حساسية القمح مرض مناعي والحمية باهظة التكلفة
يدخل مرض حساسية القمح «الغلوتين» أو السيلياك Celiac Disease، قائمة أمراض العصر العصيّة على العلاج القطعي كالسكري وارتفاع ضغط الدم، ويقرع المختصون جرس الإنذار تحذيراً منه بعد أن كشفت دراسات ارتفاع معدلات الإصابة بهذا المرض المناعي بين المواطنين والمقيمين لا سيما بين الأطفال، مشيرة إلى أن السبب يعود إلى عوامل وراثية فضلاً عن الإفراط في استهلاك بروتينات القمح، مؤكدين أن العلاج حالياً لا يتعدى اتباع نظام غذائي خالٍ من الغلوتين وهو مرهق مادياً نظراً لتكلفته العالية. (أبوظبي – مصطفى خليفة)
ولا يوجد حتى الآن أي دراسة أجريت داخل الدولة حول معدلات الإصابة بمرض حساسية القمح، إلا أن معظم الدراسات التي أجريت في الخارج قدّرت معدل الإصابة بالمرض ما بين 1 ـ 1.4 % لكل 100 شخص من السكان، علماً بأن كل شخص يختلف في مضاعفات ومدى تأثره ببروتين الغلوتين عن الآخرين بحسب حجم ضمور وتعطل بطانة الأمعاء الدقيقة.
ووفقاً للأطباء والمختصين لا يوجد علاج خاص حتى الآن لمرض السيلياك، مثل السكري وضغط الدم والقلب على سبيل المثال، ولكن العلاج الوحيد هو اتباع نظام غذائي خالٍ من الغلوتين، وعند تفاقم الأعراض يتم إعطاء المريض فقط علاجات للمضاعفات فقط وليس للمرض في حد ذاته، وذلك وفق ما أكده الدكتور هاني الهنداوي أخصائي طب الأطفال في أبوظبي.
فقد أشارت دراسة دولية نشرتها مجلة «جاما نيويورك» إلى أن تناول الطفل لكمية كبيرة من الغلوتين في السنوات الخمس الأولى من عمره قد يزيد احتمالات خطر الإصابة بمرض حساسية القمح لدى الأطفال المؤهلين وراثياً للإصابة به، وأن كل زيادة قدرها غرام واحد في كمية الغلوتين الذي يتناوله الطفل يومياً تزيد من خطر الإصابة بالمرض، وأن الخطورة تبلغ ذروتها في الأعوام الثلاثة الأولى من العمر.
ويعرّفه الأطباء أنه أحد أمراض المناعة الذاتية المزمنة، فعندما يتناول المصاب بالسيلياك غذاء يحتوي على مادة الغلوتين، فإن الجهاز المناعي يستجيب لهذه المادة عن طريق مهاجمة الأمعاء الدقيقة، مما يؤدي إلى تلف النتوءات التي تبطنها مع مرور الوقت، وهذه النتوءات مسؤولة عن امتصاص المواد الغذائية من الطعام، وعندما تتضرر بطانة الأمعاء الدقيقة ستصبح عاجزة عن امتصاص الأطعمة والمواد اللازمة للنمو وتوازن الجسم بحسب تصريحات الدكتور محمد مهدي اختصاصي الأمراض الباطنية.
ويؤكد الدكتور هاني الهنداوي أخصائي طب الأطفال في مدينة برجيل الطبية في أبوظبي، أن الإحصاءات تشير إلى أن معدل انتشار المرض نحو 1.4 %، فيما تختلف نسبة الإصابة والانتشار من دوله لأخرى، حيث تحتل الولايات المتحدة وأوروبا المرتبة الأولى عالمياً في عدد الإصابات، فيما تتزايد نسب الإصابة بالمرض في منطقة الشرق الأوسط وآسيا (الهند) وبعض المناطق بقارة أفريقيا، كما تشير الإحصاءات إلى زيادة نسبة الإصابة بالمرض في الإناث عن الذكور وارتفاع الإصابة بين أفراد العائلة الواحدة إذا كان هناك تاريخ مرضي في العائلة وذلك لأسباب وراثية وجينية.
أسئلة بـ«الوطني»
لأهمية الموضوع، طرح عضو المجلس الوطني الاتحادي أحمد عبد الله الشحي سؤالاً برلمانياً لمعالي حصة بوحميد، وزيرة تنمية المجتمع حول المرض، وقال الشحي وجهت هذا السؤال لوزارة تنمية المجتمع نظراً لأهميته، حيث يصيب مرض حساسية القمح فئات عديدة من المواطنين والمقيمين على حد سواء، ولمعرفة ما يمكن أن تقدمه الوزارة من دعم وتوعية للمصابين على المستوى العلاجي والغذائي، ولفت إلى أن معالي الوزيرة وعدت بأن الوزارة ستتواصل مع وزارتي الاقتصاد والصحة ووقاية المجتمع والجهات المعنية الأخرى لدراسة مدى انتشار المرض داخل الدولة وارتفاع أعداد الأطفال المصابين، ووضع الحلول المناسبة والدعم اللازم لهذه الفئة.
واعتبر الشحي في تصريحات لـ «البيان»، أن طرح السؤال في المجلس الوطني الاتحادي ما هو إلا بداية للفت الانتباه وتسليط الضوء على معاناة مرضى حساسية القمح وتوعية المجتمع بأهمية هذا المرض، وهو الدور المنوط بوزارة الصحة ووقاية المجتمع والدوائر والهيئات الصحية المحلية لتنظيم حملات توعوية وتثقيفية حول هذا المرض المنسي، وإيجاد الزخم المطلوب لحث الجمعيات التعاونية والمخابز والمطاعم والقائمين على استيراد الغذاء بتوفير المنتجات الغذائية الخالية من الجلوتين في الأسواق وبأسعار معقولة تكون في متناول مرضى السيلياك وأسرهم، إلى جانب حث الأطباء على عمل التشخيص اللازم لاكتشاف هذا المرض.
وأشار الشحي إلى أن دولة الإمارات دائماً سبّاقة إلى مثل هذه المبادرات الكريمة التي تعنى بالمرضى والمصابين في مختلف الأمراض، واقترح أن يتم إصدار بطاقة خاصة للمرضى تمنحهم خصومات على المنتجات الغذائية الخاصة بالمرضى، إذ إن أسعارها تزيد بمقدار من 4 إلى 6 أضاف المنتجات الغذائية الطبيعية.
ردة فعل
وحول طبيعة المرض يؤكد الدكتور محمد مهدي أخصائي أمراض الجهاز الهضمي، أن جهاز المناعة في جسم المريض عندما يتعرف إلى مادة الغلوتين الموجودة في القمح أو الشعير يقوم بردة فعل اغترابية، إذ يقوم بمهاجمتها وكأنها بكتيريا ضارة، فيؤدي إلى إتلاف الغشاء المخاطي أو بطانة الأمعاء الدقيقة حتى تعجز عن أداء وظيفتها في امتصاص الطعام.
وفيما يخص أعراض المرض لدى الأطفال، أشار الدكتور الهنداوي إلى أن علامات المرض في الأطفال غالباً ما تكون بين الشهر الثامن والثاني عشر، وتحدث المشاكل الصحية المتعلقة بحساسية الغلوتين نتيجة تلف الطبقة المبطنة لجدار الأمعاء وهي المسؤولة عن امتصاص المواد الغذائية من الطعام، وتظهر بصورة: إسهال مستمر، انتفاخات البطن وإمساك وتقيؤ وتغير بخصائص البراز، وتأخر عام بنمو الطفل، تسوس وضعف الأسنان، فقر الدم، مشاكل متعلقة بالجهاز العصبي، وزيادة نسبة الأمراض العصبية كاضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط وصعوبات التعلم.
ويشير الدكتور الهنداوي إلى أنه لا يوجد علاج نهائي لمرض اعتلال الأمعاء التحسسي للغلوتين، لأنه ببساطة خلل مناعي يؤدي إلى تلف الغشاء المبطن للأمعاء، والعلاج الوحيد هو تجنّب المواد الغذائية التي تحتوي على مادة الغلوتين، وذلك عن طريق نظام غذائي ومتابعة غذائية دقيقة، ويكون ذلك بالاستعانة باختصاصي تغذية، فعند تجنّب الغلوتين تبدأ الأعراض في التحسن خلال بضعة أيام، ولكن قد تستغرق الأمعاء إلى ما يقارب ستة أشهر للعودة إلى وظيفتها وهي امتصاص الطعام.
اختبارات
ويؤكد مستشفى مايو كلينك، أن بعض الإجراءات الطبية البسيطة قد تساعد الكوادر الطبية على اكتشاف المرض حال ظهور بعض الأعراض، حيث يمكن اختبار الجلد عن طريق الحقن بقطرات صغيرة من مواد مسببة للحساسية تشمل المواد المستخلصة من بروتين القمح، وبعد 15 دقيقة يمكن للطبيب أو المريض مشاهدة ردود الفعل التحسسية، كما يمكن كشف المرض عن طريق اختبارات الدم، إذا كانت حالة الجلد أو التفاعلات المحتملة مع أدوية معينة تمنع من إجراء اختبار الجلد، فقد يطلب الطبيب إجراء اختبار دم لفحص أجسام مضادة معينة مسببة للحساسية تجاه مسببات الحساسية الشائعة، بما في ذلك بروتينات القمح، وقد يطلب الطبيب الاحتفاظ بسجل مفصل عما تم أكله وموعد ذلك ومتى تتطور الأعراض لبعض الوقت.
وبحسب مستشفى مايو كلينك تجنّب القمح هو العلاج الأساسي لحساسية القمح، لكن ذلك الأمر ليس دائماً بالسهولة التي يبدو عليها، حيث يتم خلط الدقيق القمح في العديد من الأطعمة، بما في ذلك بعض الأطعمة التي لا يمكن توقعها مثل صلصة الصويا والآيس كريم والنقانق قد تكون الأدوية ضرورية للتحكُّم في التفاعلات التحسُّسية إذا تناولت القمح دون قصد.