حكاية القاتل الذي اعتدى جنسياً على عدد لا يحصى من الموتى لعقود
كانت ويندي كنيل وكارولين بيرس في العشرينات من العمر وبداية مشوار حياتهما في عام 1987.
لم تكونا تعرفان بعضهما البعض، ولكن كانت لكل منهما وظيفة وأصدقاء ووجدتا سكنا مشتركا في بلدة تونبريدج ويلز في مقاطعة كينت الإنجليزية. كانت بلدة نابضة بالحياة في ذلك الوقت، ثم تقاطعت طرقهما مع سبل ديفيد فولر.
تحذير: تحتوي هذه المقالة على معلومات سيجدها البعض مزعجة
كانت ويندي كنيل، البالغة من العمر 25 عاما آنذاك، قد انتقلت إلى مسكن مشترك بعد فشل زواجها.
وتعتقد جولي مونكس، والتي كانت صديقة لها في ذلك الوقت، أن الانفصال كان بمثابة ضربة قاصمة لها، ووصفت ويندي بأنها كانت مستقلة وتعمل بجد، لكنها كانت عازمة على إنجاب الأطفال وبناء أسرة.
وكانت لدى ويندي وظيفة في متجر الصور سوبا سنابس، وفي ليلة 22 يونيو/حزيران من عام 1987 قام صديقها بتوصيلها إلى المنزل المشترك الذي تقيم فيه.
وفي اليوم التالي، تم اكتشاف جثتها عارية، وقد غطت الدماء الفراش الذي كانت مستلقية عليه.
ولم يسمع الجيران شيئا عبر الجدران الرقيقة في السكن المشترك رغم أنها تعرضت للضرب والاعتداء الجنسي والخنق.
وكانت كارولين بيرس في العشرين من عمرها، وعملت في مطعم باستر براونز، وهو مطعم شهير في تونبريدج ويلز.
في الليلة التي اختفت فيها، وردت أنباء عن صراخها عند باب بيتها.
ومرت 3 أسابيع قبل اكتشاف جثة كارولين منتفخة على بعد 40 ميلا ملقاة عارية، باستثناء الجوارب الضيقة التي كانت ترتديها، في ساقية تصريف في أرض زراعية في رومني مارش على الساحل الجنوبي.
ولم يرها سائق جرار إلا بالصدفة بسبب موقعه في أعلى كابينة الجرار.
وكانت إصابات كارولين مشابهة لإصابات ويندي، وكان المحققون متأكدين من أن عمليات القتل، المعروفة باسم “جرائم قتل السكن المشترك”، مرتبطة ببعضها.
وفي الثمانينيات، لم تكن هناك هواتف محمولة للتتبع أو كاميرات مراقبة، وكان تحليل الحمض النووي في بدايته حيث تم إنشاء قاعدة البيانات الوطنية للملفات الشخصية للجناة بعد ثماني سنوات من تلك الحوادث.
وكان لدى المحققين بعض الأدلة الجنائية: بصمة دموية على حقيبة تسوق وبصمة قدم على بلوزة بيضاء في شقة ويندي.
وفي عام 1999، تبددت آمال المحققين عندما فشلت عينة الحمض النووي في مطابقة أي شخص في قاعدة البيانات الجديدة.
وعلى الرغم من مناشدات برنامج كرايم ووتش في بي بي سي للجمهور بالمساعدة، إلا أن مسار هذا الملف وصل إلى طريق مسدود.
وقال المحقق المخضرم ديف ستيفنز، الذي حقق في القضية ، لبي بي سي في عام 2007: “لقد قلصنا حجم التحقيق، لكن شيئا واحدا لم نفعله أبدا هو إغلاق التحقيق”.
وبحلول عام 2019، كان خبراء الطب الشرعي قد طوروا تقنيات جديدة لجمع الحمض النووي من عينة الحيوانات المنوية التالفة مثل تلك الموجودة على جوارب كارولين الضيقة.
وقد قاموا بتطبيق تقنية أخرى جديدة نسبيا، وهي “الحمض النووي العائلي” والتي تسمح للعلماء بتحديد ما إذا كان شخص ما له صلة قرابة بشخص تم اكتشاف الحمض النووي الخاص به في مسرح الجريمة.
وكان ذلك “أمرا بالغ الأهمية”، وفقا لما ذكره نويل ماكهيو، المحقق السابق في شرطة العاصمة، الذي قدم المشورة لمحققي كينت ويعمل الآن في الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة.
فإذا لم يتم القبض على القاتل لارتكاب جريمة أخرى وأخذ الحمض النووي الخاص به وإدخال ملفه الشخصي في قاعدة البيانات، فإن عينات الحمض النووي المأخوذة من موقعي جريمتي القتل ستظل مجهولة الهوية.
وقال ماكهيو: “لكن الحمض النووي العائلي سمح للمحققين بتقليص 6.5 مليون ملف تعريف على قاعدة بيانات الحمض النووي الوطنية إلى عدد أصغر يمكن في النهاية من خلالها تحديد القاتل”.
ثم درس الضباط قائمة الاشخاص الذين كانوا يقيمون ويعيشون في منطقة جرائم القتل ومن كان منهم في سن مناسب.
وقال ديت سوبت إيفان بيسلي، كبير المحققين: “لقد توصلنا إلى قائمة طويلة من الأشخاص وكان ترتيبهم يمثل الاحتمال الأقرب لوجود صلة بالقاتل”.
وكان أقرب تطابق جزئي للحمض النووي لأحد أشقاء فولر، فدرست الشرطة شجرة العائلة وركزت على أحد الأقارب.
وُلد ديفيد فولر في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي وتلقى تدريبه ككهربائي ورجل صيانة أثناء عمله في أحواض بناء السفن البحرية في بورتسموث.
وفي المدرسة، واجه مشكلة مع الشرطة لسرقة دراجات وإتلاف ممتلكات عبر اشعال حرائق.
وفي السبعينيات من القرن الماضي، ارتكب سلسلة من عمليات سرقة السيارات. وبحلول عام 2020، كان فولر يعيش مع زوجته الثالثة وابنه المراهق في هيثفيلد، في غرب منطقة ساسكس.
وفي 3 ديسمبر/كانون الأول من عام 2020، طرقت الشرطة باب منزله الهادئة المجهز جيدا بشكل ملحوظ بكاميرات المراقبة.
وزعم فولر، عند استجوابه، أنه لا يعرف تونبريدج ويلز جيدا، على الرغم من كونها البلدة المجاورة لمحل إقامته وأنه لم يزر متجر سوبا سنابس أو مطعم باستار براونز، وبالتأكيد لم يكن متورطا في جرائم القتل.
وقال ديت سوبت بيسلي :”كانت تلك كذبة”، وكان المحققون على وشك إثبات ذلك.
احتفظ فولر بأكوام من أجهزة الكمبيوتر القديمة، والأقراص الثابتة والهواتف المحمولة و 34 ألف صورة مطبوعة.
وكان قد سجل حياته بحرص شديد: الفواتير التي أصدرها كرجل صيانة وكهربائي، ومذكرات تفصيلية عن ليالي الخروج في المطاعم، وصور تظهر جولات مع ناد لركوب الدراجات.
واكتشفت الشرطة أن الفواتير التي أصدرها كانت عن أعمال نفذها قرب تونبريدج ويلز. وأظهرت المذكرات أنه كان يزور مطعم باستر براونز بانتظام.
وعاد أعضاء نادي ركوب الدراجات بذاكرتهم ليصفوا الطرق التي سلكوها بما في ذلك طريق رومني مارش حيث تم اكتشاف جثة كارولين.
لقد عاش بالفعل في نفس الشارع الذي سكنته ويندي في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
وأظهرت إحدى الصور فولر مستلقيا على بطنه في يوم مشمس في الثمانينيات من القرن الماضي، وقدماه مرفوعتان، ونعل حذاء من نوع كلاركس مكشوف.
وتطابق شكل الخطوط في أسفل الحذاء مع بصمة الحذاء التي عثر عليها في شقة ويندي وتطابقت بصمات أصابعه جزئيا مع البصمة الدموية على حقيبة التسوق.
وأصبحت القضية واضحة عندما تطابقت عينة من الحمض النووي المأخوذ من فولر مع الحمض النووي للسائل المنوي الذي عثرت الشرطة عليه قبل عقود على جوارب كارولين الضيقة. ووجد المحققون القاتل بعد 33 عاما.
لكن التحقيق لم ينته، فقد كان على وشك اتخاذ منعطف أكثر إزعاجا.
كان الخبراء يفحصون في منزله أجهزة الكمبيوتر التي تم تخزينها منذ الثمانينيات، بما في ذلك المئات من محركات الأقراص الثابتة وبطاقات الذاكرة و2200 قرص تخزين.
وكان لديه 30 هاتفا محمولا وبطاقة هاتف. ثم عثروا على 4 أقراص تخزين “مخفية”.
كان في أحدها مقاطع فيديو صورها فولر، على ما يبدو، داخل مشرحة مستشفى.
وعندما بدأ المحققون يفحصونها، توصلوا إلى اكتشاف مقزز. كان ديفيد فولر يعتدي جنسيا على الموتى.
ويتذكر نويل ماكهيو جيدا اليوم الذي فتح فيه التقرير الذي يشرح بالتفصيل هذا التطور الأخير في التحقيق.
وقال:”لم أستطع فهم ذلك، كانت مشاعري مع عائلتي ويندي كنيل وكارولين بيرس اللتين عاشتا 33 عاما بدون عدالة”.
وأضاف ماكهيو قائلا:”ولكن الآن تكتشف العائلات أن أحبائهم عانوا على يد ديفيد فولر عندما كان ينبغي أن يكونوا آمنين وأن يحظوا بالكرامة في الموت”.
وفي المستشفيات التي كان يعمل فيها، كان لدى فولر بطاقة ممغنطة لـ “الوصول إلى جميع المناطق”، وكانت المشرحة منطقة يزورها بانتظام.
وفي المستشفى الأحدث، الثلاجات المستخدمة لتخزين جثث المتوفين مزودة بباب من كل طرف.
هناك كاميرات مراقبة على أحد الأطرف أما في الطرف الآخر حيث يتم إجراء فحوصات ما بعد الوفاة، فلا توجد كاميرات.
ويبدو أن فولر كان يعلم ذلك، إذ لم تعثر الشرطة على أي لقطات من المستشفى لما كان يفعله.
لكن مقاطع الفيديو التي قام بتصويرها بواسطة كاميرا صغيرة، كانت مقززة.
وتمكن المحققون من تحليل مقاطع الفيديو وقراءة التفاصيل المكتوبة على الأساور التي كانت في معاصم الموتى.
كما قاموا بمراجعة بيانات مقاطع الفيديو، والتي أظهرت وقت تصويرها مع أسماء الموتى في ثلاجة الموتى في ذلك الوقت.
حتى أن فولر احتفظ بكتاب أسود صغير يحتوي على أسماء ضحاياه. وقالت كبيرة المدعين العامين ليبي كلارك: “إنه لم يتركهم وشأنهم”.
وأضافت قائلة: “لقد عاد إليهم في أوقات مختلفة، هذه هي القضية الأكثر إزعاجا وتحديا التي اعمل فيها على الإطلاق”.
وهذه واحدة من أسوأ الحالات من نوعها في أي مكان في العالم حيث أحصت الشرطة 100 ضحية تتراوح أعمارهم ما بين أقل من 18 عاما إلى أكثر من 85 عاما.
وكان لدى فولر أيضا أحد أكبر مخازن صور الاعتداء الجنسي على الأطفال التي اكتشفتها الشرطة على الإطلاق.
وتقول مصادر هيئة الصحة الوطنية البريطانية “إن إتش إس” إن الزملاء رأوا فولر مفيدا، فهو الرجل الذي سيغير المصباح الكهربائي أو يصلح اعطال الكهرباء وهو مبتسم.
ويعتقد الدكتور ريتشارد بادكوك، استشاري الطب النفسي الشرعي أن جرائم فولر اتبعت نمطا مميزا.
وقال الدكتور بادكوك: “إن ما حدث هنا هو بالتأكيد نمط سادي-مازوخي، فمن حيث الجوهر هناك عدم قدرة على التعامل مع المشاكل الخاصة إلا من خلال السلوك المنحرف”.
ويضيف قائلا: إن “عمليات سرقات السيارات التي ارتكبها في السبعينيات تشير إلى أنه بدأ بالسرقة لكن هذا السلوك تصاعد تدريجيا إلى جريمة قتل، فعلى الرغم من أنك قد تقوم بأشياء متطرفة إلا أنك قد لا تشعر بأنك على قيد الحياة إلا في لحظة وقوع الجريمة”.
ويرى الدكتور بادكوك أن هناك صلة مباشرة بين “القتل الجنسي” لويندي وكارولين ، والجرائم اللاحقة في المشرحة، والتي يعتبرها نفسيا أكثر تطرفا من القتل.
وقال: “مجامعة الموتى، هذا كل شيء، ليس هناك مكان آخر يمكن الذهاب إليه بعد ذلك”.
ومن المفارقات أن الجريمة ذات الصلة عقوبتها تصل إلى عامين كحد أقصى مقارنة بالسجن المؤبد للقتل مما أثار اقتراحات أن هذه القضية قد تؤدي إلى إعادة التفكير بشأن هذه العقوبة داخل الحكومة.
من المعروف أن فولر أساء معاملة الموتى في المسشتفيات بين عامي 2008 و 2020، لكن لا تزال هناك فجوة صارخة في سجله مع عدم وجود مخالفات معروفة بين عامي 1987 و2008.
وتقوم شرطة كينت الآن بفحص سجلات الأشخاص المفقودين لمعرفة ما إذا كان قد قتل أو أساء لآخرين؟
وقال بيل والد ويندي كنيل لبي بي سي في عام 2007 : “في يوم من الأيام سيقرع شخص ما هذا الباب ويقول: لقد أمسكنا به، وسيكون هناك احتفال، خاصة إذا حدث ذلك بعد وقت طويل جدا”.
لقد جاء ذلك اليوم، لكن للأسف بيل رحل عنا قبل أن يشهد ذلك اليوم، فقد توفي بيل كنيل في عام 2017.