“جدري القردة”.. استبعاد لانتشار وبائي بالشرق الأوسط وتطمينات بشأن اللقاحات
أثار انتشار جدري القردة في بعض الدول الأوروبية وأستراليا وكندا والولايات المتحدة، الخوف في عدة دول عربية من انتشار العدوى بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في وقت لا يزال فيه العالم يتعافى من جائحة كورونا.
وأفادت منظمة الصحة العالمية، الثلاثاء، بتسجيل 131 إصابة مؤكدة بجدري القردة و106 حالات مشتبه بها في 19 دولة.
ويجمع الخبراء والمختصون بمجال الأوبئة والأمراض المعدية، على أنه لا داعي للقلق من انتشار جدري القردة، لأن طبيعته وأسبابه وطرق انتشاره تختلف عن فيروس كورونا إلى حد ما.
وعن الأسباب وطرق الانتشار، يقول الدكتور ضرار بلعاوي، مستشار علاج الأمراض المعدية، إن أسبابه ناتجة عن “التلامس اللصيق إما بين الحيوان والإنسان، أو بين الإنسان والإنسان”.
وينتقل جدري القردة عادة إلى البشر عن طريق القوارض البرية، لكن يمكن أيضا أن ينتقل من إنسان إلى آخر، عبر الاتصال المباشر بالطفح الجلدي أو الأغشية المخاطية لشخص مريض وكذلك عبر القطيرات.
وأكد بلعاوي في حديثه لموقع “الحرة” أنه لا داعي للقلق من انتشاره في الدول العربية، واستبعد أن يتحول إلى جائحة أو عدوى متفشية في المجتمع.
من ناحيته قال الأخصائي في علم الوبائيات، الدكتور أحمد الطسة، في حديثه لموقع “الحرة” إن “جدري القردة متواجد منذ فترة طويلة من الزمن في أفريقيا” وليس بالمرض الجديد.
وأوضح الطسة أن انتقال المرض تم “على مراحل، المرحلة الأولى هي من حيوان إلى الآخر والثانية من الحيوان إلى البشر، والمرحلة الثالثة وهو ما يحصل حاليا، أي الانتقال بين البشر”.
وأشار إلى أنه لا داعي للقلق من جدري القردة لأنه لم يصل إلى مرحلة “الانتشار الوبائي” على غرار فيروس كورونا.
العوارض والشفاء
وجدري القردة، مرض نادر، وعادة ما تكون أعراضه الحمى وآلام العضلات وتضخم الغدد اللمفاوية وطفح جلدي على اليدين والوجه.
ويسبب مرض جدري القردة في البداية ارتفاعا في درجة الحرارة ويتطور بسرعة إلى طفح جلدي مع قشور.
ويقول الدكتور الطسة إنه يمكن أن يرافق هذه العوارض “آلام في الظهر والعضلات، وحكة خلال مرحلة الشفاء في أماكن الطفح الجلدي”.
وأضاف أن “المرض يحتاج حوالى خمسة إلى سبعة أيام تقريبا، حتى يظهر الطفح الجلدي، وهو ما يعرف بفترة حضانة (المرض)، وبعد ذلك يصبح سهل التشخيص”.
واعتبر مستشار بارز في منظمة الصحة العالمية أن حفلتين شهدتا “نشاطا جنسيا” ربما تكونا سببا في التفشي غير المسبوق لجدري القردة في دول غربية، في وقت أكد المستشار الاستراتيجي لبرامج منظمة الصحة أن الفيروس “ليس مرضا ينتشر بين المثليين، كما حاول بعض الأشخاص تصنيفه عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.
ونقلت الأسوشيتد برس عن د. ديفيد هايمان، الذي ترأس في السابق قسم الطوارئ في منظمة الصحة قوله: “نعرف أن جدري القردة يمكن أن ينتشر في وجود اتصال قريب بآفات شخص مصاب، ويبدو أن نوعا ما من الاتصال الجنسي هو الذي زاد من الانتقال الآن”.
ولدى سؤاله عن ربط البعض مرض جدري القردة بالمثلية الجنسية، قال بلعاوي “لا يجب أن يوصم ذلك بالمثليين (…) والاتصال الجنسي يمكن أن يحدث بين الرجل والمرأة أيضا” وبذلك يمكن أن ينتشر المرض إذا كان أحدهما مصاب.
بدوره قال الطسة إنه “من الطبيعي أن الأمراض المعدية التي تنتقل باللمس، تنتقل أيضا بالاتصال الجنسي، وهذا ليس حكرا فقط على المثليين”.
وأضاف أنه “من الممكن أن يكون هذا المرض قد ظهر بداية لدى المثليين، لكنه لا يوجد دليل علمي على أنه مرتبط بهم، وأي نوع من الالتصاق الجسدي أو حتى الرذاذ الكثيف ممكن أن ينقل الجدري”.
العلاجات واللقاحات
وأعلنت منظمة الصحة العالمية، الاثنين، أن لقاح الجدري، يقي بنسبة 80 في المئة من الإصابة بجدري القردة.
وطمأنت المنظمة بأنه “لا أدلة على حدوث طفرة في فيروس جدري القردة، والوضع مستقر”.
وحثت المنظمة السلطات الصحية حول العالم على إجراء الفحوص اللازمة وعزل المصابين بجدري القردة.
بدوره أكد الدكتور بلعاوي أن اللقاحات المنتشرة في معظم دول العالم، والخاصة بمكافحة مرض الجدري فعالة “بنسبة 85%” بالوقاية منه.
فيما قال الدكتور الطسة إن “أول لقاح مكتشف في التاريخ هو لقاح الجدري، وهناك مخزونات منه في بعض الدول، وإذا حصل انتشار للمرض، فاحتوائه سيكون أسهل من فيروس كورونا”.
من جانبها قالت منظمة الصحة العالمية، الثلاثاء، إنه يمكن احتواء جدري القردة، وإنها ستعقد اجتماعا بحثيا لدعم الدول الأعضاء.
التحور مستبعد
وقالت مسؤولة تنفيذية بارزة بمنظمة الصحة العالمية، الاثنين، إن المنظمة ليس لديها دليل على أن فيروس جدري القردة قد تحور، مشيرة إلى أن المرض المتوطن في غرب ووسط أفريقيا لم يتغير.
وقالت روزاموند لويس، مديرة إدارة الجدري ببرنامج الطوارئ بمنظمة الصحة العالمية للصحفيين إن التحورات أقل عادة مع هذا الفيروس لكن التسلسل الجيني للحالات سيساعد في التعرف بشكل أفضل على موجة الانتشار الراهنة وفهمها.
من جانبه أكد الطسة أن “الجدري صعب التحور، ومختلف عن الإنفلونزا أو فيروسات (آر أن إيه)، وإمكانية تحوره واردة لكنها منخفضة جدا، وتحدث إذا حصل انتشار واسع بين البشر مع مرور الوقت، وهذا أمر سابق لأوانه”.
حملة تلقيح؟
وقال مسؤول كبير بمنظمة الصحة العالمية إن المنظمة لا تعتقد أن تفشي مرض جدري القردة خارج قارة أفريقيا يستدعي إطلاق حملات تطعيم جماعية، إذ إن القيام بإجراءات أخرى كالنظافة الشخصية الجيدة والسلوك الجنسي الآمن ستسهم في السيطرة على انتشاره.
وقال ريتشارد بيبودي، الذي يقود فريق مسببات الأمراض عالية التهديد في منظمة الصحة العالمية بأوروبا، في مقابلة مع رويترز إن الإمدادات الفورية من اللقاحات ومضادات الفيروسات محدودة نسبيا.
وجاءت تصريحات بيبودي بينما أعلنت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها أنها في طور إطلاق جرعات من لقاح (جينيوس) لاستخدامها مع حالات لمرض جدري القردة.
وقالت الحكومة الألمانية، الاثنين، إنها تدرس الخيارات المتاحة فيما يتعلق بالتطعيمات، ومنحت بريطانيا التطعيمات للعاملين لديها في مجال الرعاية الصحية.
وقال بيبودي إن الإجراءات الأساسية للسيطرة على تفشي المرض تتمثل في تتبع الاتصال وعزله، مشيرا إلى أنه لا ينتشر بسهولة شديدة ولم يتسبب حتى الآن في ظهور مرض خطير.
الانتشار
وأفادت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية المغربية، الاثنين، أنها رصدت ثلاث حالات اشتباه إصابة بجدري القردة.
وذكرت أن الحالات “توجد في صحة جيدة، وتحت الرعاية الصحية والمراقبة”.
وأضافت أنها “خضعت للتحاليل الطبية وفي انتظار النتائج”.
وأبلغت ما لا يقل عن 10 دول أوروبية، بالإضافة إلى أستراليا وكندا والولايات المتحدة عن حالات جدري القردة، وهي دول لا تسجل عادة إصابات بهذا المرض الشائع عادة في 11 دولة أفريقية.
وسجلت منظمة الصحة العالمية، الاثنين، أكثر من 90 حالة من جدري القردة في 12 دولة منها بريطانيا وإسبانيا وإسرائيل وفرنسا وسويسرا والولايات المتحدة وأستراليا.
والاثنين، أعلنت الدنمارك أولى حالات الإصابة فيها، كما عدلت البرتغال حصيلتها إلى 37 إصابة وسجلت إيطاليا إصابة جديدة.
وسجلت ألمانيا 4 حالات مؤكدة، وفقا لتقرير حكومي للمشرعين حصلت عليه وكالة الأسوشيتد برس.
وهذا الفيروس المشابه لمرض الجدري والذي قضي عليه قبل 40 عاما، متوطن في 11 بلدا في غرب أفريقيا وأفريقيا الوسطى.