من ستالينغراد إلى ماريوبل: كيف تغير حروب الشوارع مجرى الصراعات؟
أعادت الحرب الروسية في أوكرانيا مصطلح حرب الشوارع إلى ساحات النقاش ونشرات الأخبار عالميا، فاستحضرت الأذهان معارك سابقة كان لحرب الشوارع فيها صدى كبير بسبب أثرها المحوري على مجرى الأحداث العسكرية. ما هي حروب الشوارع ولماذا توصف بالكابوس لأعتى الجيوش؟
حرب الشوارع ومن ضمنها حرب المدن هي معارك تجري داخل المدن بين الأحياء والأزقة؛ وسط العوائق والمباني. وتتميز بصعوبتها بالنسبة للجيوش المقتحمة على وجه الخصوص، حيث تكون الأفضلية غالبا لمجموعات المقاتلين القاطنة في المدن والتي قد تتمكن من قهر أقوى الجيوش بعددها وعتادها.
ويقول الخبير العسكري، البروفيسور ديفيد روتشز، إن الجانب المدافع في المدن “يستطيع حصر الدبابات في أماكن ضيقة. وإذا كانت هناك أبنية، فمدافع الدبابات لن تستطيع التوجه للأعلى بنسبة كافية للإطلاق، فتضطر الجيوش المهاجمة إلى التفرق وهذا ما يصب في صالح الجانب المدافع بشكل كبير”.
ويشير روتشز إلى أن البعض يخلط غالبا بين مصطلح حرب الشوارع أو المدن وحرب العصابات. ورغم التشابه بينها إلا أن حرب الشوارع مصطلح أوسع وأشمل بحسب قوله. ففي حروب الشوارع قد تستخدم تكتيكات حروب العصابات من قبل البعض.
تعد حروب الشوارع ضمن الأكثر تعقيدا وشراسة، وغالبا ما تطول مدتها فيستنزف الطرف المهاجم من قبل مجموعات قتالية صغيرة تستهدف قوافله ودباباته أثناء تقدمها وتقطع عنه خطوط الإمداد. وعلى مر الزمن، شهد العالم أمثلة كثيرة على حروب الشوارع في مختلف بقاع الأرض.
أمثلة من التاريخ الحديث
وفقا للخبراء العسكريين، تتعدد الأمثلة على حروب الشوارع في العقود الأخيرة، ومنها معركة الفلوجة الأولى، التي آلت إلى فشل القوات الأمريكية في اقتحام المدينة العراقية عام 2004 بعد نحو شهر من القتال، ولم تتمكن من السيطرة عليها حتى حرب الفلوجة الثانية بعد عدة أشهر. خلال المعركة، تمكن المقاتلون المتحصنون في المدينة من إرباك القوات الأمريكية باستخدام أسلحة بسيطة وأساليب حرب العصابات فألحقوا خسائر جسيمة بالجانب الأمريكي بأسلحته المتطورة، مما أدى إلى قصف عنيف وعشوائي للمدينة.
ولعل أبرز هذه الحروب أيضا، معركة ستالينغراد الشهيرة، التي وقعت في مدينة فولغوغراد الروسية (ستالينغراد سابقا). استمرت المعركة نحو 6 أشهر وأسفرت عن هزيمة قوات ألمانيا النازية أمام قوات الاتحاد السوفيتي السابق المدافعة عن المدينة خلال الحرب العالمية الثانية. ويصف المحللون والخبراء العسكريون معركة ستالينغراد بالمحورية والمفصلية في هزيمة ألمانيا بالحرب العالمية الثانية.
وبحسب البرفويسور روتشز، تعد حروب الشوارع صعبة على جميع الأطراف “ففي الموصل، بعد حصار تنظيم الدولة الإسلامية داخل المدينة، تطلب إنهاء المعركة قوات كبيرة تصل إلى نحو 100 ألف جندي حول المدينة. وفي النهاية، لم يكن التغلب على التنظيم أمرا سهلا”.
روسيا وأوكرانيا
في ظل الحرب على أوكرانيا، تواجه روسيا نوعا من حرب الشوارع في المدن الأوكرانية التي تحاول اقتحامها، بحسب التحليلات العسكرية. فبينما يحاول الجانب الروسي دخول هذه المدن، تحصن داخلها مقاتلون أوكرانيون يتسببون بتدمير المعدات الروسية وإبطاء تقدمها.
ووفقا للبروفيسور روتشز، فإن “الأمثلة على حرب الشوارع في أوكرانيا تنطبق على مدن مثل خاركيف وماريوبل، حيث رأينا كيف يحاول الروس حصار هذه المدن وتجويعها وقصفها باستمرار ليتسنى لهم اقتحامها بلا أي جهد وبأقل خسارة ممكنة، وذلك بعد أن استهدف الأوكرانيون قوافلهم وإمداداتهم. وأظن أن الروس يخشون اقتحام هذه المدن”.
تعرضت مدن أوكرانية، كمدينة ماريوبل على سبيل المثال وليس الحصر، لقصف عنيف خلال الغزو الروسي الذي دمر الأبنية والبنية التحتية في المدينة. وتشير التقارير إلى أن الدمار شمل نحو 90% من المدينة التي “لم يستطع الجيش الروسي اقتحامها بالدبابات” فحولها إلى أنقاض وفقا للقائد السابق لقيادة القوات المشتركة البريطانية السير ريتشارد بارونز.
تجارب روسية سابقة
خلال الغزو الروسي لأوكرانيا، رسم العديد من المحللين أوجه تشابه بين ما يحصل في المدن الأوكرانية وما شهدته مدن أخرى حاولت روسيا إخضاعها سابقا، وأهم أوجه المقارنة شملت مدينتي حلب السورية وغروزني الشيشانية.
ويقول ديفيد روتشز إن استراتيجية روسيا في أوكرانيا تتشابه مع الذي فعلته في سوريا وخصوصا في مدينة حلب، حيث “قصفت القوات الروسية المدينة بكل الوسائل الممكنة للقضاء على أي مقاومة من الداخل، ولن تمانع روسيا فعل ذلك مجددا في أوكرانيا ومدنها المختلفة، فهذا ما تعلمناه من تجاربها السابقة في أماكن أخرى”.
رغم تمكن الأوكرانيين من إلحاق أضرار بالجانب الروسي وإعاقة تقدمه في بعض الأحيان، إلا أنهم لن يستطيعوا التصدي بالكامل للقوات الروسية ذات القدرة القتالية الكبيرة والأسلحة المدمرة إذا بقي الوضع على حاله، بحسب المحللين العسكريين. ويقول روتشز بأن “الفرص غير متكافئة في حرب كهذه”.
فعلى الرغم من نجاعة حروب الشوارع وقدرتها على دحر أقوى الجيوش تاريخيا، إلا أنها تنطوي على ردود فعل عنيفة من الجانب المهاجم الذي ينتهي بقصف المدن المستهدفة ومحوها، وهو ما لن تتردد روسيا عن فعله، إلا أنها إذا فازت “فلن تربح سوى كومة من الأنقاض” وفقا لروتشز.