البيانات طاقة متجددة.. تشديد الحماية يقلص الاستفادة من كنز المعلومات
حذّر ريتشارد تيمبرليك، نائب الرئيس الأول في شركة «ألتريكس» Alteryx الأمريكية المتخصصة بعلم البيانات والتحليلات لأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا من أن تخصيص الشركات معظم استثماراتها ومواردها على حماية البيانات والخصوصية فقط قد يحد من قدرتها على تسخير كامل القيمة الكامنة لتلك البيانات، و«تشتت» سياسات حوكمة وإدارة البيانات، وبالتالي عرقلة مشاركتها وتحقيق الأهداف المرجوة منها.
وتوقع تيمبرليك في حوار خاص مع «البيان الاقتصادي» أن يكتسب التعلم الآلي في الإمارات قوة جذب سريعة عبر الصناعات المختلفة خلال العامين المقبلين، خصوصاً مع توفر إمكانية بناء نماذج عمل آلية تساعد المحللين على تطوير مشاريع مفيدة، وهو ما يسّد كذلك فجوة المهارات عالية المستوى في علم البيانات في السوق المحلي في الوقت الحالي.
وفيما يلي نص الحوار:
ما هي فوائد اقتصاد البيانات؟
الفوائد عدة بالطبع، وفي قطاعات كثيرة اليوم. ولكن أريد توضيح أن البيانات ليست «النفط الجديد» فحسب، بل هي «مصدر متجدد للطاقة» كذلك. فبعد أن يتم تحويل البيانات إلى رؤى مفيدة من خلال برمجيات التحليل، تستمر البيانات في الزيادة من حيث القيمة. فكلما استخرجت منها الرؤى والفائدة حافظت على استمراريتها وبقيت تلك القيمة موجودة إلى الأبد، على عكس النفط، الذي يتم حرقه ثم اختفائه.
تقليص الوقت
كيف غيّرت الأتمتة من الصناعات كما نعرفها اليوم؟
قد غيّرت الأتمتة كل الصناعات تقريباً، وغيرت تعريفنا الجماعي للإمكانات البشرية. ما زلنا نرى الشركات تستفيد من أتمتة العمليات لتقليص الوقت المطلوب للوصول إلى الرؤى، حيث تستمر كل شركة على اختلاف حجمها، في أن تصبح «مصنعاً ذاتياً» فائق الإنتاجية للبيانات. وكما لاحظت شركة «جارتنر» Gartner الاستشارية، فإن نجاح الأعمال الرقمية أصبح يعتمد في المقام الأول اليوم على مدى قدرة جميع الموظفين العاملين في مجال المعلومات على «التحدث بالبيانات»، مما يجعل القدرة على تحديد الأفكار والرؤى الأساسية ونقلها أمراً حيوياً لنجاح الشركة.
هل يمكن أن تكون أكثر تحديداً؟
مثلاً، على المستوى الاقتصادي، أصبحت مشاريع البيانات محوراً أساسياً في إنتاج السلع والخدمات. وأصبح للبيانات والتحليلات تأثير مضاعف على الاقتصاد وتضطلع بدور مركزي في العديد من الاقتصادات الناضجة في جميع أنحاء العالم. ويعني اقتصاد البيانات الجديد هذا أنه يمكن للشركات تعزيز موقعها في السوق بشكل فعّال ودفع دورات متكررة من النمو.
ومع ذلك، فإن إمكانات البيانات في تعزيز التنمية الاقتصادية لا تزال غير مستكشفة بالكامل، ونعتقد أن تركيز العديد من المؤسسات اهتمامها ومواردها في الغالب على حماية البيانات والخصوصية يحد من قدرتها على تسخير القيمة الكامنة للبيانات بشكل كامل. كما قد يؤدي ذلك كذلك إلى «تشتت» سياسات حوكمة وإدارة البيانات وعرقلة مشاركة البيانات وتحقيق الأهداف المتفق عليها، وهو ما لاحظه المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) كذلك في اجتماعه الأخير.
أنسنة البيانات
كيف يمكن أنسنة البيانات بشكل أكبر بما يفيد تطور الاقتصاد؟
الذكاء البشري أمر حيوي لمستقبل التكنولوجيا ومستقبل البيانات. وإن الكثير مما نحاول القيام به باستخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات يتعلق فقط بتقديم المعلومات الصحيحة أمام الأشخاص المناسبين حتى يتمكنوا من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن أعمالهم. وكان الكثير من التركيز حول التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي على تطوير تلك التكنولوجيا، وليس الناس. وهنا يكمن الفرق بين المشاريع الناجحة والفاشلة. فالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي هما فقط أداتان لتسهيل الوصول إلى نتيجة ما. ولكن الجانب الإنساني – الجانب الإبداعي – هو الذي يجلب القيمة. ويمكن أن يكون للذكاء الاصطناعي المدفوع بعلم البيانات تأثير كبير في إيجاد حلول جديدة ومبتكرة للمشكلات القديمة من خلال تحليل البيانات والبحث عن أنماط تحويلية يمكن أن تساعد في دفع الأعمال إلى النجاح.
ما هي التحديات الرئيسية التي تواجه قطاع البيانات؟
لا تزال فجوة المهارات الحالية تمثل مشكلة للشركات التي تسعى لتحقيق أقصى استفادة من بياناتها، مع استمرار هيكلة البيانات كأحد أكبر المشكلات. وفي المتوسط، يستفيد العاملون في مجال البيانات اليوم من أكثر من ستة مصادر بيانات و40 مليون صف من البيانات وسبعة مخرجات مختلفة على طول رحلتهم التحليلية. كان الكثير من التركيز على التعلم الآلي ينصب على التكنولوجيا، وليس الأشخاص، وهنا تكمن جذور المشاريع الفاشلة.
اتجاهات جديدة
ما هي الاتجاهات الجديدة للبيانات في دبي؟
الاتجاه الأكثر حداثة في دبي – بالنظر إلى النقص الموثق جيداً لعلماء البيانات ذوي المهارات العالية في الإمارة – هو تعميم برامج بناء النماذج الآلية لمساعدة المحللين على بناء نماذج مفيدة للتعلم الآلي دون الحاجة لامتلاك مهارات عالية المستوى في علم البيانات. فكر في مواقع الإنترنت في السنوات الأولى.. فقد كان يمكن إنشاؤها فقط من قبل شخص يعرف لغات البرمجة. ولكن اليوم يمكن لأي شخص إنشاء موقع على شبكة الإنترنت من خلال واجهة «السحب والإفلات» المرئية. ما زلت بحاجة إلى فهم أساسيات تصميم الويب وتجربة المستخدم وكتابة النصوص، ولكن لم يعد عدم معرفة كيفية البرمجة يمثل عقبة.
ما هي خطط «ألتريكس» في الإمارات لعام 2022؟
يعتقد أن شركات القطاعات المختلفة مستمرة في القيام باستثمارات كبيرة في التحول الرقمي، لكن الكثير منها يكافح لتحويل بياناتها إلى رؤى تجارية على نطاق واسع. وفي عام 2022، ستتمكن التحليلات أخيراً من عبور الفجوة في السحابة، حيث سيزداد اعتماد السحابة بشكل مطرد مع سعي الشركات إلى الاستفادة من البيانات الضخمة الموجودة بالفعل في مستودعات السحابة. هذه المؤسسات مهيأة للاستفادة من الحوسبة السحابية الأصلية وجني فوائد الوصول السهل إلى التحليلات. مع وضع كل ذلك في الاعتبار، سنعمل في «ألتريكس» على توسيع سوقنا الكلي مع توفير فرص إضافية لاستهداف البيانات الجديدة ومبادرات التحول السحابي لعملاء «أكبر 2000 شركة في العالم».
التحليلات التنبؤية
ما مدى نضوج قطاع البيانات في دبي؟
تتمتع العديد من القطاعات في دبي بمستويات متفاوتة من النضج، ولكن بالنظر إلى العمق فإن هذا المستوى من النضج يختلف اختلافاً كبيراً بين الشركات في كل قطاع. لا يوجد نشاطان تجاريان متشابهان تماماً. في البيع بالتجزئة، على سبيل المثال، يمكن أن تساعد التحليلات التنبؤية في اتخاذ قرارات مثل تأجيل تخفيض السعر المخطط للملابس الشتوية قبل موجة البرد أو تحويل المخزون إلى المتاجر المعرضة لخطر النقص. وفي سلسلة التوريد والخدمات اللوجستية، يتم استخدام التنبؤ بحجم الطلب ليس فقط للاستفادة من التعلم الآلي، ولكن أيضاً للجمع بين البيانات الداخلية للشركة التي يمكن الوصول إليها – مثل مستويات المخزون في المستودعات والمواقع داخل المتجر – مع المعلومات الخارجية مثل توقعات الطقس وحركة الشحن، والأحداث الأخرى.
ومع انخفاض الحواجز التي تحول دون التحليلات المتقدمة بفضل واجهات مستخدم «السحب والإفلات» Drag and Drop التي يسهل الوصول إليها والخالية من التعليمات البرمجية والصديقة للرموز، نعتقد أن التعلم الآلي في دبي يكتسب قوة جذب سريعة عبر الصناعات في الإمارات والعديد من دول العالم الصناعي كذلك.
الكفاءات التشغيلية
ما هي الفائدة الاقتصادية المتوقعة من البيانات في دولة الإمارات؟
هناك فكرة منتشرة مفادها أن تحليل البيانات يحتاج إلى استثمارات عالية، وهو متاح فقط للعمالقة عبر الإنترنت مثل أمازون. في الواقع، يمكن لأي عمل تجاري أخذ البيانات وتحويلها إلى رؤية لحل المشكلات. ومع توفر تقنيات جديدة ذات رموز برمجية منخفضة أو من دون برمجة في الإمارات، سيكون علم البيانات أكثر سهولة من أي وقت مضى، وسيكون بوسع أي موظف أداء عمل بيانات بجودة عالية. ونعتقد أن الشركات في الدولة تحتاج إلى أن تكون قادرة على اكتشاف التغييرات الناشئة في السوق وبيئة التشغيل والتنبؤ بها بسرعة، تماماً كما يتوقع العملاء من الشركات استخدام البيانات للبقاء على اتصال جيد برغباتهم واحتياجاتهم المتغيرة باستمرار. ومن فهم أفضل لمشاعر العملاء، إلى إعادة تشكيل الكفاءات التشغيلية والتخطيط للمجهول، أجبر العام الماضي الشركات على تسريع مشاريعها الخاصة بالتحول الرقمي لتصبح أكثر تركيزاً على البيانات لصقل ميزتها التنافسية.
ولم يعد بمقدور الشركات الانتظار حتى تتطور المشكلات قبل اتخاذ الإجراءات. حيث يجب عليها الاستعداد لاحتمال حدوث اضطراب شديد في عملياتها، والبيانات هي المفتاح للقدرة على الاستعداد لهذه السيناريوهات المحتملة. ولكن القيام بذلك يتطلب شفافية البيانات وخفة الحركة ورؤى دقيقة في الوقت الفعلي لإنشاء خطط للطوارئ. كما يجب أن ينصب تركيز الشركات على استخدام البيانات لبناء الشفافية، والتي يمكنها استخدامها لتقييم مدى انكشافها على المخاطر والتخطيط للطوارئ.
نمو متوقع
ويتوقع تقرير صادر عن مؤسسة دبي للمستقبل ودائرة التنمية الاقتصادية، نمو سوق البيانات الضخمة والتحليلات على مستوى العالم إلى نحو 40.6 مليار دولار بحلول 2023، لتصل قيمتها إلى أكثر من 243.4 مليار دولار في عام 2027.
ويشير التقرير إلى أن تأثير البيانات يصل بالفعل ما بين 7-10% من الناتج المحلي الإجمالي في بعض الاقتصادات المتقدمة، بينما تقدر قيمة اقتصاد البيانات في المملكة المتحدة بالفعل بـ 90 مليار دولار وتقدر قيمة اقتصاد البيانات الألماني بـ 130.9 مليار دولار، فيما أشار التقرير إلى أن نحو 70% من البيانات عالية القيمة غير مستغلة في دبي، كما أن 80% من الشركات ليس لديها أي استراتيجية للاستفادة المالية من البيانات.