هل تكرر روسيا في أوكرانيا استراتيجية تدخلها في سوريا؟
واعتبر الكاتب أنه “إذا تدخلت روسيا فستواجه قتالاً صعباً” و”سيتعين على القوات الروسية أن تواجه مقاومة” و”عندما تبدأ جثث الجنود الروس العودة إلى الوطن، سيتعرض فلاديمير بوتين لضغط شعبي متزايد” و”روسيا لن تكون قادرة على تحقيق أهدافها، وستغرق في مستنقع”.
قد يُعتقد أن هذه التصريحات لفريق الأمن القومي لإدارة الرئيس جو بايدن ونائبه كامالا هاريس في محاولة لتحذير الكرملين من مغامرة عسكرية في أوكرانيا، لكنها صدرت في الواقع في سبتمبر (أيلول) 2015 من إدارة الرئيس باراك أوباما ونائبه جو بايدن، قبل التدخل الروسي في الحرب الأهلية السورية.
دروس
وهناك دروس مهمة مستقاة من كيفية مواكبة المؤسسة العسكرية والأمنية الروسية لتلك العملية إذا قرر الكرملين اعتماد القوة العسكرية خياراً للإكراه ديبلوماسي ضد أوكرانيا.
تلك الدروس يمكن أن تؤدي إلى نوع مختلف من القتال الذي تتوقعه الولايات المتحدة وتعمل على تدريب وتجهيز القوات الأوكرانية له.
أولاً، ركز التدخل الروسي في سوريا بشكل رئيسي على تدمير القدرات والهياكل القتالية للمعارضة التي تواجه الرئيس بشار الأسد، أكثر من الاستيلاء على أراضٍ.
واتخذ الكرملين قرار التدخل المباشر في النزاع السوري، عندما اكتسبت المعارضة قدرات وزخماً في أواخر صيف وأوائل خريف 2015، بما يكفي لدخول دمشق ومحاولة عزل الأسد.
وبالتركيز على القوة الجوية والضربات الصاروخية والأنظمة غير المأهولة، ركزت قوة التدخل الروسية على كسر وتدمير تشكيلات المعارضة العسكرية.
ثانياً، لم ينشر الروس إلا قليلاً من الجنود على الأرض في سوريا. واختاروا تفادي التركيز على احتلال الأراضي أو التكفل بمسؤوليات الحكم.
وفي الواقع، وفي الكثير من الحالات، رعى السوريون عدداً من اتفاقات وقف النار التي جعلت القادة المحليين والوجهاء يسيطرون على أوضاعهم المباشرة مقابل الموافقة على وجود عام للحكومة.
ثالثاً، وحيث كانت ثمة حاجة إلى قوات برية، اعتمد الروس على شركات أمنية خاصة أو على تشكيلات أخرى غير نظامية، ما قلل قدر الإمكان من تعريض القوات المسلحة الروسية للخطر.
وكما هو الحال في الولايات المتحدة، فإن الرأي العام الروسي يبدو أنه يقيم تمييزاً واضحاً جداً بين “جنود” يموتون في سبيل الوطن، ومتعاقدين يأخذون على عاتقهم المخاطر.
وأخيراً، أظهر الروس، خاصةً باستخدامهم صواريخ كروز من طراز كاليبر التي كانوا يطلقونها من أسطول بحر قزوين، قدرات على توجيه ضربات قاتلة من داخل الأراضي الروسية. وبذلك انتفت الحاجة إلى إرسال قوات إلى سوريا و”تعريضها للخطر” أو للهجمات الانتقامية.
وليس واضحاً إذا كان الروس سيذهبون إلى أوكرانيا، أو إذا كانت التقديرات الأمريكية صحيحة لسعي الروس إلى احتلال والسيطرة على أجزاء واسعة من الأراضي الأوكرانية، وإرسال جنود وأنظمة إلى أوكرانيا للانخراط في قتال.
واستناداً إلى الحملة على سوريا، فإن ذلك يفترض أن الحكومة الروسية إذا قررت استخدام القوة العسكرية ضد أوكرانيا، أن تفعل ذلك بالتركيز على ضربات بعيدة المدى لتدمير المعدات الأوكرانية، خاصةً مخزوناتها من الطائرات دون طيار، وأن تحاول كسر التشكيلات النظامية للجيش الأوكراني.
اجتياز الحدود
واعتماداً على التجربة السورية، فإن الروس سيسعون إلى تجنب اجتياز جنودهم الحدود، عندما يكون ذلك ممكناً، وتوجيه النيران من داخل حدودهم، وقد يكون ذلك لتجنب العقوبات وإرسال رسالة إلى ألمانيا ودول أخرى سبق أن هددت بعقوبات واسعة إذا “غزت” روسيا أوكرانيا وبعثت تشكيلات كبيرة من الجيش الروسي إلى داخل أوكرانيا.
ويمكن أن يتكرر القصف بصواريخ كاليبر، دون أن يرغب أحد في الرد بإطلاق النار على الأراضي الروسية.
وأخيراً، مع إعلان الرئيس الشيشاني رمضان قديروف نيته إرسال مساعدين شيشان، إلى أوكرانيا، فقد تتكرر مشاهد ظهرت في سوريا، وليبيا، ومالي، إفريقيا الوسطى، وأي قوات برية تكون هناك حاجة إليها للسيطرة على مواقع إستراتيجية، لن تكون روسية نظامية. وبالنسبة إلى بعض الدول الأوروبية قد يشكل ذلك اختلافاً عن تدخل روسي نظامي.
إن الولايات المتحدة افترضت أن روسيا ستخشى مخاطر الدخول إلى سوريا. وكان ذلك خطأً لا يجب أن تقع فيه واشنطن في أوكرانيا.