الدكتور جاسم مطر كما عرفته…
في احد المراحل الدراسية دار نقاش بيني وبين استاذ مادة التربية الاسلامية عن مكانة الام دون غيرها من الاخرين فكنت اقول في نفسي لماذا فقط الام فالاب دوره مهم هو عامود البيت وهو رجله وكبيره هو من يشقى ليسعد ابناءه هو من يستحمل وقد يذل نفسه لاجل عائلته ، دون انتقاص للام او دورها المهم ولكن ان نقصي الاب من الوجود هذا خطأ.
كنت ارى والدي مزيجاً من الحنان والعطف والشدة فكان لا يبخل شيئاً في نفسنا ويوبخنا لمصلحتنا ، لم يضربني والدي طوال حياته لايمانه ان الضرب لن يجدي نفعاً للمتربي .. فكان يحاور ولا يضجر ، لم يتدخل في حياة احدنا بل كان يعطي النصح ويبدأها :”نصيحة من صديق لصديقه ومن اب لابنه”.
كنت في عمر العشر سنوات ودونها احاول اقلده في مشيته في ابتسامته في ضحكته ، فكنت اكتب المقالات رغم كل محاولاتي الفاشلة ليس حباً في الكتابة بل تقليداً له ، وفي الثانوية العامة كان هناك احد الاختبارات الصعبة علي وقدر الله ان يكون لي نصيباً في مقاعد الدور الثاني … فكنت ارتعب خوفاً من كلامه لا ضربه كنت اتمنى ان يضربني ولا يؤبخني فلم يتحدث الا بكلمات بسيطة مفادها :”لن اتحدث معك في العطلة الصيفية حتى تنجح من الدور الثاني .. فلن اسمح لك ان تضيع سنة من عمرك بسبب اللعب”. فكلما رأيته ولا يحدثني كنت احترق شوقاً لحديثه لكلامه … نجحت لله الحمد فرأيت ابتسامته وحبه وصلت الى الثانوية العامة فرأيت الدعم الكامل بكل ما احتاج مقابل النسبة العالية .
احببت ان اعمل في الصحافة فتوجهت الى دار الوطن للصحافة لابدأ مشواري الصحفي في صفحات “الجيل الجديد” متخصصة بالشباب والجامعة ، فكنت تاره اقرأ مقالات والدي وتارة احاول ان اتفوق عليه لايماني ان لا احد مثل عمله ، اتممت الاربع سنوات في صحيفة الوطن وبعدها قررت اكمال دراستي الجامعية.
لملمت شنطتي وذهبت الى الدراسة في المملكة الاردنية الهاشمية فكانت وجهتي دراسة القانون ، وصلت ولم اوفق في اختيار جامعة جيدة بسبب قرارات وزارة التعليم العالي الكويتي فتوجهت الى دراسة الاعلام ، فكنت احاول ان اقلد ابي في كل شئ ، وضعت امام اسمي حرف “الدال” ، اكملت عدد من مقالاته تحت اسم “ومن الحياة” كانت زاويته في مجلة اليقظة… كان يتصل بي يومياً للاطمئنان ويختمها “متى تجي اشتقتلك” .. مرت سنتان علي صعبة بسبب بعد اهلي عن عيني لافجع بوفاة صديقتي ووالدتي وعشقي الابدي حصه مبارك بتاريخ 2/9/2013 فكان اول من حضني هو والدي الذي كان يتمتم بكلمات لم اسمعها .. كنت اجلس معه في الساعات نتحدث عن ذكريات رفيقة دربه واشتياقه ويكتب الاشعار شوقاً لها.
تخرجت من الجامعة واكملت مشواري الصحفي في جريدة الانباء الكويتية فكنت اجلس معه في جلسات حوارية ونتحدث عن الحال فكنت معارض للقوانين وحال البلد وكان يعارضني فكان يقول لي لنتاقش كاعلاميين وليس كاب وابن .. كان يحاورني على اقل المواضيع ويسمع رأيي رغم ان رأيي كان مخالف لرأيه ولكننا نتفق في احترامنا وان هناك مصلحة لنا … فكنت حافظ اسراره وصندوقه الاسود .
رزقني الله ببنت جميلة في صباح يوم السبت 6/2/2016 فكانت فرحت والدي اكثر من فرحتي فرح بالاسم .. فكان يجلسها وينشد :”ليت حصه مثل حصه” .. والى هذه اللحظة لا اعلم سر حبه لابنتي هل لانها ابنتي فقط ام انها سمية والدتي … في هذا العام وتحديداً رزقني انا بصبي وكنت محتار ماذا اسميه كنت اتمنى ان يكون اسمه “ثامر” لاكون شبيه لابي حتى بكنيته .. وعندما بادرته بالسؤال “شنو تبي اسميه ” اجابني “ولدك وكيفك”، فسميته جاسم … فكان شبه يومي يطلب ان يرى اولادي وعندما يغيبون عنه يوماً واحداً يتصل “تراني متعومس وزعلان ابي عيالك”…
في شهر مايو 2017 سافرت الى القاهرة لاكمال دراستي الماجستير في الاعلام احببت ان اكمل ما بدأته ان اكون شبيهاً لابي على الرغم انني لم ابح لاحد بهذا السر الصغير ، وكان داعماً لي باكمال دراستي … كان يتصل باستمرار يسأل عن موعد وصولي وكانت اخر رسائله لي :”يبا ترى بشروني انك جاي الجمعة وبنطرك عالفطور” وبعدها “طلبتك لا تشتري لعيالك للعيد ترى لبسهم علي……”.
وصلت للكويت بفاجعة رحيله دون ان اودعه … رحل ولم اراه منذ 13 يوم قبل وفاته .. رحل ولم اخبره انني احاول ان اقلده بكل شئ … رحل ولم اشبع من الاستماع لاحاديثه … غفر الله لك يا معلمي ومثلي الاعلى .. رزقك الله الجنة يا احن واطيب قلب …
وللمقال بقية…
تلميذك / عبدالله جاسم العليان
