«الأوقاف» تعترف: بعض شبابنا ملاحدة!!
الكويت – النخبة:
المصدر – الراي:
حذّرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من تبني بعض الشباب للأفكار الإلحادية والمناداة بها، مطالبة برَدِّ شُبُهَاتِ الكُفْرِ وَالإِلْحَادِ وَالبِدَعِ وَالمُحْدَثَاتِ، وداعية أولياء الأمور والمربين والمعلمين إلى أن يغرسوا فِي نُفُوسِ الأبناء العَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ والأُصُولَ الَّتِي يُؤَدِّي الرُّسُوخُ فِيهَا إِلَى تَفْكِيكِ الفِكْرِ الإِلْحَادِيِّ.
ونبهت الوزارة في خطبة الجمعة التي عممتها على الأئمة والخطباء لليوم بعنوان «الإلحاد المعاصر: خطورته ومظاهره» إلى أن بعض الشباب ينادون بالأفكار الإلحادية «عَبْرَ بَعْضِ القَنَوَاتِ الفَضَائِيَّةِ أَوِ الدَّوْرَاتِ التَّدْرِيبِيَّةِ المَشْبُوهَةِ، وَالكُتُبِ المَاجِنَةِ الفَاجِرَةِ، الَّتِي يُسَمُّونَهَا بِأَسْمَاءٍ تَخْدَعُ الجُهَلَاءَ».
وشددت الخطبة على «إِنَّ الأَدِلَّةَ العَقْلِيَّةَ وَالنَّقْلِيَّةَ، وَالحِسَّ وَالفِطْرَةَ، كُلَّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُوَ المُتَفَرِّدُ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَالمُتَوَحِّدُ فِي أُلُوهِيَّتِهِ، عَزَّ سُلْطَانُهُ، وَعَظُمَ جَلَالُهُ، وَعَلَا شَأْنُهُ، وَنَفَذَ أَمْرُهُ، وَكَمُلَ بَهَاؤُهُ».
واضافت: «لَقَدْ جَعَلَ هَؤُلَاءِ المَلَاحِدَةُ العَقْلَ فِي مَنْزِلَةِ الخَالِقِ المُتَصَرِّفِ فِي الْكَوْنِ، وَأَعْطَوْهُ صِفَةَ القَدَاسَةِ، فَقَدَّمُوهُ عَلَى الوَحْيِ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ بِالتَّمْرِينِ وَالتَّدْرِيبِ يَمْتَلِكُ طَاقَةً يُمْكِنُهُ بِهَا التَّصَرُّفُ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ وَتَغْيِيرُ مَا كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْهِ، حَتَّى قَالُوا: أَنْتَ تَصْنَعُ قَدَرَكَ بِيَدِكَ، وَسَمَّوْا ذَلِكَ بِدَوْرَاتِ الطَّاقَةِ الكَوْنِيَّةِ أَوْ قَانُونِ الجَذْبِ، أَوْ إِرْسَالِ النِّيَّةِ، أَوِ البَرْمَجَةِ اللُّغَوِيَّةِ العَصَبِيَّةِ، أَوْ تَمَارِينِ اليُوغَا، أَوِ القَوَانِينِ الفِيزْيَائِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ المُسَمَّيَاتِ الَّتِي لَا تَخْدَعُ أَهْلَ الإِيمَانِ، وَلَا تَنْطَلِي إِلَّا عَلَى مَنْ ضَيَّعَ دِينَهُ، وَجَهِلَ عَقِيدَتَه»ُ.
واشارت إلى ان «أَهْلُ الإِلْحَادِ المُعَاصِرِ أَضَافُوا إِلَى ذَلِكَ الدَّعْوَةَ إِلَى الاِنْحِلَالِ مِنْ جَمِيعِ القُيُودِ الشَّرْعِيَّةِ وَالأَخْلَاقِيَّةِ، وَالدَّعْوَةَ إِلَى حُرِّيَّةِ المَرْأَةِ الَّتِي هِيَ فِي حَقِيقَةِ الأَمْرِ انْسِلَاخُهَا مِنَ الأَعْرَافِ وَالْعِفَّةِ وَالحَيَاءِ إِلَى عَادَاتِ الكُفَّارِ وَالاِنْحِلَالِ وَالتَّبَرُّجِ والسُّفُورِ»، مضيفة «وَصَلَ بِهِمُ الأَمْرُ إِلَى إِنْكَارِ الرُّسُلِ وَالكُتُبِ، وَإِنْكَارِ المَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، وَالمَوْتِ وَالبَعْثِ وَالجَزَاءِ وَالحِسَابِ، وَازْدِرَاءِ الإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ وَالمُسْلِمِينَ المُتَمَسِّكِينَ بِهِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى وَحْدَةِ الأَدْيَانِ، وَدَعْمِ الفَلْسَفَاتِ البَاطِنِيَّةِ وَالرُّوحَانِيَّةِ المُلْحِدَةِ».
واعتبرت الخطبة أن «الوُقُوفُ فِي وَجْهِ هَذِهِ الفِتْنَةِ النَّكْرَاءِ وَهَذَا الإِرْهَابِ الفِكْرِيِّ الإِلْحَادِيِّ الشَّنِيعِ مِنْ أَعْظَمِ الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ لِأَنَّهُ دَفْعٌ لِلصَّائِلِ عَنِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا جَمِيعًا».
وفي ما يلي نص الخطبة:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ الأَدِلَّةَ العَقْلِيَّةَ وَالنَّقْلِيَّةَ، وَالحِسَّ وَالفِطْرَةَ، كُلَّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُوَ المُتَفَرِّدُ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَالمُتَوَحِّدُ فِي أُلُوهِيَّتِهِ، عَزَّ سُلْطَانُهُ، وَعَظُمَ جَلَالُهُ، وَعَلَا شَأْنُهُ، وَنَفَذَ أَمْرُهُ، وَكَمُلَ بَهَاؤُهُ.
فَسُبْحَانَ مَنْ شَهِدَتْ بِوَحْدَانِيَّتِهِ المَخْلُوقَاتُ، وَخَشَعَتْ لِعَظَمَتِهِ الكَائِنَاتُ، وَافْتَقَرَتْ إِلَيْهِ جَمِيعُ البَرِيَّاتِ، فَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا، ) رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ( [طه: 20]، فَهُوَ أَعْرَفُ مِنْ أَنْ يُنْكَرَ، وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُجْحَدَ، )فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ([الجاثية:45] أَرْسَلَ رُسُلَهُ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَجَعَلَهُمُ الهُدَاةَ وَالأَئِمَّةَ إِلَى كُلِّ عِلْمٍ نَافِعٍ صَحِيحٍ، وَدِينٍ بِالأَدِلَّةِ صَرِيحٍ، حَتَّى قَالَتِ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لِأَقْوَامِهِمْ: « أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) [إبراهيم:10].
وَخَصَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ جَعَلَهُ خَاتِمَهُمْ وَإِمَامَهُمْ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ، فِيهِمَا الهُدَى وَالحَقُّ وَالنُّورُ، وَفِيهِمَا العُلُومُ النَّافِعَةُ وَالحَقَائِقُ الصَّادِقَةُ، وَالأَخْلَاقُ الفَاضِلَةُ، وَالأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، وَالآدَابُ العَالِيَةُ، إِلَيْهِمَا يَنْتَهِي كُلُّ عِلْمٍ وَحَقٍّ وَكَمَالٍ.
عِبَادَ اللهِ:
لَقَدْ وَضَّحَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَحْيَيْنِ المَسائِلَ وَالدَّلَائِلَ وَالحَقَائِقَ الْيَقِينِيَّةَ وَالْبَـرَاهِينَ القَطْعِيَّةَ، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِمَا، وَاهْتَدَى بِهَدْيِهِمَا سَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُمَا أَوْ عَارَضَهُمَا ضَلَّ عَنِ الهُدَى، وَنَالَ الصَّفْقَةَ الخَاسِرَةَ وَشَقِيَ أَبَدًا.
ًوَأَعْظَمُ النَّاسِ انْحِرَافًا عَنْهُمَا مَلَاحِدَةُ الفَلَاسِفَةِ وَزَنَادِقَةُ الدَّهْرِيِّينَ المَادِّيِّينَ، وَهُمْ أَكْبَرُ أَعْدَاءِ الرُّسُلِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَهُمْ شِرَارُ الخَلْقِ، الدُّعَاةُ إِلَى الضَّلَالِ وَالشَّقَاءِ؛ فَإِنَّهُمْ تَصَدَّوْا لِمُحَارَبَةِ الأَدْيَانِ كُلِّهَا، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ عُلُومَهُمُ الَّتِي فَرِحُوا بِهَا، وَاحْتَقَرُوا لِأَجْلِهَا مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، ( فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ )[غافر:83]. وَقَدْ أَصَّلُوا لِبَاطِلِهِمْ أُصُولًا يُقَلِّدُ فِيهَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهِيَ فِي غَايَةِ الفَسَادِ، يَكْفِي اللَّبِيبَ مُجَرَّدُ تَصَوُّرِهَا عَنْ إِقَامَةِ البَرَاهِينِ عَلَى نَقْضِهَا؛ لِكَوْنِهَا مُنَاقِضَةً لِلعَقْلِ وَالنَّقْلِ، وَلَكِنَّهُمْ زَخْرَفُوهَا وَرَوَّجُوهَا فَانْخَدَعَ بِهَا كَثِيرٌ مِنَ الخَلْقِ.
أَعْظَمُهَا عِنْدَهُمْ أَصْلٌ خَبِيثٌ تَفَرَّعَ عَنْهُ ضَلَالُهُمْ، وَهْوَ: أَنَّهُ مَنْ أَرَادَ الشُّرُوعَ فِي المَعَارِفِ الإِلَهِيَّةِ فَلْيَمْحُ مِنْ قَلْبِهِ جَمِيعَ العُلُومِ وَالاِعْتِقَادَاتِ، وَلْيَسْعَ فِي إِزَالَتِهَا مِنْ قَلْبِهِ بِحَسَبِ مَقْدُورِهِ، وَلْيَشُكَّ فِي الأَشْيَاءِ ثُمَّ لْيَكْتَفِ بِعَقْلِهِ وَخَيَالِهِ وَرَأْيِهِ، وَكَمَّلُوا هَذَا الأَصْلَ البَاطِلَ بِحَصْرِهِمْ لِلْمَعْلُومَاتِ بِالْمَحْسُوسَاتِ، وَمَا لَمْ يُدْرِكُوهُ بِحَوَاسِّهِمْ نَفَوْهُ وَجَحَدُوهُ. وَهَذَا أَصْلٌ أَفْسَدَ عُلُومَهُمْ وَعُقُولَهُمْ وَأَدْيَانَهُمْ، وَأَنْكَرُوا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ عُلُومَ الغَيْبِ كُلَّهَا، وَجَحَدُوا رُبُوبِيَّةَ اللهِ وَأَفْعَالَهُ، وَقَضَاءَهُ وَقَدَرَهُ، وَعَطَّلُوهُ عَنْ صِفَاتِهِ، فَلَا حَاجَةَ عِنْدَهُمْ لِلَّهِ وَلَا لِلاِسْتِعَانَةِ بِهِ؛ لِأَنَّ الأَفْعَالَ عِنْدَهُمْ لِلطَّبِيعَةِ وَحْدَهَا، وَقَدْ بَيَّنَ النَّاسُ عَلَى اخْتِلَافِ نِحَلِهِمْ بُطْلَانَ أُصُولِهِمْ، وَأَنَّ أَهْلَهَا قَدْ خَالَفُوا جَمِيعَ الرُّسُلِ وَكَافَّةَ العُقَلَاءِ.
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
مَعَ كَوْنِ وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَوُجُوبِ إِفْرَادِهِ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَالإِيمَانِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ مِنْ أَظْهَرِ القَضَايَا وَأَوْضَحِهَا، إِلَّا أَنَّهُ وُجِدَ شُذَّاذٌ مِنَ البَشَرِ أَنْكَرُوهَا، وَأَضْحَتْ فِتْنَـتُهُمْ وَوَبَاؤُهُمْ وَإِلْحَادُهُمْ غَزْوًا فِكْرِيًّا مُرَكَّزًا تُجَاهَ نَاشِئَةِ المُسْلِمِينَ وَشَبَابِهِمْ، يُصِيبُ عَقِيدَتَهُمْ وَأَخْلَاقَهُمْ فِي مَقْتَلٍ؛ فَلِذَا كَانَ الوُقُوفُ فِي وَجْهِ هَذِهِ الفِتْنَةِ النَّكْرَاءِ وَهَذَا الإِرْهَابِ الفِكْرِيِّ الإِلْحَادِيِّ الشَّنِيعِ مِنْ أَعْظَمِ الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ لِأَنَّهُ دَفْعٌ لِلصَّائِلِ عَنِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا جَمِيعًا.
وَقَدْ تَبَنَّى وَلِلأَسَفِ بَعْضُ شَبَابِنَا هَذِهِ الأَفْكَارَ الإِلْحَادِيَّةَ، وَبَدَأُوا يُنَادُونَ بِهَا وَيَدْعُونَ إِلَيْهَا عَبْرَ بَعْضِ القَنَوَاتِ الفَضَائِيَّةِ أَوِ الدَّوْرَاتِ التَّدْرِيبِيَّةِ المَشْبُوهَةِ، وَالكُتُبِ المَاجِنَةِ الفَاجِرَةِ، الَّتِي يُسَمُّونَهَا بِأَسْمَاءٍ تَخْدَعُ الجُهَلَاءَ، وَقَدِ احْتَوَتْ هَذِهِ الدَّوْرَاتُ وَمَا يَدْعُونَ إِلَيْهِ مِنَ المُعْتَقَدَاتِ عَلَى البَلَاءِ الكَبِيرِ وَالمُنْكَرِ الخَطِيرِ، مِنْ كُفْرٍ وَإِلْحَادٍ وَكَهَانَةٍ وَجُحُودٍ لِلَّهِ وَأَفْعَالِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ!!.
بَلْ أَخَذُوا يُلَمِّعُونَ بَعْضَ النَّظَرِيَّاتِ الإِلْحَادِيَّةِ، المَبْنِيَّةِ عَلَى نَفْيِ وُجُودِ اللهِ وَتُصَرُّفِهِ فِي الْكَوْنِ، وَنَفْيِ أَصْلِ الخَلِيقَةِ، كَنَظَرِيَّةِ التَّطَوُّرِ الدَّارُونِيَّةِ، وَنَظَرِيَّةِ الاِنْفِجَارِ الكَبِيرِ، وَأَنَّ الْكَوْنَ كُلَّهُ نَشَأَ عَنْ طَرِيقِ الصُّدْفَةِ وَالطَّبِيعَةِ، وَهَذَا هُوَ الكُفْرُ البَوَاحُ المُنَاقِضُ لِلدِّينِ وَالعَقْلِ وَالفِطْرَةِ، ( هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) [لقمان:11].
وَمَعَ مَا فِي هَذَا التَّقْرِيرِ الإِلْحَادِيِّ مِنَ التَّنَاقُضِ، فَهُوَ يُكَذِّبُ بِالشَّيْءِ وَيُصَدِّقُ نَظِيرَهُ، فَـيُكَذِّبُ أَنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ طِينٍ ثُمَّ تَنَاسَلَ البَشَرُ مِنْ بَعْدِهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ غَيْبٌ غَيْرُ مَحْسُوسٍ، وَفِي مُقَابِلِ هَذَا يُصَدِّقُ بِأَنَّ أَصْلَ الإِنْسَانِ خَلِيَّةٌ وُجِدَتْ قَبْلَ مَلَايِينِ السِّنِينَ، ثُمَّ تَطَوَّرَتْ، مَعَ أَنَّ هَذَا غَيْبٌ بِالنِّسْبَةِ لَهُ أَيْضًا، لَكِنَّهُ مَقْبُولٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مَصْدَرَهُ إِلْحَادِيٌّ، وَذَاكَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ مَصْدَرَهُ وَحْيٌ قُرْآنِيٌّ، (سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) [الأعراف:146].
عِبَادَ اللهِ:
لَقَدْ جَعَلَ هَؤُلَاءِ المَلَاحِدَةُ العَقْلَ فِي مَنْزِلَةِ الخَالِقِ المُتَصَرِّفِ فِي الْكَوْنِ، وَأَعْطَوْهُ صِفَةَ القَدَاسَةِ، فَقَدَّمُوهُ عَلَى الوَحْيِ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ بِالتَّمْرِينِ وَالتَّدْرِيبِ يَمْتَلِكُ طَاقَةً يُمْكِنُهُ بِهَا التَّصَرُّفُ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ وَتَغْيِيرُ مَا كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْهِ، حَتَّى قَالُوا: أَنْتَ تَصْنَعُ قَدَرَكَ بِيَدِكَ، وَسَمَّوْا ذَلِكَ بِدَوْرَاتِ الطَّاقَةِ الكَوْنِيَّةِ أَوْ قَانُونِ الجَذْبِ، أَوْ إِرْسَالِ النِّيَّةِ، أَوِ البَرْمَجَةِ اللُّغَوِيَّةِ العَصَبِيَّةِ، أَوْ تَمَارِينِ اليُوغَا، أَوِ القَوَانِينِ الفِيزْيَائِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ المُسَمَّيَاتِ الَّتِي لَا تَخْدَعُ أَهْلَ الإِيمَانِ، وَلَا تَنْطَلِي إِلَّا عَلَى مَنْ ضَيَّعَ دِينَهُ، وَجَهِلَ عَقِيدَتَهُ.
فَعَلَيْكُمْ -عِبَادَ اللهِ- أَنْ لَا تَغُرَّنَّكُمْ مِثْلُ هَذِهِ الدَّعَاوَى الزَّائِفَةِ، وَلَا تَخْدَعَنَّـكُمْ هَذِهِ الزَّخَارِفُ الشَّيْطَانِيَّةُ؛ فَكُلُّهَا طَرِيقٌ إِلَى الكُفْرِ وَالاِنْحِرَافِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْوَحْيَيْنِ: القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، تَمَسَّكُوا بِهِمَا، وَعَضُّوا عَلَيْهِمَا بِالنَّوَاجِذِ تَسْلَمُوا، فَبِهِمَا الصَّلَاحُ وَالرَّشَادُ، وَبِغَيْرِهِمَا الهَلَاكُ وَالفَسَادُ؛ فَالعَقْلُ السَّلِيمُ لَا يَتَنَاقَضُ مَعَ الشَّرْعِ السَّلِيمِ ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [المائدة:15-16].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ –عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
مَعَاشِرَ المُوَحِّدِينَ:
مَا ذَكَرْنَاهُ مِمَّا يَدْعُو إِلَيْهِ أَهْلُ الإِلْحَادِ المُعَاصِرِ، هُوَ شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنَ الكُفْرِيَّاتِ الَّتِي يُؤَصِّلُونَهَا وَيَدْعُونَ إِلَيْهَا، بَلْ أَضَافُوا إِلَى ذَلِكَ الدَّعْوَةَ إِلَى الاِنْحِلَالِ مِنْ جَمِيعِ القُيُودِ الشَّرْعِيَّةِ وَالأَخْلَاقِيَّةِ، وَالدَّعْوَةَ إِلَى حُرِّيَّةِ المَرْأَةِ الَّتِي هِيَ فِي حَقِيقَةِ الأَمْرِ انْسِلَاخُهَا مِنَ الأَعْرَافِ وَالْعِفَّةِ وَالحَيَاءِ إِلَى عَادَاتِ الكُفَّارِ وَالاِنْحِلَالِ وَالتَّبَرُّجِ والسُّفُورِ، بَلْ وَصَلَ بِهِمُ الأَمْرُ إِلَى إِنْكَارِ الرُّسُلِ وَالكُتُبِ، وَإِنْكَارِ المَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، وَالمَوْتِ وَالبَعْثِ وَالجَزَاءِ وَالحِسَابِ، وَازْدِرَاءِ الإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ وَالمُسْلِمِينَ المُتَمَسِّكِينَ بِهِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى وَحْدَةِ الأَدْيَانِ، وَدَعْمِ الفَلْسَفَاتِ البَاطِنِيَّةِ وَالرُّوحَانِيَّةِ المُلْحِدَةِ، وَإِحْيَاءِ الكَهَانَةِ الجَاهِلِيَّةِ بِاعْتِقَادِ: أَنَّ هَذَا العَامَ عَامُ شَرٍّ، وَذَاكَ عَامُ التَّوَازُنِ، وَهَكَذَا، فَالأَمْرُ -عِبَادَ اللهِ- جَدُّ خَطِيرٍ، خُصُوصًا وَقَدْ أَصْبَحَ يَنْشُرُهُ بَعْضُ أَبْنَائِنَا فِي مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ وَشَبَكَاتِ الإِنْتِرْنِتِّ، فَيَجِبُ عَلَيْنَا الحَذَرُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْهُ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
فَيَا حُمَاةَ العَقِيدَةِ، هُبُّوا لِنُصْرَةِ دِينِكُمْ، بِنَشْرِ العِلْمِ الصَّحِيحِ، وَرَدِّ شُبُهَاتِ الكُفْرِ وَالإِلْحَادِ وَالبِدَعِ وَالمُحْدَثَاتِ، وَيَا أَيُّهَا المُرَبُّونَ وَالمُعَلِّمُونَ وَأَوْلِيَاءُ الأُمُورِ، اغْرِسُوا فِي نُفُوسِ أَبْنَائِكُمُ العَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ خُصُوصًا الأُصُولَ الَّتِي يُؤَدِّي الرُّسُوخُ فِيهَا إِلَى تَفْكِيكِ الفِكْرِ الإِلْحَادِيِّ: كَالإِيمَانِ بِالغَيْبِ، وَالإِيمَانِ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ، وَاعْتِقَادِ الحِكْمَةِ فِي أَفْعَالِ اللهِ، وَتَعْظِيمِ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ، مِنْ بَيَانِ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ، وَحَقِيقَةِ الكُفْرِ وَخَطَرِهِ، وَالعَلَاقَةِ بَيْنَ العَقْلِ وَالنَّقْلِ، حَتَّى تَكُونَ هَذِهِ العَقِيدَةُ حِصْنًا لَهُمْ مِنْ مَهَالِكِ الضَّلَالِ، وَسِهَامِ الشَّيْطَانِ عَبْرَ دُعَاتِهِ مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الأَرْبَعَةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالأَئِمَّةِ الحُنَفَاءِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِالإِسْلَامِ قَائِمِينَ، وَاحْفَظْنَا بِالإِسْلَامِ قَاعِدِينَ، وَاحْفَظْنَا بِالإِسْلَامِ رَاقِدِينَ، وَلَا تُشْمِتْ بِنَا أَعْدَاءً وَلَا حَاسِدِينَ، اللَّهُمَّ أَبْرِمْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَمْرَ رُشْدٍ، يُعَزُّ فِيهِ أَهْلُ الإِيمَانِ، وَيُذَلُّ فِيهِ أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْكُفْرَانِ، وَيُهْدَى فِيهِ أَهْلُ الْعِصْيَانِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَ الْبِلَادِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا فِي طَاعَتِكَ وَرِضَاكَ، وَاجْعَلِ اللَّهُمَّ الْكُوَيْتَ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً بِالعَدْلِ وَالإِيمَانِ، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.