كيف يؤثر تخفيض قيمة الجنيه على حياة المصريين؟
أقدمت مصر الإثنين على تخفيض قيمة الجنيه بنسبة 14في المئة بعد أن دفع غزو روسيا لأوكرانيا المستثمرين الأجانب إلى سحب مليارات الدولارات من سوق السندات المصرية مما أدى إلى ضغوط على العملة المحلية. بحسب تقرير لوكالة رويترز للأنباء.
فقد أظهرت بيانات رفينيتيف المالية تراجع سعر صرف الجنيه ليتراوح بين 18.17-18.27 جنيها مقابل الدولار، بعد أن ظل يُتداول عند حوالي 15.7 جنيه مقابل الدولار منذ نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020.
ورفع البنك المركزي أسعار الفائدة لليلة واحدة بواقع 100 نقطة أساس، في اجتماع مفاجئ للجنة السياسة النقدية.
وقال طارق عامر، محافظ البنك المركزي المصري، في مؤتمر صحفي إن الجنيه شهد “تصحيحا” ليعكس التطورات العالمية والمحلية، وهذا التصحيح سيجعل الصادرات تنافسية ويساعد في الحفاظ على سيولة العملات الأجنبية.
وأشار إلى أن هذه الخطوة “تتسق مع شركائنا الدوليين الذين نحتاجهم لتمويل كثير من احتياجاتنا”.
وتجري مصر محادثات مع صندوق النقد الدولي حول المساعدة المحتملة، بحسب مصادر مقربة من تلك المفاوضات، لكنها لم تعلن عن أي طلب رسمي.
وقال جيمس سوانستون من كابيتال إيكونوميكس: “إن تخفيض قيمة الجنيه خطوة جيدة لجعله يتماشى تقريبا مع قيمته العادلة، ويمكن أن تمهد هذه الخطوة الطريق إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي”.
وأضاف سوانستون قائلا: “كان من المهم أن يقرر صناع السياسة الآن.. هل يسمحون بتعويم الجنيه بحرية أكبر أو يستمرون في إدارته والسماح بتراكم الاختلالات الخارجية مرة أخرى مما قد يؤدي إلى تخفيضات قيمة العملة في المستقبل مثلما حدث اليوم”.
ولم يتسن الحصول على تعليق من صندوق النقد الدولي في القاهرة.
وقد وصل ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان إلى مصر يوم الاثنين للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وكانت الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب المملكة العربية السعودية، داعما ماليا قويا لمصر.
وكان السيسي قد سافر إلى الرياض للقاء القادة السعوديين في 8 مارس/آذار الجاري.
وفي غضون ذلك، كشف تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري الصادر عن البنك المركزي مد أجل وديعة سعودية لدى مصر قيمتها 2.3 مليار دولار حتى 2026، وقد بلغ رصيد الودائع الخليجية في البنك المركزي المصري بنهاية سبتمبر/أيلول من العام الماضي 12 مليار دولار.. منها 5.7 مليار دولار من الإمارات، 4 مليارات من الكويت، و2.3 مليار دولار من السعودية.
وقال فاروق سوسة، كبير الاقتصاديين في غولدن ساش، إن تخفيض قيمة الجنيه المصري يمكن يمكن أن يؤدي إلى تحفيز تدفقات العملات الأجنبية، بينما من غير المرجح أن يقوم المستثمرون الذين لديهم أموال بالفعل في سندات الخزانة المصرية بالبيع الآن.
وأضاف قائلا: “هذه الخطوة مصممة لاحتجاز السيولة في السوق، وجلب المستثمرين الذين ينتظرون وصول الجنيه إلى أدنى مستوى له “.
ولكن من المرجح أيضا أن تؤثر هذه الخطوة سلبا على التضخم.
وتابع سوسة قائلا:”السؤال الكبير هو ما إذا كان هذا الإجراء كافيا أم أن هناك حاجة لإجراءات أكثر لجذب المستثمرين”.
ارتفاع أسعار استيراد القمح
قال مصرفيون إن نقص الدولارات أدى إلى عدم تمكن المستوردين من الحصول على العملة الأجنبية الضرورية للحصول على خطابات الاعتماد لتخليص بضائعهم من الموانئ.
كما تركت الحرب في أوكرانيا مصر في مواجهة تكاليف باهظة لتوفير احتياجاتها الكبيرة من القمح المستورد بالإضافة إلى خسارة في عائدات السياحة من الزائرين الروس والأوكرانيين إلى منتجعات البحر الأحمر.
وتعتبر روسيا وأوكرانيا الموردين الرئيسيين للقمح لمصر، والتي غالبا ما تكون أكبر مستورد في العالم.
وكشفت دراسة، أصدرها الأسبوع الماضي المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، أن ارتفاع أسعار القمح يمكن أن يؤدي إلى تضاعف المُنفق على واردات القمح سنويا إلى 5.7 مليار دولار مما يمثل ضغطا ماليا على الحكومة ويُؤجج التضخم.
ويتجه التضخم إلى أعلى مستوى له منذ ما يقرب من 3 سنوات مسجلا 8.8 في المئة الشهر الماضي، مقتربا من الحد الأقصى للنطاق الذي يستهدفه البنك المركزي والذي يتراوح بين بين 5 و9 بالمئة. بحسب تقرير وكالة رويترز للأنباء.
وقالت وزارة المالية المصرية في بيان الإثنين إنها “ستخصص 130 مليار جنيه للتخفيف من تداعيات التحديات الاقتصادية العالمية”.
وتتضمن حزمة تخفيف تداعيات التحديات الاقتصادية العالمية تحديد سعر الصرف الجمركي على الواردات للسلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج بسعر 16 جنيها للدولار.
وقد حدد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي سعر الخبز غير المدعوم يوم الاثنين بسعر 11.5 جنيه (0.66 دولار) للكيلوغرام، حسب بيان صادر عن مكتبه.
وكانت الأسعار قد قفزت بنسبة تصل إلى 25 في المئة إثر تعطل واردات القمح بسبب الهجوم الروسي في أوكرانيا.
وقرر البنك المركزي رفع سعر الإقراض لليلة واحدة إلى 10.25في المئة و سعر الفائدة على معدل الإيداع لليلة واحدة إلى 9.25 في المئة، مشيرا إلى ارتفاع معدلات التضخم العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا.
وقال البنك المركزي في بيان بهذا الشأن: ” بدأت الضغوط التضخمية العالمية في الظهور من جديد في الفترة الأخيرة بعد بوادر تعافي الاقتصاد العالمي من الاضطرابات الناجمة عن جائحة فيروس كورونا، وذلك بسبب تطورات الصراع الروسي الأوكراني”.
وتابع البيان: “ويأتي على رأس تلك الضغوط الارتفاع الملحوظ في الأسعار العالمية للسلع الأساسية، واضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الشحن، بالإضافة إلى تقلبات الأسواق المالية في الدول الناشئة، ما أدى إلى ضغوط تضخمية محلية وزيادة الضغط على الميزان الخارجي”.
وكان محافظ البنك المركزي طارق عامر قد علق على التضخم قائلا:” التضخم في مصر أصبح مستورد من الخارج ولا يعكس أي سياسات محلية”.
مع اقتراب شهر رمضان تتزايد معدلات الاستهلاك بصفة عامة، وتتزامن هذه الضغوط التضخمية مع اقتراب شهر رمضان الذي ترتفع فيه معدلات الاستهلاك بصفة عامة.
كما يأتي قرار البنك المركزي المصري بعد أيام من إعلان البنك المركزي الأمريكي رفع سعر الفائدة الرئيسي بمقدار ربع نقطة مئوية، وذلك للمرة الأولي منذ عام 2018.
وقد أعلن كل من بنك مصر والبنك الأهلي المملوكين للدولة الاثنين عرض شهادات إيداع بعائد سنوي 18 في المئة.
ويتوقع خبراء في الاقتصاد حدوث جولة جديدة من تعويم العملة المحلية في مصر “في ضوء ارتفاع أسعار السلع الأولية والغذاء والانخفاض المحتمل في أعداد السياح الروس”، وذلك بحسب ما ورد في تقرير لبنك الاستثمار “جي بي مورغان”.
ونسب التقرير لأولئك الخبراء القول: “نتوقع أن تكون هناك حاجة الآن إلى خفض سعر الصرف”.
وشهدت مصر تعويما للعملة المحلية في عام 2016 حيث فقد الجنيه نحو نصف قيمته أمام الدولار، كجزء من برنامج إصلاح اقتصادي بدأته الحكومة وحصلت بموجبه على قرض من صندوق النقد الدولي قيمته 12 مليار دولار.