طفل يغتصب طفلة… هل هو مجرم أم ضحية؟
ضجت وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، منذ أيام قليلة، بخبر اغتصاب طفل بعمر 13 سنة لطفلة بعمر 5 سنوات في مصر. وإذا كانت حوادث الاغتصاب والتحرش كثيرة، بدت هذه الحادثة صادمة وقد هزّت المجتمع أكثر بعد لاعتبارها تتعلق بطفلين أحدهما الجاني والآخر الضحية. تنقسم الآراء في مثل هذه الحالات وتُطلق أحكام متفاوتة على المغتصب. فهل يُعتبر مغتصباً ومجرماً بالمطلق أم أن قضية من هذا النوع يمكن أن تخفي وراءها عناصر تجعل من الجاني ضحية أيضاً؟
مجرم أو ضحية؟
عندما يكون المعتدي في التحرش أو الاغتصاب دون سن 18 سنة والفرق بينه وبين الضحية 5 سنوات وأكثر، يعتبر مذنباً بحسب الاختصاصية في المعالجة النفسية جيزال نادر. فهو يتمتع بالوعي الكافي بالمقارنة مع الضحية كتى يستدرجها ويستغلّها ويكون جسدياً أقوى منها، كما أن ثمة فارقاً كبيراً في النمو الجسدي والجنسي بينهما، وهو في مرحلة المراهقة وهي في سن الطفولة. لكن إذا كان مذنباً حكماً، هذا لا يلغي كونه ضحية أيضاً لاعتبار انه على الأرجح كان ضحية تحرش او اغتصاب في مرحلة سابقة بما أنه عندما يتعرض طفل للتحرش يكرر ذلك مع طفل آخر، عادةً، كما توضح نادر. قد يكون المعتدي على هذا الطفل من سنه أو أكبر منه سناً أو يمكن أن يشاهد هو أفلام إباحية أو تتضمن اعتداءات حتى يمارس هذا الفعل على طفل آخر. فمما لا شك فيه أن فعلاً من هذا النوع لا يمكن أن يأتي من لا شيء ولا بد من أنه يخفي وراءه عناصر وعوامل معينة جعلت هذا الطفل يقدم على فعل من هذا النوع. فإما أن يكون لديه وعي جنسي يسبق سنّه أو أنه يتعرض للتحرش أو أنه من أطفال الشوارع الذين يتعرضون بكثرة إلى التحرش أو الاغتصاب بسبب ظروف حياتهم. إنما في كل الحالات لا يمكن اعتبار ذلك في إطار تعرّف الطفل إلى جسمه او إلى جسم آخر لأن ذلك لا يتم بهذه الطريقة إذا كان في إطار النمو الطبيعي. هناك نية للأذى ولا يمكن التغاضي عن ذلك، خصوصاً أن ذلك قد شكل صدمة للطفلة وعرّضها للأذى النفسي والجسدي وتحتاج إلى المعالجة النفسية.
بشكل عام، لا بد من دراسة الظروف وراء هذه القصة حتى يتم التعامل مع المذنب والضحية التي تعرّضت للتعنيف والأذى. عناصر عديدة تؤثر في القرار الذي يجب أن يُتخذ والإجراء بحق الولد الذي أقدم على الاعتداء، بحسب نادر التي تشير إلى أنه قد تكون هناك حاجة إلى الإحالة إلى جمعيات متخصصة لإعادة التأهيل في ما يتعلّق بالمعتدي حتى يتوقف هذا السلوك الذي لديه ويوقف المصدر الذي أدى إلى هذا السلوك لديه فلا يكرر فعلاً من هذا النوع بفضل العلاج الصحيح.
هذا، مع ضرورة الإشارة إلى أن الأطفال اليوم، بوجود وسائل التواصل الإجتماعي، قد يكونون أكثر وعياً جنسياً إنما لا يكون ذلك على أسس صحيحة ويتعرفون إلى هذه الأمور بطريقة خاطئة تؤدي إلى الوعي المبكر في الأمور الجنسية بطريقة غير مناسبة ما يزيد من حوادث التعرض للتحرش والاغتصاب لأن الطفل يعمد عندها إلى تجربتها وإلى تقليد ما يراه في أول فرصة متاحة. هذا ما يؤكد أهمية مراقبة الأهل لما يشاهده أطفالهم وأن تقام أحاديث معهم في هذه المواضيع ليكونوا أكثر وعياً وأكثر شفافية في التحدث في ما يرونه. عندها يكونون أكثر ميلاً لاختيار الأمور الصحيحة التي يمكن أن يشاهدوها.
عند تواجد الأطفال في الأماكن العامة، قد يتعرضون إلى أي اعتداء وثمة حاجة إلى المراقبة المتشددة ولا بد من تحذيرهم أيضاً حتى يكونوا متنبهين ويحموا أنفسهم في حال تعرضوا إلى افعال من هذا النوع. وتشدد نادر على أهمية التوعية الجنسية في المنزل وأيضاً في المدرسة لأنها كفيلة بحماية الطفل بما أن أي طفل يعتبر معرضاً ولا يمكن للأهل التواجد معهم في كافة الأوقات. أما السلاح الأكثر فاعلية الذي يمكن تزويدهم به فهو الوعي الجنسي الذي يزوّد به كل طفل بحسب سنّه بالطريقة الصحيحة حتى يحسن التصرف في كافة الظروف التي يكون فيها.
من جهة أخرى لا بد من تعليم الطفل كيف يرفض أي نظرة أو لمسة غير مناسبة يتعرض لها من قبل أشخاص آخرين، إضافة إلى السلوك الذي أن يعتمده في أوقات مماثلة كالصراخ أو الركض والهروب أو اللجوء إلى أشخاص يمكن أن يؤمنوا له الحماية. مع الإشارة إلى أن في هذه القضية تعتبر الطفلة التي تعرضت للاغتصاب صغيرة ومن الممكن أنها لم تتمكن من الدفاع عن نفسها لصغر سنّها، فتزيد الصعوبة عندما يكون الطفل صغيراً، وإن كانت هناك وسائل متاحة أيضاً في كل الحالات في حال وجود الوعي الكافي.