«قارب الموت» يصبّ الزيت على غضب اللبنانيين والانتخابات في المرمى
عادة يكون انعدام الرؤية حالة ظرفية عابرة، مرتبطة بالطقس، كما حصل يوم السبت، عندما خيمت طبقة من الضباب فوق مدارج مطار رفيق الحريري الدولي، ما اضطر إدارة المطار إلى وقف عمليات الإقلاع والهبوط فيه لبضع ساعات.
لكن انعدام الرؤية على المستوى السياسي بات يشكل حالة عامة مستمرة في لبنان، ومتصلة بانسداد الأفق واستعصاء الحلول، إلا ما تناول منها الفساد والمحسوبيات والتهرب من المسؤوليات وعرقلة الاستحقاقات، وآخرها الانتخابات النيابية.
والضباب الذي خيم في سماء بيروت وعطل الحركة في مطارها تحول إلى سحابة موت عصفت بعاصمة الشمال طرابلس كما بكل اللبنانيين الغاضبين مما وصلت إليه الحال، حيث غرق مركب يقل 60 مواطنا من المهاجرين باتجاه قبرص وأوروبا، هربا من شظف العيش، مع منظومة فساد، وليت أمر البلاد، فجففت الضرع وأتلفت الزرع.
الناجون الذين انتشلتهم بحرية الجيش ومروحياته اتهموا علانية وبالأسماء زورقا لسلاح البحرية بصدم مركبهم مرتين وكسره ومن ثم إغراقه لأنهم رفضوا الانصياع إلى أوامر العودة إلى الشاطئ، وأصدرت قيادة الجيش بيانا ردت فيه غرق المركب إلى تسرب المياه وارتفاع الموج وحمولة المركب الزائدة، لكن عددا من الناجين اعلنوا في تسجيلات صوتية ان زورق الجيش أغرقهم، وان الضابط المعني دعاهم للعودة من حيث أتوا، إلا انهم رفضوا، وهدد بإغراقهم، فقالوا له معنا نساء وأطفال، لكنه أصر على إعادتهم وصدم مركبهم مرة ثم أخرى، فيما عام ركابه على سطح المياه، وتم إنقاذ 45 منهم بواسطة زوارق الجيش التي تقاطرت إلى المكان.
وفيما جهد قائد القوات البحرية في الجيش اللبناني العقيد الركن هيثم ضناوي لتبرئة عناصره من المسؤولية معللا ذلك بقدم القارب والحمولة الزائدة وعدم الانصياع لطلبات ضباطه بالعودة إلى الشاطئ، تعالت صرخات ذوي الناجين والمفقودين أمام المرفأ، حيث ضرب الجيش طوقا أمنيا مانعا الدخول على غير سيارات الإسعاف، وعبر الأهالي عن سخط كبير وهم ينتظرون معرفة مصير أبنائهم الذين باعوا كل ما يمتلكونه للهرب كلاجئين.
رئيس الجمهورية ميشال عون أسف لما حصل وطلب من الأجهزة القضائية والعسكرية فتح تحقيق بالملابسات التي رافقت غرق المركب، واتصل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بقائد الجيش العماد جوزيف عون مبديا حزنه الشديد للحادث المؤلم، ودعا إلى الإسراع في التحقيق لمعرفة حقيقة أسباب غرق المركب، ومنبها المواطنين «من عصابات تستغل الأوضاع الاجتماعية لابتزازهم».
المصادر المتابعة توقفت طويلا أمام هذا الحادث المفجع، من حيث التوقيت والاستهداف، وأملت ان يتم تشييع الضحايا الذين تم انتشالهم وبينهم أطفال بأمن وسلام، في ظل استعدادات واسعة النطاق للجيش داخل طرابلس وحولها تحسبا واحترازا، تقابله استنفارات شعبية غاضبة، ومظاهر مسلحة في مناطق سكن الضحايا خصوصا في منطقتي التبانة والقبة.
وكان لافتا التصويب من قبل الأهالي على قائد الجيش، من حيث المسؤولية عن أداء العسكريين، حتى ان بعضهم ذهب بعيدا باتجاه استحقاق رئاسة الجمهورية، على الرغم من استنفار القائد لمختلف أجهزة الجيش لإنقاذ المواطنين الغرقى، ما ترك مجالا للتساؤل عما إذا كان لظروف إغراق المهاجرين غير الشرعيين طرف خيط بالهندسات السياسية المتصلة برئاسة الجمهورية.
وأكثر ما يخشى منه تدهور الوضع الأمني في طرابلس أثناء أو بعد تشييع الضحايا، الذين هم أبناء وأمهات واخوة واخوات، اليوم او بعده، وذلك في استهداف غير مباشر للاستحقاق الانتخابي من خلال انفجار أمني أو فوضى أمنية أطلت مؤشراتها اعتبارا من يوم أمس بحشود الدبابات وناقلات الجند حول طرابلس وفي أحيائها الداخلية، استدراكا لما يخشى منه وتحوطا لاستغلالات سياسية، وجدت بما حصل على الشاطئ الطرابلسي فرصتها السانحة، لدفع الأوضاع اللبنانية للمزيد من الشلل والفراغ.
في هذا السياق، ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن عددا من أهالي ضحايا «مركب الموت» اعتصموا أمام سراي طرابلس الحكومي، مطالبين كل وزراء ونواب المدينة بالمغادرة، مؤكدين انهم سيواصلون تحركهم بخطوات تصعيدية، كما اضرم محتجون غاضبون النار في حاويات القمامة والإطارات واعتصموا أمام منزل وزير الداخلية بسام مولوي، حيث تم قطع الطريق المؤدية إليه، مهددين بـ «التصعيد الكبير».
وتحسبا للمزيد من الاضطرابات، أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الحداد الرسمي اليوم الاثنين على ضحايا المركب الغريق، ودعا إلى تنكيس الأعلام المرفوعة على الإدارات والمؤسسات الرسمية، وكلف وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار الانتقال إلى طرابلس، وكذلك كلف الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة بالوقوف إلى جانب الأهالي المفجوعين، وتقديم كل المساعدات الممكنة لهم، فطرابلس مدينة ميقاتي، وعقر داره السياسي.
ورأى رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري أنه «عندما تصل الأمور بالمواطن اللبناني اللجوء إلى قوارب الموت هربا من جهنم الدولة، فهذا يعني أننا اصبحنا في دولة ساقطة. وطرابلس اليوم تعلن بلسان ضحاياها هذا السقوط».
واعتبر في تصريح عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن «الشهادات التي صرح بها ضحايا قارب الموت خطيرة ولن نقبل بأن تدفن في بحر المدينة. المطلوب تحقيق سريع يكشف الملابسات ويحدد المسؤوليات.. وخلاف ذلك لنا كلام آخر».
وبثت قناة «العربية الحدث» أمس خبرا يشير إلى اعتزام الرئيس سعد الحريري زيارة المملكة العربية السعودية قريبا ومن دون تحديد الموعد التي يبدو ان لها صلة بعيد الفطر المبارك.
في غضون ذلك، يلبي السفير السعودي وليد البخاري دعوة رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض لإفطار تكريمي له في زغرتا بشمال لبنان، غدا الثلاثاء وبحضور فاعليات المنطقة.
ويقيم البخاري إفطارا جامعا لرؤساء الطوائف اللبنانية غروب يوم الاثنين، ويوم الجمعة يقيم له النائب ميشال ضاهر إفطارا رمضانيا في زحلة.