د. عباس المجرن : 38 جهة ونشاطاً حكومياً على أعتاب الخصخصة
قال أستاذ كلية الاقتصاد في جامعة الكويت د. عباس المجرن، إن الخصخصة موضوع تنقسم حوله الآراء والقناعات، وهو انقسام مستمر ولن ينتهي؛ لأن محاور الخلاف مرتبطة بمصالح سياسية واقتصادية واجتماعية متباينة، من الصعوبة بمكان أن تجد فيه من هو محايد تماماً أو موضوعي بالمطلق، فالمواقف ليست مجردة من الاستناد إلى خلفيات ثقافية أو أحكام مسبقة، فحتى الحكم على نجاح أو فشل إحدى تجارب الخصخصة يرتبط بالزاوية التي ننظر من خلالها، «وسأحاول، بقدر ما أستطيع، أن أقارب الموضوعية».
وأضاف د. المجرن، خلال ندوة أقامتها الجمعية الاقتصادية في مقرها، مساء أمس، بعنوان «الخصخصة في الكويت… مالها وماعليها»، أن المجلس الأعلى للتخصيص وافق في ديسمبر 2021 على خطة شاملة للخصخصة تشمل نحو 38 جهة ونشاطاً حكومياً، ومدتها 20 عاماً، وعلى مرحلتين: الأولى هي تحويل بعض هذه الجهات إلى كيانات تجارية، والثانية: خصخصة تلك الكيانات التجارية، وطرح نسبة منها على القطاع الخاص لإدارتها وتشغيلها.
ومن الناحية التاريخية، استعرض تجربة الكويت في الخصخصة، التي تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، لكنها كانت مجرد مشاريع حكومة مطروحة للقطاع الخاص ولم تكن ضمن إطار مؤسسي أو إطارتشريعي قانوني واضح.
وأوضح أنه كان هناك توجه للخصخصة عقب التحرير، باعتبارها المخرج للمشكلات الاقتصادية في الكويت، وفي أكتوبر 1991 تم تكليف وزارة المالية إعداد دراسات تمهّد لخصخصة معظم الخدمات العامة بغرض رفع مستوى أدائها وتطويرها، وضمت اللجنة لهذا الغرض ممثلين عن «المالية» و»التخطيط»، وبنك الكويت المركزي، والهيئة العامة للاستثمار لإعداد الدراسات اللازمة.
وأفاد بأنه في نوفمبر 1992 تمت إحالة مشروع قانون إلى مجلس الأمة بإنشاء شركة للاتصالات تمهيداً لخصخصة الاتصالات، وكلف معهد الكويت للأبحاث العلمية في ذلك الوقت دراسة المشروع وتحويل المواصلات وربما خصخصة الاتصالات بكل مرافقها بما فيها البريد.
وذكر المجرن أنه في مايو 1993 أصدر البنك الدولي تقريراً، تضمن عبارة مهمة مفادها بأنه يمكن حل مشكلات الاقتصاد الكويتي لكن الخصخصة ليست كافية لمعالجة تلك المشكلات الاقتصادية، إنما هناك حاجة لأن يكون لدينا برنامج متكامل لتحرير الاقتصاد وخلق سوق تنافسي، وتغيير التشريعات والقوانين والمنظومة الإدارية في الكامل كي تنجح الخصخصة، إذ لا يمكن للخصخصة أن تنجح بمعزل عن تغيير شامل، هذه نظرة البنك الدولي، وتم تبنيها لاحقاً في الكويت.
وتناول د. المجرن توصيات اللجنة الحكومية في يناير 1994، وهي:
1 – إنشاء مكتب للتخصيص يتبع وزير المالية مهمته تنفيذ البرنامج.
2 – سن وتعديل القوانين وإنشاء لجنة لتنظيم الاحتكارات.
3 – خصخصة الاتصالات، الكهرباء، الخطوط الجوية، النقل العام، الموانئ، الصحة، وبعض أنشطة النفط.
4 – بيع حصص الدولة في الشركات المساهمة (التي تملكتها خلال تدخلها في السوق المالي لإنقاذ المتعثرين في أزمة عام 1977 وأزمة المناخ في 1982.
وأكد د. المجرن أن التوصيات لم ينفذ منها إلا البند الرابع فقط، فنتيجة لهاتين الأزمتين تدخلت الحكومة لإنقاذ المتعثرين لذلك قامت بشراء كميات هائلة من الأسهم الشركات الخاسرة، وبالتالي أصبح لها نسب ملكيات عالية في هذه الشركات.
وزاد أنه في الفترة ما بين عام 1994 إلى نهاية 1997 تم بيع حصص الحكومة في الشركات المساهمة العامة بما يقارب مليار دينار، وتم إيقاف هذا البند الرابع في سنة 1998 بسبب الأزمة الآسيوية التي حصلت في الأسواق الآسيوية جراء هبوط في أسعار النفط، وأسعار الأسهم بالتالي تقرر إيقاف هذا البند.
مشاريع «B.O.T»
وتطرق د. المجرن إلى المشاريع المشتركة ما بين القطاعين العام والخاص، موضحاً أن المشاريع وصلت إلى أكثر من 90 في المئة في فترة ما بين 1994 – 2003، وكانت أكثر من 70 في المئة منها مشاريع تطوير عقاري (مواقف سيارات، أسواق، واجهة بحرية، مسالخ، معالجة نفايات، مشاريع ترفيهية، مناطق حرفية وصناعية، مرافق جمركية، مرافق) باستثناء مشروع محطة الصليبية للصرف الصحي وهو مشروع البنية الأساسية الوحيد.
وعن مزايا الخصخصة، أشار إلى عدة نقاط، منها أن كفاءة المشروع الخاص، تضمن الحد من الهدر في الإنفاق (خفض التكلفة)، والتحرر من البيروقراطية الحكومية البطيئة والمكلفة، وهناك مقاييس سهلة وشفافة لتقييم أداء المشروع (الإنتاجية، هامش الربحية، العائد على رأس المال).
ولفت إلى أن البيئة التنافسية للمشروع الخاص تضمن تنوع الخيارات أمام المستهلك، وتحفز الإبداع والابتكار، وتشجع عمليات البحث والتطوير، تضمن جودة المنتج وكفاءة التسعير (أسعار تعادل أو تقترب من التكلفة الحدية)، وتحقيق إيرادات للدولة من عملية بيع المشروع، أو المشاركة في العوائد، وخلق وعاء ضريبي (مصدر مستدام للدخل)، وتخفيف أعباء مخصصات الإدارة العامة ومخصصات الاستثمار في إنشاء مشروعات غير مجدية اقتصادياً والإنفاق على دعمها وتحمّل خسائرها التشغيلية المستمرة، وتفرغ الدولة لمهامها وواجباتها الأساسية في التنظيم والإشراف والرقابة على النشاط الاقتصادي ومنع التجاوزات، وحل المنازعات، وتصحيح الاختلالات.
وبالنسبة لمثالب الخصخصة، لفت د. المجرن إلى صعوبة تعدد المنتجين في حالات سلع الاحتكار الطبيعي، وهذا قد يعني نقل المشروع العام الى محتكر خاص، وغالباً مساوئ الاحتكار الخاص غير المنظم تفوق مساوئ احتكار الدولة، مبيناً أيضاً أن الملكية الخاصة لقطاعات استراتيجية قد يترتب عليها انكشاف خارجي كبير (سيطرة شركة النفط الإسبانية ريبسول على شركة نفط الأرجنتين «واي بي إف»، ثم إعادة تأميمها في 2012). والخصخصة تهدد الأمان الوظيفي، خصوصاً وسط تفشي فائض العمالة وتدني الإنتاجية، والبطالة المقنعة، في المؤسسات العامة.