في الصميم – بقلم : مشعل السعيد
بُنيت الكويت بسواعد رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، أفنوا أعمارهم في خدمتها، كانت الكويت بالنسبة لهم الماء والهواء، ليس لهم همّ إلا رفعة شأنها، عملوا من أجلها ولم يكن لهم انتماء إلا لها، قبيلتهم وحزبهم الكويت، وحبهم وإخلاصهم لها، وغرسوا في نفوس أبنائهم وأحفادهم الوطنية، فشبّ الأبناء والأحفاد على ذلك كتلة واحدة لا يفرقهم شيء مهما كبروا، اجتمعوا على حبها، فكان لهم ما أرادوا، أصبحت الكويت محط أنظار العالم خاصة بعد اكتشاف البترول، وتوجت جهودهم المباركة بقيام مجلس الأمة، بدعم كامل من أمير البلاد آنذاك الشيخ عبدالله السالم، طيب الله ثراه، ولم يعرف أهل الكويت شيئا اسمه فرعيات ولا قبليات ولا مذهبيات بل كان يترشح كل من يرى في نفسه أنه أهلٌ لخدمة الوطن والمواطن، وسارت الأمور على ما يرام وحققت إنجازات كثيرة وكبيرة.
ولكن وللأسف، أطلت علينا برأسها ما تسمى بالفرعيات، ومورست في السر والعلن وغذت النعرات القبلية لأنها وليدة القبلية والعنصرية، ولقد ابتُلينا بها حتى كادت تصبح واقعا لولا يقظة الدولة، وإن جاءت متأخرة، فحاربت هذه الظاهرة الدخيلة بالقانون، فبدأت تضعف، لأن هذه الفرعيات المقيتة تمثل خطرا محدقا بالوطن، وأساس هذه الظاهرة البغيضة ضعف الوطنية لا شك في ذلك، لأن هذه الظاهرة تفكك أبناء الوطن وتجعلهم أحزابا محزبة وتذوّب المواطنة في أتونها، فمتى كانت القبيلة تعادل الوطن وبأي شرع؟
وما معنى أن تنحاز لقبيلتك دون وطنك الذي رباك وعلمك ووظفك وبنى لك بيتك ونفعك من المهد إلى اللحد، هل أعطتك القبيلة نقطة في بحر هذا العطاء اللامحدود؟ أم أنك تتحدى وطنك وولاة أمرك؟! وكيف يمثل الشعب الكويتي من خرج من رحم الفرعيات؟ إن الجزئيات لا تمثل الكليات، وقد منحنا الله عقلا نفكر به ونعرف من خلاله الصواب من الخطأ، وهل في دستورنا الذي يتباهى به البعض ما يجيز الفرعيات أم أنكم تأخذون من الدستور ما يروق لكم؟
إن الفرعيات خنجر في قلب الوطن، لقد ولّى زمن القبيلة وذهب إلى حيث لا رجعة، فالفرعيات والديموقراطية لا يتفقان على الإطلاق، وهي مخالفة للقانون ومجرّمة لأننا أبناء الكويت ولسنا أبناء القبيلة، حتى وإن أسموها تزكيات وتشاوريات، كلها أسماء وهمية هدفها الانقضاض على الوطن وتفريغ الوطنية، وإذا أردنا الانتصار للدستور فعلينا أن نحاربها بالقانون، ولا نلتفت إلى دعواتها بل ونبلغ عنها، وربما كان سبب هذه الفرعيات النظام الانتخابي نفسه فلمَ لا يغير هذا النظام، ولا يكفي أن يحال أصحاب الفرعيات إلى المحكمة بل يجب معالجة هذه الظاهرة من جذورها وتغذية الوطنية في نفوس الطلبة وتكثيف البرامج التي تبين أن الوطن فوق الجميع، وأنه لا يتفرع بل كتلة واحدة ليس في التلفزيون فقط وإنما في كل وسائل التواصل الاجتماعي.. نسأل الله أن يحفظ الكويت وأهلها من كل سوء.