ليتني تحزّبت يا جدتي – بقلم : مناور الراجحي
جدتي شأنها شأن باقي الجدات عندما يضيق بها الحال ولا تجد لمعضلاتها إجابة أو حتى صيغة للسؤال تمتنع عن الحوار وتكتفي برفع أكفها إلى السماء وتلهج بالدعاء في السر والعلن، تدعو الله تعالى أن يزيل البلاء ولسان حالها يقول «ما بال قومي منتفضون من جلسة لجلسة ومن مجلس لمجلس ومن قاعة لقاعة، يتحاورون ويتجادلون فتتعالى أصواتهم باقتراب الغيث ونسمع زمجرة وجعجعة ولا نرى غيثا ولا ماء في غدير».
لست أعلم يا جدتي ما بال دعائك واقف على أبواب حنجرتك كجلمود صخر مترنح، لماذا لا يصعد للسماء؟ لماذا لا يجد طريقا يشق به هذا الحوار ويطرحه أرضا؟ أين قداسة تراتيل صلواتك في المساجد والبيت العتيق؟ هل من بين هؤلاء المصلين معك شامت لا يروقه الخير والهدوء والسكينة والطمأنينة؟ لماذا كل هذا اللغط والتخوف؟ لماذا كل هذا الوقت المعلن والمهدور؟
مسكينة هي جدتي، تطوف حول البيت بلا كلل أو ملل، تحمي حماه وترعى أبناءه، توفر لهم ما يحتاجون من غذاء ودواء وكساء، رائعة أنت يا جدتي كروعة مروج وطني وجهك الباسم كإشراقة شمسه وأرضه وسمائه إرث أجدادي يا جدتي وأنينك وأمنك وأمانك ليس للمداولة ولا للمحاورة، أنت لست سلعة يا وجه بلدي، أنت الثوابت والأصول وهم المتغير الذي تدور على الفروع.
جدتي، هل تعلمين أن حبيبتك الكويت فيها ما فيها من فساد نخر في الساس وهده في قباب الأرض وهدير مياه البحار، لقد تفتت السور يا جدتي، أتلفت كل ما فيه من ذكريات، هل تذكرين وقت الذهاب إلى الدكان بأمن وأمان؟ أتذكرين حديقة الحيوان، المدينة الترفيهية، حديقة الحزام الأخضر (الشهيد)؟ بالطبع تذكرين، وتتذكرين الجيران وأصحابنا في تلك الرحلات، ومع فتات السور وهدير مياه البحار، لم يعد هناك عود أمل نتشبث به أبدا يا جدتي.
جدتي الغالية، أنت تعرفين أن الحق هو الحق الذي لم يعد تصدح به مكبرات المساجد، بل حتى من هو أقل سلطة وأعلى من ذلك، فالكثير يرى الحق ويفضل اللثام وحتى عدم النطق به، لا يا جدتي، إنها ثماني سنوات وقبلي الكثير ومثلي الكثير، نعم يا جدتي تلاشت الصداقة والأخوة والترابط والتلاحم والتراحم إلا ما رحم ربي، جدتي أعلم أنك لن تسمعي كلامي، لكني تذكرت كلمات ترنمت بها فتذكرتها وكتبتها لتنتقل إلى أحفادي، فأنا يا جدتي جعلتني الصدمة – ما أراه اليوم من الأحبة ومن الأصدقاء الذين تركوا من كان لهم عونا ومن كان لهم سندا ومدافعا ومقاتلا ولم ينصفوه – كجد هشمت وجهه السنين العجاف.
أرجوحتي الأخيرة يا جدتي:
جدتي، بعدما تجاوزت الخمسين ربيعا أقولها بالصوت المدوي لن تنفع طيبتي التي ورثتها منك، ولم تجد خدمتي التي ورثتها من أبي، ولم تسامح بسمتي التي ورثتها من أمي، ولم يرحمني من رحمته، ولم يسامحني من سامحته، ولم.. ولم.. ولم، فيا ليتني يا جدتي رفعت صوتي وفتلت شنباتي وكشفت عن عضلاتي قبل فوات الأوان، ليتني تحزبت يا جدتي، اسمعيها مني ولو مرة واحدة «احذر أن تعيش لغيرك»، حتى ولو كان وطنا. وطني الكويت سلمت للمجد.
يا تعب حالي يا جدتي يا تعبها
زادت مصائب الحاضر على الماضي
لو بلمها يصعب علي لمها
متضايق المظلوم من قرار القاضي