ما أسباب زيادة الاستثمار الأجنبي في أذون وسندات الخزانة المصرية؟
أشارت تقارير مالية دولية إلى وجود ارتفاع في حجم الاستثمارات الأجنبية في أذون وسندات الحكومة المصرية بالعملة المحلية، مما فسره البعض بنجاح للدولة المصرية في إيجاد بدائل لسد عجز الموازنة.
وذكرت وكالة “ستاندردز اند بورس” للتصنيف الائتماني في تقرير صدر في سبتمبر/أيلول الماضي، أن استثمارات الأجانب في أذون وسندات الحكومة المصرية بالعملة المحلية ارتفعت إلى 33 مليار دولار، وهو ما يمثل 13 في المائة من إجمالي الأوراق المالية المصدرة خلال العام الحالي 2020-2021.
وبينما أثنى بعض المحللين الاقتصاديين على قدرة هذه السندات والأذون على جذب الاستثمار الأجنبي، بسبب العائد المادي المرتفع الذي توفره للمستثمر الأجنبي، قال آخرون إن المنافسة الشرسة التي تقوم بها القطاعات الحكومية والرسمية تمثل عائقاً أمام أي فرص للاستثمار الحقيقي في البلاد.
وسعت الحكومة المصرية إلى تنويع مصادر أدوات الدين من خلال إقرار قانون الصكوك السيادية في أغسطس/آب الماضي والذي يتيح المزيد من الأوراق المالية التي يمكن للأجانب الاستثمار فيها والحصول على عائد مادي كبير يستخدم بالأساس في تمويل الموازنة العامة للدولة، وتوفير “السيولة المالية” اللازمة لاستكمال مشروعات البنية التحتية والمشروعات الاستثمارية والتنموية المدرجة على برنامج الحكومة المصرية.
ووفقا لأرقام وزارة المالية المصرية المعلنة خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري فقد انخفض العجز الكلى للموازنة إلى نحو 7.4% من إجمالي الناتج القومي، حيث بلغت الإيرادات ١١٩ مليار جنيه غالبيتها من الضرائب مرتفعة بنسبة قد ١٢ ٪ عن العام المالي الماضي، وزادت المصروفات بنسبة 9% بسبب الانفاق على الصحة العامة ومكافحة كورونا
شهية ضعيفة
وائل جمال الباحث الاقتصادي في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يرى أن المستثمرين الأجانب الذين يلجأون إلى ضخ أموالهم في أدوات الدين الحكومية يختلفون تمامًا عن تلك الشريحة التي توجه أموالها إلى قطاعات الاستثمار الأخرى.
ووفقا لجمال فقد أصطُلِحَ على تسميتها بالأموال الساخنة “هوت موني ” بالإنجليزية بسبب أنها أموال دائمة الحركة والتدوير بسرعة ولا تستقر في مكان واحد لفترة زمنية طويلة، وهو نوع من الاقتراض بفائدة تتجنب مخاطر الاقتصاد الحقيقي الذي يقوم على معايير الخسارة والربح وتقدير عناصر ومدخلات الإنتاج.
ويلقي الباحث الاقتصادي الضوء على ما وصفه بانخفاض ” شهية المستثمر الأجنبي نحو المخاطرة بأمواله في مصر” لأسباب تتعلق بالأسواق الناشئة وتراجع معدلات النمو في العالم بسبب أزمة كورونا، رغم أن مصر من أكثر البلاد الموقعة على اتفاقيات تبادل تجاري واقتصادي مع العديد من الاقتصاديات الكبرى والدول الصديقة وتقدم حوافز الاستثمار الأجنبي غير متوفرة حتى للمستثمر المحلي”، على حد قوله.
أعلى فائدة مقارنة بالتضخم
محمد نجم الخبير الاقتصادي بوزارة المالية المصرية يقول إن سبب التدفقات النقدية على أدوات الدين المصرية يرجع إلى جاذبية هذه الأوراق المالية – من وجهة نظره – التي تعطي أعلى عائد مادي في العالم بالإضافة إلى توفر السيولة المالية حول العالم بسبب موجات الانكماش التي حدثت بالتزامن مع أزمة كورونا.
ويقول نجم إن الفائدة على أدوات الدين من أسهم وسندات وأذون الخزانة التي تصدرها وزارة المالية تصل إلى نحو 8 في المائة سنويًا وتزيد إلى أكثر من 14 في المائة على أذون وسندات الخزانة التي تصل مدتها إلى نحو 30 عامًا.
ويضيف الخبير الاقتصادي أن من عناصر الجذب للاستثمار في أدوات الدين المصرية هو معدل التضخم المنخفض الذي مازال “تحت السيطرة” – بحسب وصفه – حيث يقول إن هذا المعدل بلغ في شهر أغسطس/آب الماضي وفق بيانات حكومية 5 في المائة فقط، وبحساب الفرق بين معدل الفائدة والتضخم يتضح أن المستثمر في مصر يحصل على عائد إيجابي بنحو 3 في المائة من قيمة الأموال التي يقوم باستثمارها.
ويضيف نجم أن توحيد سعر صرف النقد الأجنبي الذي تم في إطار برنامج إعادة هيكلة الاقتصاد المصري منذ العام 2013 أتاح للمستثمر في مجال الأموال الساخنة “بيئة مرنة” تمكنه من معرفة سعر دخول وخروج الأموال التي يقوم بضخها داخل السوق المصرية.
وحول مخاطر خروج هذه الأموال بأحجام كبيرة يمكن أن تتسبب في هزة للاقتصاد المصري، يقول الخبير بوزارة المالية المصرية إن السوق المصرية شهدت خلال العامين الماضيين أكثر من ثلاث موجات لخروج هذه الأموال الساخنة، ومع ذلك لم يتأثر سعر الصرف للنقد الأجنبي بسبب أن البنك المركزي المصري يقوم بإيداع هذه الأموال في “حسابات هامشية” تسمح بخروجها في أي توقيت دون حدوث هزة في الأسواق.
وفي تصريحات صحفية الأسبوع الماضي قال الدكتور محمد معيط وزير المالية المصري إن الحكومة تعتزم استئناف برنامجها الطموح لطرح حصص من الشركات المملوكة للقطاع العام للمستثمرين المحليين والأجانب في البورصة، وهو البرنامج الذي توقف خلال العامين الماضيين بسبب أزمة كورونا وما صاحبها من ركود اقتصادي عالمي.
منافسة حكومية شرسة
غير أن الصحفي الاقتصادي المصري ناصر الحويطي يقول إن من أبرز معوقات الاستثمار الخاص بشقيه المحلي والأجنبي في مصر هو المنافسة الشرسة التي تقوم بها القطاعات الحكومية والرسمية في قطاعات الاقتصاد المصري المختلفة.
ويضرب الحويطي أمثلة لبعض القطاعات التي تشهد عزوفًا من جانب المستثمرين المحليين والأجانب لضخ أموالهم فيها مثل قطاع المنتجات الغذائية وقطاع العقارات، مشيرًا إلى أن المستثمر الأجنبي يذهب إلى الاستثمار الآمن الذي لا يشهد أي مخاطر ولا يعاني من مشكلات قد تؤثر على انتاجية العمال أو تَوفر المواد الخام ومدخلات الانتاج.
ويقول ناصر الحويطي إن تقليل منافسة الهيئات الحكومية هو السبيل إلى تحفيز الحكومة المصرية للاستثمارات الأجنبية في قطاعات الاقتصاد المختلفة، بعيدًا عن الاستثمار في أدوات الدين الحكومية فقط، كما شدد على دور الدولة التنظيمي لوضع القواعد وحل النزاعات وتوفير مدخلات الإنتاج، وخلق بيئة تشريعية مواتية لتوفير حوافز تصديرية للقطاعات التصديرية وتوفير الطاقة بأسعار تنافسية.