محكمة التمييز : القضاء لا يملك إعادة العمال لأعمالهم عقب فصلهم وإن كان تعسفياً
أكدت محكمة التمييز العمالية، برئاسة المستشار صالح الرقدان، عدم رقابة القضاء على القرارات الصادرة من الشركات بإنهاء خدمات الموظفين العاملين في القطاع الأهلي، وقررت رفض طلب أحد العمال إعادته إلى عمله بإحدى الشركات.
وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها، إن القرارات الصادرة من الشركات، ولو اتسمت بالتعسف بالفصل تجاه العاملين، إلا أن المحكمة لا تملك إعادة العامل إلى عمله على سند من أن القرار الصادر بإنهاء خدمته يترتب عليه إنهاء الرابطة العقدية، ولو اتسم بالتعسف ولا يخضع لرقابة القضاء إلا في خصوص طلب التعويض عن الضرر الناجم عنه إن كان له محل.
حجية الأحكام
ولفتت إلى أن الشركة أنهت خدمات العامل على سند ارتكابه إحدى الجرائم المتصلة بعمله، إلا أنه قضي ببراءته منها، موضحة أن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن المادة 54 من المرسوم بالقانون رقم 31 لسنة 1980 بشأن الإثبات في المواد المدنية والتجارية، نصت على أنه لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم، وكان فصله فيها ضروريا.
ومع ذلك، فإنه لا يرتبط بالحكم الصادر بالبراءة إلا إذا قام على نفي نسبة الواقعة إلى المتهم. فإن مفاده أن الحكم الصادر في المواد الجزائية لا تكون له حجية في الدعوى المدنية إلا فيما فصل فيه فصلاً لازماً في الوقائع المكونة للأساس المشترك بين الدعويين الجزائية والمدنية، وفي الوصف القانوني لها، ونسبتها إلى فاعلها، بحيث يمتنع على المحكمة المدنية أن تعيد بحثها، وعليها أن تلتزم عند الفصل في الحقوق المدنية المتصلة بها، حتى لا يكون قضاؤها مخالفاً للحكم الجزائي السابق، ولا يرتبط القاضي المدني بالحكم الصادر بالبراءة إلا إذا كانت البراءة مؤسسة على نفي نسبة الواقعة إلى المتهم، سواء كان أساس هذا النعي عدم ارتكاب المتهم للفعل المسند إليه، أو أن الأدلة القائمة في نسبة الاتهام غير كافية لما يحيط بها من شك.
التحقيقات
وشددت على أن الحكم الجزائي الصادر ببراءة الطاعن أسس قضاءه على أن المحكمة لا تطمئن إلى صحة إسناد الاتهام إلى الطاعن وآخرين، حيث تبين أن التهمة غير ثابتة بحقهم، لخلو الأوراق من ثمة دليل بالأوراق تعول عليه المحكمة بإدانتهم، إضافة إلى إنكارهم الاتهام جملة وتفصيلا بالتحقيقات، وخلو الإيميلات المرفقة بالدعوى موضوع الاتهام من أي معلومات سرية يعاقب عليها القانون، فضلاً عن عدم تقديم أي مستندات أو ثمة دليل يفيد بأي مصلحة أو تربح قد عادت على المتهمين من جراء تلك الأفعال، ومن ثم تغدو الواقعة مجرد أقول مرسلة لا تطمئن إليها المحكمة، وتنهار معها بالتالي أركان الجريمة، ولا تنهض الأوراق لتقيم في حق المتهمين الدليل اليقيني الجازم اللازم لسياقهم إلى العقاب، ولا تصلح مدوناتها لإدانتهم.
نفي الواقعة
وأشارت «التمييز» إلى أن الحكم لم يُبن على مجرد الشك في الدليل وعدم اطمئنان المحكمة إليه، بل تأسس على نفي نسبة الواقعة إلى الطاعن على سند أن الأدلة القائمة في نسبة الاتهام إليه غير كافية، مما ترتب عليه انهيار أركان هذه الجريمة، ومن ثم تكون له حجية في الدعوى المدنية، ويرتبط بها القاضي المدني لدى نظره للدعوى الماثلة، ويمتنع عليه أن يعيد بحث مسألة ما إذا كان قرار الفصل قد تحقق له موجباته، بسبب إفشاء الطاعن أسرار الشركة المطعون ضدها من عدمه، احتراماً لحجية الحكم الجزائي سالف الذكر.
وذكرت أن الحكم المطعون فيه التفت عن الأخذ بحجية الحكم الجزائي، وانتهى في قضائه إلى أن قرار الفصل تحققت له موجباته، مستندة في ذلك إلى تحقيق داخلي أجرته الشركة المطعون ضدها مع الطاعن، ورتب على ذلك رفض دعواه، فإنه يكون خطأ في تطبيق القانون وشابه فساد في الاستدلال بما يعيبه ويوجب تمييزه.
الفصل
وأكدت «التمييز»، أنه عن موضوع الاستئناف – وفي حدود ما تم تمييزه – فهو صالح للفصل فيه، ولما تقدم وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة – أنه لا يجوز إجبار صاحب العمل على إعادة العامل إلى عمله بعد فصله دون أن ينال من ذلك تحدي العامل بأن فصله صدر تعسفيا، لأنه وبفرض صحة ذلك، فإن حقه يقتصر على طلب التعويض إن كان له مقتضى.
الرابطة العقدية
وقالت: «كان الثابت في الأوراق، ومن قرار إنهاء خدمة العامل أن الشركة استندت في إصداره إلى الفقرة الثالثة من البند أ- من المادة 41 من قانون العمل رقم 6 لسنة 2010، وهي إفشاء المستأنف الأسرار الخاصة بالمنشأة، مما تسبب أو كان من شأنه أن يتسبب بخسارة محققة لها، وكان الحكم الجزائي المنوه المنوه عنه سلفاً قطع بعدم ارتكاب المستأنف لتلك الجريمة، وقد صار هذا الحكم نهائياً وباتاً بعدم الطعن عليه بالتمييز، وكانت الشركة لم تقدم أنه قد لحقتها خسارة جسيمة، أو أن ما تدعي به قبل العامل كان من شأنه أن يتسبب في خسارة محققة لها، ومن ثم يكون القرار الصادر بإنهاء خدمة المستأنف غير مبرر ومشوب بالتعسف، بما يتعين معه إلغاؤه والقضاء له بأحقيته في التعويض، ومكافأة نهاية الخدمة، إلا أنه لما كانت المحكمة لا تملك إعادة المستأنف إلى عمله على سند من أن القرار الصادر بإنهاء خدمته يترتب عليه إنهاء الرابطة العقدية، ولو اتسم بالتعسف ولا يخضع لرقابة القضاء إلا في خصوص طلب التعويض عن الضرر الناجم عنه إن كان له محل».
آثار مادية ومعنوية
وأوضحت أن البين من الأوراق أن العامل قد قصر طلباته في الدعوى على مجرد طلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف استمرار قرار فصله من العمل مؤقتا وإعادته إلى عمله، لحين الفصل في الدعوى العمالية وصدور حُكم بات فيها وإلغاء قرار إنهاء خدمته، وما ترتب عليه من آثار مادية ومعنوية، ولم يطلب القضاء له بالتعويض ومكافأة نهاية الخدمة على وجه صريح وجازم، ومن ثم فإن المحكمة تقف في قضائها عند حد إلغاء قرار الفصل لصدوره تعسفيا، وإذ خالف الحكم المستأنف هذا النظر والتفت عن الأخذ بحجية الحكم الجزائي الصادر ببراءة المستأنف ورتب على ذلك قضاءه برفض دعواه، فإنه يكون معيباً بما يتعين إلغاؤه، والقضاء مجددا بإلغاء قرار إنهاء خدمة المستأنف، وما ترتب عليه من آثار مادية ومعنوية.