د.محمد ضاوي العصيمي : من أخطر الأمور على الإنسان الاستهزاء بالدين وشعائره وأحكامه
يقدم د.محمد ضاوي العصيمي بعض النصائح العامة والوصايا المهمة في عيد الأضحى والحياة عموما، ويقول: ان من افضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى في يوم العيد وأيام التشريق الثلاث بعده، عبادة الذبح لله تعالى، فالذبح عبادة يحبها الله جل جلاله وقد قرنها سبحانه وتعالى في آيات الصلاة مما يدل على فضلها قال تعالى: (فصلّ لربك وانحر) وقال: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) فإذا كان الذبح عبادة فلا يجوز لأحد صرفها لغير الله جل وعلا كصرفها للسحرة والجن والميتين، قال ژ: «لعن الله من ذبح لغير الله» ومما يدخل في عبادة الذبح في هذا اليوم (الأضحية) فالأضحية سنة الخليلين ابراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم.
وفي الأضحية حكم عظيمة ففيها امتثال لأمر الله تعالى وفيها شكر لله تعالى على نعمه، وفيها مواساة من الغني للفقير ومن الموسر للمعسر وفيها كسر الشح والبخل من قلب العبد وفيها مشاركة للحجاج في بعض أعمالهم.
وأضاف: الاضحية سنة مؤكدة، وقال بعض اهل العلم بوجوبها على القادر واستدلوا بحديث «من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا» فعلى من منّ الله عليه الا يبخل بأداء هذه الشعيرة العظيمة حتى قال غير واحد من اهل العلم انه يستحب للإنسان العاجز ان يقترض ان كان له وفاء حتى يضحي، وقال ان المدين اذا لم يطلب بالوفاء فإنه يبدأ بالأضحية حتى يوفي دينه كل ذلك تأكيدا لأهمية الأضحية.
شروط واجبة
أما عن شروط الأضحية فقال د.العصيمي:
أولا: يجب أن تكون من بهيمة الأنعام (الإبل، البقر، الغنم بنوعيها الضأن والماعز)، ويجوز أن يشترك سبعة في بعير أو بقرة.
ثانيا: أن يكون الذبح في الوقت المحدد شرعا وهو من بعد صلاة العيد إلى آخر أيام التشريق، فمن ذبح قبل الصلاة فهي شاة لحم لا تجزئه.
ثالثا: وأن تكون الأضحية في السن المحددة شرعا، فالإبل لابد فيها من أن تكون 5 سنين، والبقر سنتين، والضأن من الغنم ستة أشهر، والماعز سنة.
رابعا: وأن تكون سالمة من العيوب التي تمنع الإجزاء: فلا تجوز العوراء البين عورها، ولا العرجاء البين عرجها، ولا المريضة البين مرضها، ولا الهزيلة التي لا مخ لها، وألحق العلماء العمياء ومقطوعة الذنب ومكسورة أكثر القرن، أما إذا قطع بعض أذنها أو كسر بعض قرنها فهذه تجزئ، قال رجل للبراء: «إني أكره أن يكون في الأذن نقص أو في القرن نقص أو في السن نقص، فقال: ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد».
ونبه د.العصيمي الى أن من اشترى أضحية ليس لها ذنب في أصل خلقتها أو ليس لها قرن في أصل خلقتها فمثل هذه يجوز التضحية بها، ومما ينبه عليه كذلك أن من اشترى أضحية سليمة ثم حدث فيها عيب قبل أن يضحي بها وكان هذا العيب بغير تفريط منه ولا تعد فهذه يجوز التضحية بها.
كما أن من المسائل المتعلقة بالأضحية أنه يتعين على أهل كل بيت أضحية ولو كان يعيش في البيت رجل مع أبنائه المتزوجين، والأفضل أن يضحي كل متزوج له أسرة عن زوجته وأبنائه استكثارا من الخير وطلبا للثواب، وإذا استقل أحد الأبناء ببيت مستقل فإنه يضحي بأضحية مستقلة عن نفسه وعن أهل بيته.
أخطاء في الأضاحي
وبالنسبة للأخطاء التي قد يقع فيها بعض الناس في الأضاحي بين د.العصيمي بعضها فقال:
هناك من يسترخصون الأضاحي ويطلبون الأقل ثمنا مع قدرتهم على بذل الأغلى والأسمن، وهذا ليس بمُرض، فإن النبي ژ كان يضحي بأفضل الأضاحي سمنا وجمالا وثمنا فقد ضحى بكبشين أملحين أقرنين موجونين.
والعجيب أن بعض الناس لو قدم له بعض ما ضحى به لاستنكفت نفسه وتردد أن يأكله، يصدق في هذا قوله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد) (البقرة: 267).
ومن الأخطاء إخراج الأضاحي نقدا لتوزع على الفقير نقدا، وهذا لا يجزئ أما إذا أعطى غيره مالا ليشتري له أضحية جاز ذلك، ومن الأخطاء ايضا اعتقاد بعض الناس أنه إذا وكل غيره جاز له الأخذ من الشعر والأظفار ولو قبل ذبح الأضحية وهذا غير صحيح، اضافة الى اعتقاد بعض الناس أنه لا يجوز الذبح ليلا، أو لا يجوز التضحية بالأنثى، أو أنه لا يجوز تكسير عظامها، أو أنه لابد من المسح على رأس الأضحية وجسدها، ونقول بأن كل هذا لا دليل عليه.
كذلك من الأخطاء التي اوردها العصيمي جهل بعض الناس لما يشرع فعله عند الذبح، فيسنّ للإنسان أن يذبح بنفسه إذا كان ممن يحسن الذبح، وإن لم يحسن الذبح فلا يجوز له تعذيب البهيمة، وعليه أن يسمي الله تعالى عند ذبحها ويسن له قول: اللهم هذا منك وإليك اللهم تقبل مني، وعلى الإنسان أن يحسن الذبحة ومن ذلك ألا يحدّ السكين أمام ناظريها، وألا تذبح البهائم جميعا، وأن تكون السكين حادة حتى لا يعذبها.
توكيل اللجان
وأما ما يسأل عنه بعض الناس من توكيل اللجان في الذبح عنهم خارج البلد، فيقول العصيمي: فهو وإن كان جائزا، ولكن لا ينبغي أن يكون دافع الإنسان عند توكيل اللجان هو استرخاص الأضاحي فقط كما يفعل بعض الناس، فليس من اللائق أن يبذل الإنسان في سبيل المباحات أموالا طائلة فإذا جاء عند أداء العبادة والقيام بالشعيرة شحت نفسه وبخلت، والله يقول: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم) (آل عمران:92)، موضحا أنه يشرع للإنسان تثليث أضحيته فيأكل هو وأهل بيته ثلثاً ويتصدق بالثلث، ويهدي جيرانه وأقرباءه ثلثا، فمن الأخطاء كذلك أن بعض الناس يأكل لحم أضحيته كلها وهذا لا يصح، فالله عز وجل يقول: (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير..) (الحج:28).
ولهذا قال العلماء: «من لا يعطي الفقير شيئا من لحم أضحيته لم تجزئ أضحيته»، ولا يجوز كذلك إعطاء الجازر أجرته من لحم الأضحية ولا من جلدها، فتعطى أجرته من غيرها ثم إذا أراد المضحي أن يعطيه من لحمها صدقة أو هدية جاز.
إن العيد الحقيقي لا يكون بلبس الجديد من الثياب ولكن العيد يكون بالخوف من العزيز الوهاب، فكم من إنسان كثير الثياب لكنه عاري الثواب، إن العيد الحقيقي يتمثل في من طاعته لله تزيد، العيد الحقيقي لمن لا يعصي فيه الحميد المجيد، العيد الحقيقي يوم أن توضع أول قدم في الجنة وقد خلفت أيها الموفق النار خلف ظهرك.
تساهل وتبرج
وأضاف د.العصيمي أن أعظم باب قد يؤتى من قبله الإنسان دون أن يشعر، ويكون حسابه فيها عند الله عسيرا، هو ذلك الباب المتمثل بإهمال كثير من أولياء الأمور لشؤون أبنائهم وبناتهم، يصدق في بعضهم قوله تعالى: (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار) (الحشر:2)، وإلا بماذا نسمي من يرى المنكر في بيته وأمام ناظريه، ومن بناته وأبنائه وكأن الأمر لا يعنيه، وإن من أعظم المظاهر السيئة التي تفشت في الآونة الأخيرة تساهل كثير من النساء في التبرج عبر إبراز مفاتنهن وإن كانت في نظر أهلها منقبة.
لكنها قد أظهرت أكثر مما أخفته فاستعملها الشيطان في إضلال عباد الله، ولعل من أبرز المظاهر المحرمة والقبيحة رفع بعض النساء لشعرها فوق رأسها لتعلي هامتها وهي بذلك متوعدة بقوله ژ عن بعض أهل النار ممن لم يرهم: «نساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا» أخرجه مسلم.
فالله الله في نسائكم وبناتكم فهن أمانة في رقابكم، ولا يغتر أحد بوجود الثقة، فكم هدمت تلك الثقة بيوتا وصدعت سدودا.
شعائر وأحكام
وبين د.العصيمي أن من أعظم الأمور خطرا على الإنسان أن يطلق للسانه العنان في الاستهزاء بالدين وشعائره وأحكامه، إن مما يؤسف له أنه لا يكاد يمر يوم إلا ونجد الاستهزاء بالشريعة وبأهلها ظاهرا عبر مقالة سخيفة ونكتة سمجة ومسرحيات قبيحة ورسومات تافهة فارغة، ونسي هؤلاء المساكين خطورة مثل هذا الاستهزاء وما يجره على أهله، وما علم هؤلاء الجهلة أن استهزاءهم لا يضر الدين ولا أهله وإنما يضر المتطاولين عليه وليبشروا بالويلات التي تعقبها حسرات، وهم في هذا داخلون في قوله تعالى: (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون) (المطففين: 34-36).
إن مما عمت به البلوى في الأيام الماضية أن كثيرا من الناس اندفع وراء بعض عبارات السياسيين ومقالات الكتاب والمحللين، فنسي أمرا مهماً، وغفل عن قضية جوهرية، ألا وهي أن من أخطر الأمور على المجتمعات إغراق الناس في الكلام في ولاة الأمور طعنا وقدحا واستهزاء.
وقد ساعد على هذا وللأسف إعلام لاهث وراء الإثارة، ولو على حساب تشرذم المجتمع والتفريق بين أهله وأفراده، وخير لنا ولهم حفظ ألسنتنا والدعاء لأئمتنا فبصلاحهم صلاح الناس وفسادهم فساد الناس، قال بعض السلف: «ما لعن قوم إمامهم إلا حرموا بركته».
أحكام مهمة
وبالنسبة للأحكام المهمة التي يحتاج الناس لمعرفتها ما إذا وافق العيد يوم الجمعة يجيب د.العصيمي: إن الصحيح من أقوال أهل العلم أن من صلى العيد سقط وجوب صلاة الجمعة عنه لما ثبت في السنة عن النبي ژ أنه قال: «أيها الناس اجتمع في يومنا هذا عيدان فمن شاء منكم أن يشهد الجمعة وإنا مجمعون»، والحكمة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «أن في إيجاب الجمعة تضييق على الناس وتكدير لمقصود عيدهم، وما سن لهم من السرور فيه والانبساط».
ولا يعني هذا أن صلاة الظهر تسقط، فصلاة الظهر لا تسقط بحال، والأكمل والأفضل أن يصلي الإنسان العيد والجمعة ليحصل له بذلك أجر الاقتداء بالنبي ژ وسماع الخطبة الثانية واجتماع المسلمين.
ومما يندب الإنسان إليه كذلك الاستمرار على التكبير أدبار الصلوات كلها إلى عصر آخر أيام التشريق.
وأوصى العصيمي الإنسان في هذا اليوم تحديدا بصلة من أمر الله بصلتهم وأعظم هؤلاء الوالدين ثم من بعدهم، وإياك أيها المسلم ويا أيتها المسلمة أن يسول لكم الشيطان استمرار القطيعة وديمومة التهاجر.
نسأل الله أن يتقبل من الحجاج حجهم، وأن يبلغهم ما أرادوا من مغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، والعودة من الذنوب كما ولدت الأمهات وأنجبت الوالدات.