يعود مصطلح “المرتزقة” إلى أزمان بعيدة؛ فهو ليس مصطلحًا أو سلوكًا حديثًا؛ فقد استخدمت فارس واليونان وروما المرتزقة، كما شاع استخدامهم خلال الفترة من القرن الثاني عشر إلى القرن السادس عشر الميلادي، كما جرى استخدامهم أثناء الثورة الأمريكية في محاولة من بريطانيا لوأد ثورة الأمريكيين.
وفي العصر الراهن يُستخدم المرتزقة بكثافة في بلدان مزقتها الحروب في منطقة الشرق الأوسط، مثل ليبيا وسوريا، كما عاد مصطلح “المرتزقة” للواجهة مجددًا في الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة الآن، وذلك بعد ترحيب الرئيسَيْن الروسي والأوكراني بمشاركتهم في الصراع بين البلدَيْن الجارَيْن.
ترحيب روسي أوكراني
وبحسب وكالة أنباء “تاس” الروسية، فقد رحب الرئيس الروسي بانضمام من أسماهم “متطوعين” في منطقة القتال في “دونباس” الأوكرانية، لافتًا إلى أن الغرب وأوكرانيا لا يخفون تجنيد “المرتزقة”، متجاهلين جميع قواعد القانون الدولي، على حد تعبيره.
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” إن روسيا “تجند مقاتلين سوريين وأجانب آخرين”؛ وذلك للسيطرة على العاصمة الأوكرانية كييف. وقال جون كيربي، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، خلال مؤتمر صحفي: “نعتقد أن رواياتهم (الروس) بأنهم يبحثون عن مقاتلين سوريين لزيادة قواتهم في أوكرانيا أن هناك حقيقة فيها”. في إشارة إلى تقارير صحفية أفادت بتجنيد موسكو “مرتزقة” للقتال ضمن صفوفها.
في الوقت نفسه، فإن كييف هي الأخرى بحثت خياراتها في الاستعانة بالمرتزقة؛ فقد قرر رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي إعفاء الأجانب “المرتزقة” الذين يصلون إلى البلاد للمشاركة في القتال إلى جانب بلاده من تأشيرات الدخول، فيما قال وزير الخارجية، دميتري كوليبا: “إن الأجانب الذين يرغبون في الدفاع عن أوكرانيا في إطار فيلق الدفاع الإقليمي الأممي يمكنهم مراجعة سفارات أوكرانيا في بلدان إقامتهم”.
موقف الأمم المتحدة
وتعد الأمم المتحدة تجنيد “المرتزقة” للقتال عملاً إجراميًّا غير مشروع. وبحسب “الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم”، فإن تجنيد “المرتزقة” للقيام بأنشطة تنتهك مبادئ القانون الدولي، مثل: المساواة في السيادة، والاستقلال السياسي، والسلامة الإقليمية للدول، وحق الشعوب في تقرير المصير، يُعتبر جرائم وموضع قلق بالغ لجميع الدول.. وإن أي شخص يرتكب أيًّا من هذه الجرائم ينبغي إما أن يحاكَم أو يُسلَّم.
وتعرِّف “الاتفاقية” المشار إليها أعلاه “المرتزق” بأنه أي شخص يُجنَّد خصيصًا، محليًّا أو في الخارج، للقتال في نزاع مسلح، ويكون دافعه الأساسي للاشتراك في الأعمال العدائية هو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، كما لا يكون من رعايا طرف في النزاع، ولا من المقيمين في إقليم خاضع لسيطرة طرف في النزاع، وليس من أفراد القوات المسلحة لطرف في النزاع.
كما عرَّفته بأنه الشخص الذي يُجنَّد للإطاحة بحكومة ما، أو تقويض النظام الدستوري لدولة ما بطريقة أخرى، أو تقويض السلامة الإقليمية لدولة ما.
وتحظر “الاتفاقية” على الدول الأطراف تجنيد المرتزقة، أو استخدامهم، أو تمويلهم وتدريبهم، كما تعتبره عملاً إجراميًّا من الأشخاص والدول. ولم تحدد “الاتفاقية” طبيعة العقاب إلا أنها قالت في البند الثالث من المادة الخامسة: “تعاقَب الدول الأطراف على الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية بعقوبات مناسبة، تأخذ في الاعتبار الطابع الخطير لهذه الجرائم”.
يُشار إلى أن أوكرانيا إحدى الدول الموقِّعة على تلك الاتفاقية، وذلك في عام 1990 تحت اسم “الجمهورية الاشتراكية السوفييتية الأوكرانية”، فيما لم توقِّع عليها روسيا حتى الوقت الراهن.
