تقاعس «البيئة» يكبد الدولة 5 آلاف قسيمة
فتح حكم محكمة التمييز بالانتصار لدعوى قضائية قدّمها أحد المواطنين من سكان «أم الهيمان» واعتبار المنطقة غير صالحة للسكن، وإلزام المؤسسة العامة للرعاية السكنية بإبدال منزله بآخر في منطقة صالحة للسكن، البابَ أمام نقاش كبير حول مفاعيل هذا الحكم ومسؤولية الحكومات المتعاقبة عن هذه الأزمة، التي تكشف عن فشل حكومي ذريع في التعامل مع هذا الملف منذ نحو عقدين، مما أدى الى تراكمات «انفجرت» في وجه الحكومة والجهات المعنيّة بالملف الإسكاني، ووضعتها في موقف صعب لا تُحسد عليه.
«ماذا بعد حكم التمييز؟»… سؤال طرحته «الجريدة» على أصحاب العلاقة بالملف الإسكاني، إضافة الى استطلاع الآراء القانونية حول مفاعيل الحكم القضائي، وما إذا كان يشكّل سابقة لدعاوى مماثلة يرفعها قاطنو «أم الهيمان» والمفاعيل التي قد تترتب على ذلك.
مواقف السكان
سكان «أم الهيمان» هم المعنيّون الأوائل بحُكم «التمييز» الذي يعتبرونه انتصاراً لصرختهم المزمنة بوقف التلوث في منطقتهم، ويرون أن الحكم سابقة يمكن البناء عليها لمعالجة أزمة يعانونها منذ أكثر من عقدين، لكن آراء السكان لا تجمع على خيار واحد، فهي تتوزع بين مطالبين بمنحهم بدائل سكنية استناداً إلى أن معدلات التلوث في المنطقة تزداد سنوياً، وأن الوعود بمعالجة التلوث مجرد كلام لم يرقَ إلى مستوى التنفيذ منذ أكثر من عقدين، وبين آخرين يتمسكون بمنازلهم ويطالبون برفع الأذى البيئي عنهم، خصوصاً أن تلك العائلات كرّست أعمالها وارتباطاتها بالمنطقة منذ أقامت فيها.
ويعتبر بعض سكان المنطقة أن الحل يكمن في إلغاء المنطقة الصناعية لمصلحة المساكن الموجودة، أو الغاء المنطقة الصناعية وتثمينها وتعويض أصحابها لتتحول إلى منطقة صناعية بالكامل.
ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن الوجود الصناعي في المنطقة سابق للمنطقة السكنية، بالتالي فإن الرأي البيئي قبل إنشاء المنطقة كان يقضي بعدم صلاحيتها للسكن، وبناء على ذلك، فإن ما بُني على باطل فهو باطل، ولا بدّ من تعويض الأهالي بمساكن بديلة أو تعويضات مالية مناسبة لتوفير بدائل إسكانية موازية لمساكنهم.
وفي تقديرات لبعض المطالبين بتثمين المنطقة وتعويض سكانها، يشير بعض الأهالي إلى أن البدلات العادلة للتعويضات يجب ألّا تقل عن 200 ألف دينار لكل وحدة سكنية، مما يعني أن تعوّض 3762 وحدة سكنية في المنطقة، وفي حال اعتماد خيار التعويض، سيكلف أكثر من 750 مليون دينار، وهي كلفة مرتفعة جداً.
«السكنية»
من جهتها، أكدت مصادر في المؤسسة العامة للرعاية السكنية أنها ستعقد اجتماعاً طارئاً حول حيثيات حكم محكمة التمييز الصادر بشأن المنطقة، وبينت المصادر لـ «الجريدة» أن المؤسسة ستنظر في البدائل التي حددها الحكم وكيفية تنفيذها، ثمّ رفع تقرير الى مجلس الوزراء لاتخاذ الآلية التي يراها ملائمة.
ولفتت إلى أن الحكم الصادر لأحد المساكن وليس لكل أصحاب الوحدات السكنية في منطقة أم الهيمان، مضيفة أن إمكانية زيادة الدعاوى لأصحاب المساكن الأخرى واردة جداً، علماً بأن عددها كبير جداً، ومن الصعب استباق ما سيحصل لاحقاً.
وتوقعت المصادر أن البحث سيأخذ وقتاً لحين تنفيذه، حتى يتسنى إيجاد الحلول؛ سواء عبر التعويض المادي أو بحث إنشاء مدينة جديدة مخصصة لأصحاب السكن في أم الهيمان، مؤكداً أن بحث منطقة سكنية بديلة ليس بالسهل ويستغرق سنوات.
تقصير حكومي
بدورها، اعتبرت مصادر قانونية وإسكانية أن حكم محكمة التمييز بشأن «الأخذ بتقرير الخبرة الذي يعتبر منطقة أم الهيمان غير صالحة للسكن»، يكشف عن فشل حكومي ذريع في التعامل مع ملف التلوث البيئي بالمنطقة منذ نحو عقدين، مما أدى الى تراكمات «انفجرت» في وجه الحكومة والجهات المعنيّة بالملف الإسكاني، ووضعتها في موقف صعب لا تُحسد عليه.
واعتبرت المصادر أن الحكومات المتعاقبة أخطأت بداية في تجاهل الدراسات والأبحاث التي أجراها مجلس حماية البيئة قبل إنشاء المنطقة، وأثبتت تلك الدراسات أن المنطقة تتعرض لمستويات مرتفعة من الملوثات تزيد على الحدود المسموح بها للمناطق السكنية.
ومع تجاوز الخطأ الأول والسماح بإنشاء المنطقة السكنية، تجاهلت الحكومات المتعاقبة المطالبات بوقف التلوث البيئي، ولم تعمل على إلزام المعامل بتركيب «فلاتر» منع التلوث، مما أدى إلى زيادة الملوثات نتيجة زيادة أعداد المصانع، كما أنها لم تعمد الى تحديث تقاريرها البيئية حول المنطقة، خصوصاً مع تزايد شكاوى السكان من زيادة التلوث والأمراض، ورفع بعضهم دعاوى قضائية ضد الحكومة والجهات الإسكانية، وهو الأمر الذي حمل محكمة الدرجة الأولى في القضية المرفوعة من رئيس جماعة الحزام الأخضر ضد الجهات الحكومية المعنية بالإسكان على إصدار حكم في أبريل 2011 بتمكين المدعي من الحصول على مسكن بديل.
وعلى مدى سنوات، لم تبادر الحكومة إلى أكثر من الطعن على الحكم القضائي، وشكّل تقاعسها أمام محكمة الاستئناف دليلاً إضافياً على فشلها في معالجة هذا الملف، إذ قضت المحكمة في 2015 بإحالة الاستئناف الى إدارة الخبراء للقيام بالمأمورية المتعلقة بالوضع البيئي للمنطقة، بيد أن تقرير الخبرة المؤرخ في 12/ 1/ 2016 انتهى إلى تعذّر تنفيذ المأمورية لغياب ممثل الهيئة العامة للبيئة عن جلسات الخبرة، وهو ما اعتبرته محكمة الاستئناف مبرراً للأخذ بتقرير الخبرة المودع أمام محكمة الدرجة الاولى، والمتضمن نتيجة دراسات تؤكد أن المنطقة (أم الهيمان) تتعرّض لمستويات مرتفعة من الملوثات تزيد على الحدود المسموح بها للمناطق السكنية، وهو الحكم الذي أيدته محكمة التمييز أمس الأول.
أمام هذا الواقع، ترى مصادر قانونية لـ «الجريدة» أن الآتي أسوأ بالنسبة إلى الحكومة التي قد تجد نفسها قريباً أمام مطالبات كثيرة على غرار القضية التي حكمت بها «التمييز»، وهو الأمر الذي كشفت عنه مصادر المؤسسة العامة للرعاية السكنية لـ «الجريدة»، بأن المؤسسة ستنظر في البدائل التي حددها الحكم وكيفية تنفيذها، مع احتمال تقديم دعاوى أخرى من قبل سكان أم الهيمان.
وقالت إنها سترفع تقريراً إلى مجلس الوزراء يتضمن كل الخيارات؛ سواء إعطاء السكان منازل بديلة أو تعويضهم مالياً عن منازلهم، علماً أن بعض الأهالي طالبوا بالبدلات العادلة للتعويضات، والتي يجب ألّا تقل عن 200 ألف دينار لكل وحدة سكنية، مما يعني أن تعويض 3762 وحدة سكنية في المنطقة، سيكلف الحكومة أكثر من 750 مليون دينار، وهي كلفة مرتفعة جداً.
انتصار للأهالي… وحُكم مُلزم
قال المحامي الموكل بالدفاع عن قضية «أم الهيمان»، رفاعي العجمي، إن حكم محكمة التمييز انتصار لأصحاب منطقة أن الهيمان، مؤكدا أن الهدف من القضية كان لتبيان الحقيقة حول الكارثة التي تتعرّض لها المنطقة.
وأضاف العجمي لـ «الجريدة» أن الأدلة المقدمة من تقارير صادرة من المجلس الأعلى للبيئة والجيش الأميركي وبلدية الكويت بأن المنطقة ملوثة بالكامل وغير صالحة للسكن، مؤكداً أن المستندات دعمت موقف أصحاب السكن.
وذكر أن التوجه برفع القضية يأتي إيماناً بأن القضاء الكويتي لا يخضع إلا للعدالة، مما جعله الجهة الأجدر ببحث حالة أم الهيمان، مشيراً إلى أنه تم التوجه وبدء إجراءات التقاضي، وبحث المستندات المؤكدة بعد شكاوى مستمرة عن وضع المنطقة.
وشدد على أحقية كل فرد صاحب سكن في «أم الهيمان» بالاقتداء بالحكم الصادر، والتقدم بطلب تعويض حسب منطوق الحكم، مضيفاً أن مجلس الوزراء والمؤسسة العامة للرعاية السكنية في موقف مُلزم بتنفيذ الحكم دون تراجع، إما بتوفير سكن بديل أو تعويض، ومبيناً أن الحكم صادر من سلطة مستقلة ومجلس الوزراء ليس بإمكانه إيقافه بأي طريقة.