيء ماء ثم يتشاجر التلاميذ بينهم ويصابون.
تسهيل وقوع الضرر: ومن أهم أمثالها هو أن يترك المعلم أشياء أو أدوات خطرة بمتناول التلاميذ ثم تتسبب تلك الأدوات بإصابتهم. ومثال عليها المواد الكيميائية أو السكاكين والشفرات الحادة أو الألعاب الخطرة التي لا تناسب أعمارهم كالسباحة مثلا أو ركوب الخيل.
عدم اتخاذ الاحتياطات الأمنية: وهي عدم اتخاذ إجراءات وقائية لمنع الحدث ومثال أن يعلم المعلم أن هناك مشاجرة لفظية أو نوايا معلنة بين التلاميذ للشجار، ثم يترك المعلم هؤلاء دون أن يتخذ إجراءات وقائية ويبعدهم عن بعض.
٭ صور أخطاء من جانب المعلم لا يسأل عليها:
الدفاع الشرعي: وهو سبب من أسباب الإباحة الجنائية، وأيضا قد يلجأ له المعلم لكي يدفع خطرا يهدده او الغير في الحال، ومثال كأن يقدم معلم على ضرب يد تلميذ يحمل سكينا وكان يشرع في الاعتداء على تلميذ آخر.
حالة الضرورة: قررت المادة 236 مدنيا أن من يحدث ضررا في مال الغير وكان حتميا لكي يتقي خطرا جسيما لا يلزم بتعويضه. ومثال لو اضطر شخص أن يكسر نافذة سيارة تتدحرج ليفتح الباب ويوقفها وهي متجهة نحو التلاميذ.
تنفيذ أمر الرئيس: ومثال عليه كأن يكون المعلم متوليا رقابة تلاميذ، ثم يصدر أمر رئيسه للقيام بعمل بعيد عن التلاميذ، ثم يقع ضرر على احد التلاميذ وهو بعيد عنهم بسبب أمر الرئيس.
فعل الغير: وهو ان يقتحم مثلا شخص الصف المدرسي ثم يعتدي على المعلم ولا يستطيع المعلم إيقافه كأن يكون مسلحا أو مجموعة من الأشخاص ويتسبب أيضا بالاعتداء على التلاميذ.
٭ حلول الدولة محل المعلم في دعاوى التعويض
المادة 239 مدني: تحل مسؤولية الدولة محل مسؤولية المعلم. فإن كان المعلم يعمل في مدرسة أو معهد خاص، حلت مسؤولية صاحب المدرسة أو المعهد محل مسؤوليته.
ولا يجوز للدولة أو لصاحب المدرسة أو المعهد الرجوع على المعلم بما يدفعه للمضرور، حتى لو تعذر استيفاؤه من مال التلميذ نفسه، وذلك ما لم يثبت الخطأ على المعلم.
ولا شك أن هذه المادة قد اعطت حماية للمعلم من المسؤولية المدنية ولكن فقط في حالة الضرر الذي من الممكن ان يوقعه التلميذ على الغير، اما في الاضرار التي يرجع سببها على المعلم نفسه فهذه لا تحل الدولة محل مسؤولية المعلم.
٭ المسؤولية الجنائية للمعلم: مادة 166 جزائي: كل شخص يلزمه القانون برعاية شخص آخر عاجز عن أن يحصل لنفسه على ضرورات الحياة بسبب سنه أو مرضه أو اختلال عقله أو تقييد حريته سواء نشأ الالتزام عن نص القانون مباشرة أو عن عقد أو عن فعل مشروع أو غير مشروع، فامتنع عمدا عن القيام بالتزامه، وأفضى ذلك إلى وفاة المجني عليه أو إلى إصابته بأذى، يعاقب حسب قصد الجاني وجسامة الإصابات بالعقوبات المنصوص عليها في المواد 149و150و152و160و162و163، فإن كان الامتناع عن إهمال لا عن قصد، وقعت العقوبات المنصوص عليها في المادتين 154و164.
وتتراوح العقوبة إذا ثبت تعمد المعلم حسب الأحوال الآتية: إذا كانت النتيجة هي وفاة القاصر وكان السبب يرجع للمعلم وثبت تعمده تصل العقوبة إلى الحبس 20 سنة أو الحبس المؤبد أو الإعدام، وفق المواد 149، 150، 152 جزاء.
أما إذا تعرض القاصر إلى أذى أفضى إلى إصابته بعاهة مستديمة قد تصل العقوبة الحبس لعشر سنوات.
وإذا نتج عن الأذى الذي تعرض له القاصر آلام بدنية شديدة أو أفضى إلى جعله عاجزا عن استعمال عضو أو أكثر من جسمه بصورة طبيعية لمدة تزيد عن ثلاثين يوما دون أن تكون عاهة مستديمة، قد تصل العقوبة إلى الحبس لخمس سنوات وفق المادة 162 جزاء.
أما في حالة كان الأذى الذي تعرض له القاصر عبارة عن ضرب أو جرح أو تعد بسيط على جسمه يعاقب وقد تصل العقوبة للحبس سنتين أو ثلاثة شهور حسب الأحوال وفق المادتين 160 أو 163 جزاء.
أما في حالة ثبتت مسؤولية المعلم وكان فعله غير عمدي لكنه نتج عن إهمال من جانب المعلم فيعاقب حسب الأحوال:
إذا نتج عن فعل المعلم المهمل وفاة القاصر قد تصل العقوبة إلى الحبس ثلاث سنوات وفق المادة 154 جزاء.
أما إذا كان مجرد أذى أو جرح على نحو محسوس قد تصل العقوبة إلى الحبس لمدة سنة.
وجدير بالذكر أن المادة 167 جزائي قررت أيضا على كل رب أسرة ان يتولى رعاية الصغير الذي لم يبلغ 14 سنة، بنفس ما نصت عليها المادة 166 جزائي.
دراسة مختصرة عن مسؤولية المعلم مقدمة من المحامي محمد ناصر محمد العتيبي عضو جمعية المحامين، وعضو جمعية الحقوقيين