“كأنّه خاض حرباً كيميائيّة في دماغه”… أرملة روبن ويليامز تتحدّث عن “المرض الشبح” الذي خطفه
بعدما أضحك الملايين، استسلم الممثل روبن ويليامز للهواجس والمخاوف التي كانت تسيطر على حياته بصمت، ودفعته إلى إنهاء حياته.
في آب 2014 انتحر روبن ويليامز، هذا الجرح الكبير الذي خلفه رحيله بهذه الطريقة رافق زوجته سوزان شنايدر ويليامز، إلى أن اكتشفت أنه كان يعاني مرضاً لم تسمع به من قبل، ولكنه طارد حياتهما في تلك الفترة.
يُطلق على هذا المرض خرف أجسام ليوي، حيث تمّ تشخيص روبن به في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2014 بعد تشريح جثته وأخذ عينة من دماغه. وكشف الفنان والناشط في التوعية حول الخرف بأجسام ليوي (LBD) شنايدر ويليامز خلال التوعية بشأن هذا المرض، أنه “قبل أشهر من وفاة روبن تمّ تشخيصه بمرض الباركنسون، ولكن هذا كان مجرد غيض من فيض. وجاء هذا التشخيص الخاطئ في أيار (مايو) 2014 بعدما عانى من تغييرات شديدة في الذاكرة، الحركة، الشخصية، التفكير، النوم والمزاج”.
اسم القاتل
خضع الممثل الكوميدي لفحوصات عديدة لمعرفة سبب المشكلة، إلا أنها جميعها جاءت بنتيجة سلبية. وفي مقابلة مع الـCNN تعترف سوزان زوجة روبن بأنه “لم يعلم أي من الأطباء أن هناك هذا المرض الشبح الذي يقف وراء كل مشكلاته الصحية. وعندما اكتشفنا حقيقة المرض كان أشبه باكتشاف اسم قاتل زوجي”.
ويعتبر مرض خرف أجسام ليوي النوع الثاني الأكثر شيوعاً بعد مرض ألزهايمر، ويتسبّب بتراجع تدريجي في القدرات العقلية وتغيّر في الشخصية وخلل في الذاكرة وضعف في التفكير. ومع ذلك، السبب وراء هذا المرض الذي يُصيب حوالي 1.4 مليون أميركي لا يزال غير معروف. لكن يرتبط المرض ببروتين “ألفا سينوكلين” الموجود كثيراً في الدماغ وكمية صغيرة في القلب والعضلات والأنسجة الأخرى.
يساعد هذا البروتين على تنظيم النواقل العصبية، إلا أن تراكم البروتين تراكماً غير طبيعي في كتل تُعرف باسم أجسام ليوي يؤثر على الخلايا العصبية.
ونظراً لأن مرض خرف أجسام ليوي يكون مشابهاً لمرض الباركنسون أو ألزهايمر، غالباً ما يتم تشخيصه خطأً. وبما أن بروتينات أجسام ليوي لا يمكن اختبارها كما هي الحال مع بروتينات ألزهايمر، غالباً ما يتم تشخيص الحالات بعد الوفاة بعد طلب من عائلاتهم لتشريح الجثة لمعرفة المزيد من التفاصيل أو التبرع بالدماغ من أجل المزيد من الأبحاث.
وبرغم أن أسباب المرض غير معروفة، إلا أن هناك عوامل خطر تزيد من خطورة تكوين خَرَف أجسام ليوي أهمها:
* العمر: الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً يكونون أكثر عرضةً للإصابة بهذا المرض.
* الجنس: يؤثر خرَف أجسام ليوي على الرجال أكثر من النساء.
* التاريخ العائلي: هؤلاء الذين لديهم قريب مصاب بخَرَف أجسام ليوي أو مرض باركنسون يكونون أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض.
وعليه، إن المرضى غير المشخصين بخرف أجسام ليوي ويعانون مشكلات واضطرابات في الحركة غالباً ما يُشخصهم الأطباء بمرض الباركنسون بما أنه مرض حركي. وإذا أصيب هؤلاء المرضى بمرض الخرف فغالباً ما يتم تشخيصهم بإصابتهم بمرض الباركنسون مصحوباً بالخرف. ومع تغير في الوظائف الحسية والمعرفية، قد يُشخص المريض مع مرور الوقت بخرف أجسام ليوي.
التشخيص الخاطئ
إن التشخيص الخاطئ وتشابه العوارض قد يقودان إلى عالم غامض ويسببان الإرباك للمريض وعائلته. وتقول سوزان شنايدر ويليامز إن معرفة الحقيقة وراء ألم زوجها ومعاناته كانت بمثابة نقطة ضوء. و”بدأت أتعافى نفسياً من كل ما جرى. لقد مررنا بتجربة مخيفة وغير مرئية، في المقلب الآخر كشف العلم ما كان يمر به زوجي. لم يكن روبن مجنوناً وهذه كانت واحدة من أكبر مخاوفه”.
وتضيف: “لو حصلنا على تشخيص صحيح ودقيق لكنا طلبنا المساعدة ورعاية من أصحاب الاختصاص، والأهم لما كان روبن ليشعر بالخوف الشديد، ولما اضطررنا لإضاعة الكثير من الوقت لمحاولة اكتشاف المرض الذي يعانيه”.
وتؤكد شنايدر ويليامز أنه “لا يمكنني العيش مع نفسي من دون أن أروي قصته، لم يكن لدي أدنى فكرة عن الرحلة التي سأخوضها ولكن كان لا بدّ من المضي بها. صحيح أن الأطباء والباحثين الراغبين في معرفة تفاصيل التجارب التي عاناها زوجي الراحل يواجهون صعوبة في العمل إلا أنهم يحرزون تقدماً”.
وتشير إلى أن “خرف أجسام ليوي لديه 40 عارضاً يمكن أن تظهر وتختفي، وتشمل هذه العوارض ضعفاً في التفكير، مشكلات في الحركة، هلوسات بصرية، اضطرابات في النوم، مشكلات في المزاج، مشكلات سلوكية، خللاً في وظائف الجسم وعدم القدرة على التحكم في البول”.
وأول العلامات التي أدت إلى ظهور سلسلة عوارض أخرى في حياة روبن بدأت عام 2012 عندما عانى حالة قلق وخوف لا تنتهي، وتراجع انخراطه مع الناس في مسرح في كاليفورنيا حيث كان يجرب معدات جديدة مع ممثلين كوميديين من أجل المتعة.
أما العارض الثاني فتمثل بالبارانويا أو جنون الشك والارتياب، وكان ذلك نتيجة تراكم أجسام ليوي في منطقة معينة في دماغ روبن مسؤولة عن تنظيم عواطفنا ومشاعرنا العاطفية، خصوصاً الخوف والقلق. لذلك كان روبن محطماً.
وفي النهاية، بدأ روبن يختبر الهلوسة حيث يلفق عقلك قصة تعتقد أنها حقيقية. ويصعب على الأشخاص الذين يعايشون المريض إعادته إلى الواقع وإظهار الحقيقة له، لذلك فإن الأمر صعب على الجميع ومخيف كثيراً. قد يشعر الشخص الذي يقدم الرعاية أنه عاجز بالفعل وأن لا شيء مما ستقوله أو ستفعله سيجعله يعود إلى الحقيقة. وهذا أمر مرعب، أن أجسام ليوي تتحكم بكل شيء.
عام 2016 كتبت شنايدر ويليامز مقالة بعنوان “الإرهابي داخل دماغ زوجي” في إحدى المجلات لعلم الأعصاب. وقد كشف لها الأطباء بعدما علموا بتشخيصه أن “حالته كانت من أسوأ الأمراض التي شاهدوها، حيث خسر حوالي 40% من الدوبامين (الناقل العصبي). وقد أدى التكاثر الهائل لأجسام ليوي في منطقة محددة في دماغه إلى أضرار كبيرة في الناقلات والخلايا العصبية، ويمكنك القول كأنه خاض حرباً كيميائية في دماغه”.