لبنان: الحمى الانتخابية تشتدّ والراعي يتشدّد حيال الاستحقاق الرئاسي
تتصاعد الحمّى الانتخابية في لبنان قبل 27 يوماً من الاستحقاق النيابي الذي تُزَجّ فيه كل «الأسلحة» السياسية في سياق «تعبئةٍ شاملة» تعكس الطابعَ الـ «ما فوق استثنائي» الذي يسبغه الداخلُ على انتخاباتٍ يعاينها الخارج بوصْفها محطةً من شأن نتائجها أن ترسم معالم تحوّلاتٍ، ولو لم تكن من «العيار» الذي «يقلب الموازين»، إلا أن مجرّد تصحيحها للتوازنات لمصلحة تقييد نفوذ «حزب الله» على مستوى السلطة فإن الأمر سيسرّع انطلاق «بلاد الأرز» في مسار الإفلات من الانهيار الأعتى على متن «قارب نجاةٍ» من دعمٍ مالي وسياسي سيشكل «طريقاً مختصرة» من «إنقاذٍ قيصري» أو من ارتطام مميت.
ورغم أن لبنان ما زال في مدار عطلة عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي، فإن «طبول» استحقاق 15 مايو لم تسترِح، وسط ارتسام ملامح تحمية تَصاعُدية على المنابر، بين «حزب الله» الذي جَمَع حلفاءه تحت «عباءة» أمينه العام السيد حسن نصر الله وفق شعار «لا صوت يعلو فوق صوت مصلحة خط 8 مارس» واحتفاظه بالغالبية النيابية وربما أكثر، وبين خصومه الذين يسعون، ولو كان كل منهم «يغنّي على لائحته وتحالفاته»، لاقتناص فرصة استعادة زمام المبادرة في الواقع اللبناني وملاقاة «نصف الباب» الذي عاودت دول الخليج العربي فتْحه مع «بلاد الأرز».
وانشغلت بيروت أمس بتطوريْن ذات دلالات:
– الأوّل ذات طابع أمني شكّله الاعتداء عصر السبت على مرشحين ومؤيدين لإحدى اللوائح المنافسة للثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) في منطقة الصرفند (قضاء صيدا) والمدعومة من الحزب الشيوعي والمستقلين و«حراك صور» (المجتمع المدني) والتي كانت تتهيأ لإطلاق برنامجها الانتخابي في مطعم «الوادي».
وشكل قطْع الطريق على المشارِكين في الاحتفال من مجموعة هاجمت السيارات التي حوصرت مع تسجيلِ إطلاق نار من مسدس حربي في اتجاههم، تطوراً بالغ الخطورة بدا بمثابة «جرس إنذار» حيال «أمن الانتخابات» في مناطق الثنائي الشيعي و«تكافؤ الفرص» بين اللوائح، ولا سيما أن نفي حركة «أمل» ضلوع مناصريها في «الهجوم» لم يصمد بدليل اضطرار كتلة الرئيس نبيه بري النيابية لإصدار بيان أعلنت فيه أنها تدين «برئيسها وجميع أعضائها ما حصل في خراج بلدة الصرفند من ممارسات وإساءات طاولتْ نشاطاً انتخابياً لإحدى اللوائح»، مؤكدة «رفْع الغطاء عن أي مسيء وأن ما حصل وملابساته بات بعهدة القضاء المختص الذي عليه أن يسارع لإجراء المقتضى».
– والتطور الثاني قداس الفصح في بكركي الذي ترأسه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وحضره رئيس الجمهورية ميشال عون.
وانطبعتْ المناسبةُ بمواقفَ بارزة قالها الراعي «وجهاً لوجه» للرئيس عون وأكمل معها تحديده (السبت) تطلعات الكنيسة من الانتخابات النيابية وحضه اللبنانيين على إيصال «أكثرية نيابية سيادية»، وصولاً إلى 3 إشارات مباشرة أطلقها أمس برسمْ رئيس الجمهورية وبدت بمثابة «تحذير ناعم» من أي تعطيل للانتخابات الرئاسية أو تمديد رئاسي.
أولاً بتوجّهه لعون «نرفع معكم ذبيحة شكرٍ لله على الست سنوات التي تختتمون بها عهدكم على رأس الجمهورية اللبنانية»، وثانياً باعتباره أن «زيارة البابا فرنسيس للبنان في يونيو المقبل، هي بمثابة جسر بين عهدكم وعهد من سيكون خلَفكم»، وثالثاً الإشارة إلى تصميم عون «من أجل تأمين انتخاب خلَفكم على رأس الجمهورية في موعده الدستوري».
أما رئيس الجمهورية فتوقفت أوساط سياسية عند 3 نقاط في كلامه بعد الخلوة مع الراعي: الأولى قالها في معرض طمأنة اللبنانيين إلى أن الانتخابات النيابية ستحصل بموعدها والتحضيرات كافة جاهزة لذلك «إلا إذا حصل شيء لا سمح الله».
والثانية قوله في سياق تعداد «أمور إيجابية حصلت» أخيراً: «عودة الدول العربية إلى لبنان وسيادته الطبيعية كما كانت من دون بذل أي جهد».
والعبارة الأخيرة بدت حمّالة معانٍ عدة واستولدت علامات استفهام حول المقصود بها وهل أن «العودة العربية» حملت منحى «تراجُعياً» من دول الخليج وما مغزى الحديث في «السطر نفسه» عن «السيادة».
والثالثة تصويب عون على بري في ما خص التحقيق بانفجار مرفأ بيروت متحدثاً عن «عرقلة» لمرسوم التشكيلات القضائية المتعلقة برؤساء محاكم التمييز الذي لم يوقّعه بعد وزير المال (من حصة بري)، ومؤكداً رداً على كلام الأخير عن «خطأ أساسي» يقف وراء عدم توقيعه أن «هناك عرقلة ويجب أن تعلموا مَن يعرقل، فليتوقفوا عن الكذب عليكم».
وتوجه لأهالي شهداء المرفأ قائلاً «عليهم أن يتوجهوا الى معرقلي القضاء، وجميعكم تعلمون من هو المعرقل، فمن أوقف مجلس الوزراء»؟
وكان الراعي قال في عظته «إن اللبنانيين لا يريدون بديلاً عن الدولة، وهم يتوقون للحظة التي تُرفع الهيمنة عن لبنان ويتوقّف تعطيل القضاء، فلا يبقى سوى جمهورية واحدة وشرعية واحدة وسلاح واحد وقرار واحد وهوية لبنانية جامعة».
وتحدث عن «الأزمة الخانقة التي يعيشها شعبنا».
وقال: «من حق اللبنانيين أن ينتقلوا إلى عهد القيامة، وقد طالت جلجلتهم القسرية، وطالت الهيمنة على واقعهم ومصيرهم، وتمادت عملية تشويه صورة لبنان البهية. وفي زمن الانتقال من الجلجلة إلى زمن دحرجة الحجر، نرى بكل أسف غالبية العاملين في الحقل السياسي والمسؤولين عن الوطن والشعب يتصرفون لا لإزاحة الحجر عن صدر اللبنانيين بل لتثبيته».
وأضاف: «ينتظر اللبنانيون قيامتهم من الدولة وفي الدولة، ويتوقعون من المسؤولين والمتعاطين في الشأن السياسي أن يضعوا وطنهم على سكة الخلاص بعد هذه العذابات التي لم يشهدوا مثلها من قبل، حتى في زمن الحروب والقصف والدمار. لا يريد اللبنانيون الحقيقيون عن الدولة بديلاً، ولا يريدون لها شريكاً. إنهم يتوقون إلى اللحظة التي ترفع الأيادي عن لبنان وتنحسر الهيمنة، ويسقط التسلط، ويتوقف تسييس القضاء والإدارة وتعطيلهما من النافذين، وتنتهي الازدواجية، وتعلو المصلحة الوطنية على كل المصالح الخاصة والانتخابية».
وتابع: «الارتياح يعمّ جميع اللبنانيين لتأكيد حصول الانتخابات النيابية في موعدها المقرر، وكان تصميمكم في شأنها ثابتا على الرغم من محاولات الإطاحة بها من هنا وهناك. وهذا التصميم إياه تعملون به من أجل تأمين انتخاب خلفكم على رأس الجمهورية في موعده الدستوري.
الكل يقدّر مساعيكم الهادفة إلى إقرار الموازنة العامة والاتفاق على خطة التعافي، وإلى إقرار الإصلاحات كممر ضروري للنهوض بالبلاد، وإلى صوغ العقد مع صندوق النقد الدولي بعد إجراء التعديلات الضرورية عليه ليتوافق مع الواقع اللبناني. فلا يجوز، تحت عنوان إنقاذ لبنان، أن يتم تغيير هوية نظامه الوطني الاقتصادي التي لا تخضع لأي تسوية دستورية أو مساومة سياسية».
وشدد على أنه «كي تأخذ الإصلاحات كامل مداها إنما تحتاج إلى أن يرافقها بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وتوحيد السلاح والقرار، عملاً بقرارات مجلس الأمن، واعتماد الخيارات الاستراتيجية التي تعزز علاقات لبنان مع محيطه العربي والعالم الديموقراطي».
وقال: «فيما تعود الدول الخليجية تدريجياً إلى لبنان لتساهم في حركة استنهاضه، من الواجب احترام سيادة الدول وحسن العلاقات معها، وتوقف الحملات على هذه الدول الشقيقة، خاصة وأنها حملات لا علاقة لها بمصلحة لبنان، بل بمصالح دول أجنبية».