القرود تحتج – بقلم : د. هند الشومر
من آن لآخر تطلق تسميات على بعض الأمراض والأوبئة مثل إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير والإنفلونزا الموسمية ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية والإنفلونزا الدورية ثم الآن جدري القرود، وتكون التسميات ملصقة بكائن أو بمكان، فإن ما يترتب على ذلك من وصمة وتمييز يصعب محوها أو التخلص منها بسهولة، وقد يختفي المرض أو الوباء ولكن تبقى الوصمة والتمييز والتي قد تنتقل إلى أجيال لاحقة.
ومثلا عندما يتوفى مريض بسبب أحد هذه الأمراض فقد يصعب على ذويه محو ذلك من سجلات الوفيات، وفي حالة مسحها فإن ذلك يؤثر على دقة الإحصائيات والمعلومات وخطط التعامل مع أي جائحة أو وباء، حيث إن إطلاق الأسماء على بعض الأمراض قد يفتح الباب على مصراعيه للوصمة والتمييز.
وأثناء حضوري العديد من المناقشات العلمية عندما كنت أقوم بمهام استشارية في منظمة الصحة العالمية، لمست حساسية واهتمام المنظمات الدولية بالتصدي للوصمة والتمييز عند وضع خطط واستراتيجيات التصدي للأمراض، لأن ذلك يعرقل تنفيذ الخطط مهما كانت الإمكانيات والفرص المتاحة. وأتساءل: كيف سيكون تصرفنا لو احتجت القرود على وصف جدري القرود الذي يتكرر بجميع اللغات يوميا مرتبطا بسيناريو الإجراءات العنيفة التي عرفها العالم وتطبيق خطط التصدي لأي فيروس كما كانت الإجراءات الخاصة بالتصدي لفيروس كورونا والتي مازال الاقتصاد العالمي يعاني من تداعياتها؟ لذلك فإن إطلاق الأسماء على الجوائح والأمراض يجب أن يكون بحكمة ودون تعجل ومن جانب متخصصين في الطب والصحة والعلوم الاجتماعية والسلوكية وبتوافق علمي لإغلاق الطريق أمام احتجاجات القرود المرتقبة.
وعندما تحتج القرود فقد لا تجدي لفض الاحتجاج خراطيم المياه أو رذاذ الفلفل الأسود أو المطاعات أو التحويل إلى الجرائم الإلكترونية لأن احتجاج القرود قد لا يجد له المؤيدين من الناشطين في حقوق الحيوان والإنسان، ولكن من يفهم مشاعر ولغة القرود عند احتجاجهم ومن سيستخدم شعار لا أرى لا أسمع ولا أتكلم للهروب من المسؤولية ومن سيمد القرود المحتجين باحتياجاتهم من الموز والفول السوداني ويدعم وقفتهم دون فهم لغتهم.
وهناك قرد كبير السن مع القرود المحتجة يكاد يتساءل عن المنطق والحكمة في تسمية جدري القرود دون مشاركة القرود في اللجان وفرق العمل التي قررت إطلاق التسمية دون استئذان من أصحاب الشأن أو استطلاع آرائهم في جو ديموقراطي.
وهناك قرد آخر يرتب لمؤتمر صحافي يعلن فيه الاحتجاج السلمي على التسمية وما ترتب عليها من أضرار أدبية ومادية للقرود. لذلك، يجب مراعاة اختيار التسميات بعيدا عن الوصمة والتمييز لنتمكن من تنفيذ الخطط والاستراتيجيات للتصدي لمسبباتها.