التغير المناخي.. رعب غذائي
ثمة تقارير دولية تحذّر من التداعيات الاقتصادية للتغير المناخي على حياة الناس، أحدثها تقرير صدر الأسبوع الماضي عن خبراء المناخ في الأمم المتحدة، كشف عن أن ملايين الناس سيقعون في براثن الفقر إن لم يتم كبح جماح تلك التغيرات، علاوة على ارتفاع أسعار الغذاء وتعطيل التجارة وأسواق العمل. التقرير الذي وصفته تقارير إعلامية على أنه «أخطر تقرير عن تغيّر المناخ»، نبه إلى أن التغيّر المناخي «يتسارع بوتيرة أكبر مما توقع العلماء»، لكنه في الوقت نفسه شدد على أن «الفرصة لا تزال موجودة -وإن كانت قصيرة وسريعة الانغلاق- من أجل تأمين مستقبل مستدام للجميع وبيئة صالحة للعيش».
تتسارع وتيرة التغير المناخي في العالم بأسرع مما هو متوقع، في وقت تتباين الاستجابة العالمية لمواجهة هذا التهديد الأخطر، والذي تتزايد خطورته بتفاقم الأزمات والتحديات المختلفة، من بينها الصراعات الجيوسياسية التي يشهدها العالم اليوم، والتي تنعكس بشكل مباشر أو غير مباشر على تلك الاستجابة، وبما ينعكس على الاقتصاد العالمي، وبصورة أساسية على الدول النامية التي تدفع الفاتورة الأعلى.
وتشمل الكلفة الاقتصادية لتسارع وتيرة التغيّر المناخي التأثيرات على القطاعات الأساسية، لا سيما تلك المرتبطة بالغذاء، وما يهدّد بسقوط الملايين في براثن الفقر والجوع ما لم تُتخذ إجراءات حقيقية من أجل الحد من تلك الآثار بإجراءات استباقية، مع تركيز الاهتمام العالمي بالملف كأولوية قصوى، كأبرز الأزمات المُهددة لكوكب الأرض، والذي يهدد بتبعات أكثر خطورة على المستوى الطويل.
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور سيد خضر، إن ما يفاقم التداعيات الاقتصادية لأزمة التغير المناخي، هي أن تلك الأزمة تتزامن وأوضاع غير مستقرة على الإطلاق تشهدها اقتصادات العالم، وتتفاقم يوماً تلو الآخر وبوتيرة متسارعة، لا سيما في السنوات الأخيرة منذ تفشي جائحة كورونا وانعكاساتها المختلفة، ووصولاً إلى الصراعات والتغيرات الجيوسياسية التي يشهدها العالم وتأثر الاقتصاد العالمي بها بشكل مباشر، في ظل تأثر سلاسل الإمداد، وارتفاع الأسعار وغير ذلك من التحديات.
كلفة مزدوجة
ويتأثر ملف «التغيّر المناخي» بتلك الصراعات والأزمات بشكل واضح، بما يفاقم الكلفة الاقتصادية، فعلى سبيل المثال تبزغ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وما يصاحبها من تداعيات اقتصادية، وبشكل خاص على صعيد النفط والغاز مع مقاطعة روسيا، على اعتبار أن تلك الأزمة قادت إلى طرح أفكار متعلقة بإعادة فتح محطات الفحم القديمة (في إيطاليا نموذجاً، كما أعلن رئيس الوزراء هناك) وهو ما يسبب زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، فضلاً عن الاتجاه نحو البحث عن بدائل الغاز الروسي، ومنها الغاز المسال الذي يثير مخاوف خبراء البيئة بشأن الوقود المنقول واحتمالات التسريب.
ويشدد الخبير الاقتصادي على أن تزامن تلك التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي بهذا الشكل يضاعف من التأثير الاقتصادي لكل أزمة على الاقتصاد العالمي، لا سيما أزمة «التغير المناخي» التي تهدد شتى القطاعات، وبشكل خاص قطاع الإنتاج الزراعي، وبما يؤثر بصورة مباشرة على الأمن الغذائي العالمي، وقد يقود في نهاية المطاف إلى مجاعات كبرى في عددٍ من الأقطار، لا سيما الدول النامية الأكثر عرضة لدفع فاتورة أعلى للتغيرات المناخية.
تقرير خبراء الأمم المتحدة الذي ذكر أن «الضرر غير المتناسب ستشعر به الاقتصادات الفقيرة والأكثر ضعفاً»، تحدث عن انعكاسات خطيرة على «سبل عيش الأفراد من خلال التغيرات في الإنتاجية الزراعية، والتأثيرات على صحة الإنسان والأمن الغذائي، وتدمير المنازل والبنية التحتية، وفقدان الممتلكات والدخل».
يأتي ذلك في وقت يتباين فيه حجم الأضرار الاقتصادية الناجمة عن تغير المناخ؛ ذلك أن الأضرار الاقتصادية المقدرة للفرد في البلدان النامية غالباً ما تكون أعلى كجزء من الدخل (رغم أن الاقتصاديات الكبرى الـ17تتسبب في نحو 80% من انبعاثات غازات الكربون في العالم)، طبقاً لتقرير خبراء الأمم المتحدة.
نظرة تشاؤمية
ويتابع خضر: «التغيرات المناخية سيكون لها تأثير أكبر على اقتصادات العالم على المدى الطويل. ولقد رأينا تأثيرها الواضح على عديد من القطاعات، وبما قاد بشكل أو بآخر إلى المساهمة في أزمة ارتفاع أسعار السلع الغذائية وزيادة معدلات التضخم العالم يعيش نظرة تشاؤمية جداً من المستقبل في ضوء أزمة التغير المناخي وما تُهدد به من تغيرات وأزمات كبرى، ومع انشغال العالم بصراعات وأزمات مختلفة».
المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص بالمناخ، جون كيري، كان لفت إلى آثار الصراعات القائمة لجهة إمكانية إسهام تلك الأزمات في تقليل الاهتمام العالمي بأزمة المناخ، وإقصائها من أجندة أولويات الاهتمامات العالمية إلى مراتب خلفية. وتحدث كيري بشكل خاص، في تصريحات تلفزيونية أخيراً، عن «حرب روسيا ضد أوكرانيا»، واعتبر أنها قد تسهم في صرف انتباه العالم عن مسألة التغير المناخي.
وبحسب الخبير الاقتصادي، فإن عدم الإسراع في إجراءات التصدي للتغيّر المناخي، ومن بينها التحوّل إلى الاقتصاد الأخضر، واتخاذ إجراءات استباقية واعية من شأنها المحافظة على البيئة وتقليل الانبعاثات، من شأنها مفاقمة آثار الأزمة على الاقتصاد العالمي بشكل أكبر على المدى الأبعد لتكون أشد وأخطر الأزمات.
زيادات
ويحتاج العالم إلى 3.5 تريليونات دولار إضافية من أجل التحوّل إلى «الاقتصاد الأخضر»، بما يرفع حجم الإنفاق العالمي إلى 9.2 تريليونات دولار سنوياً، طبقاً لتقرير سابق صادر عن منتدى الاقتصاد العالمي، الذي سلط الضوء على مسألة عدم كفاية المخصصات الدولية لهذا التحول، والبالغة 3.5 تريليونات دولار، وبما يتطلب زيادة نسبتها 60%.
وكان تقرير سابق نشرته وكالة رويترز، قد ذكر أن «التباطؤ في حلول تغيُّر المناخ وخفض انبعاثات الكربون، حتى الوصول لصفر انبعاثات سيرفع تكلفة الوصول بحلول العام 2050، وسيحتاج من 2 إلى 3% من الناتج العالمي كل عام».