الاعتصامات والمظاهرات المضادة تهدّد «السلم الأهلي» في العراق
اقتحم متظاهرون مناصرون للتيار الصدري امس مبنى البرلمان داخل المنطقة الخضراء المحصنة في وسط بغداد، للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع، ليعلنوا من هناك اعتصاما مفتوحا رفضا لترشيح محمد شياع السوداني لتشكيل حكومة من قبل قوى «الإطار التنسيقي»، الأمر الذي دفع الأخير إلى الدعوة لمظاهرة مضادة مع تحذير من المساس «بالسلم الأهلي».
ودخل المتظاهرون مقر البرلمان وقاعته الرئيسية رافعين الأعلام العراقية وصور زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وذلك للمرة الثانية بعد أن اقتحموا المبنى الأربعاء الفائت ورفعوا إشارة النصر والتقطوا الصور.
ومن حديقة البرلمان، قال ستار العلياوي البالغ من العمر 47 عاما إنه يتظاهر ضد «الحكومة الفاسدة والفاشلة» التي سيشكلها خصوم الصدر، مضيفا «لا نريد السوداني.. الأحزاب التي حكمت البلد 18 عاما مرفوضة. سنقيم اعتصاما هنا تحت قبة البرلمان، سننام في البرلمان».
وكان الآلاف من المتظاهرين المناصرين للصدر قد تجمعوا على جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء المحصنة التي تضم مقرات حكومية وسفارات أجنبية، وتمكن المئات منهم من تجاوز الحواجز الاسمنتية على الجسر والدخول إليها.
وقال المتظاهر حيدر اللامي لفرانس برس «خرجنا ثورة للإصلاح.. ونصرة للسيد القائد مقتدى الصدر.. لن نبقي على الفاسد، والمجرب لا يجرب. هؤلاء لا ينفعون بشيء، لقد تسببوا لنا بالأذى منذ العام 2003، ولم نر منهم نتيجة، سرقونا».
وأطلقت القوات الأمنية العراقية الغاز المسيل للدموع والمياه في محاولة لتفريق المتظاهرين وردعهم، فيما أفادت وزارة الصحة في بيان أن مؤسساتها الطبية استقبلت ما لا يقل عن 125 جريحا، 100 منهم مدنيون و25 من رجال الأمن.
وحاول المتظاهرون بعد اقتحام البرلمان التوجه إلى مبنى مجلس القضاء الأعلى القريب من مجلس النواب لاقتحامه بيد أنهم تراجعوا عن ذلك بناء على تغريدة من حساب على موقع تويتر معروف لدى العراقيين بقربه من مقتدى الصدر ويعد ناطقا باسمه يدعى (وزير القائد صالح محمد العراقي) والذي غرد قائلا «إن شئتم إيصال صوتكم للقضاء العراقي فلا نرضى بالتعدي عليهم».
في الأثناء، أعرب الإطار التنسيقي في بيان عن «القلق البالغ» من الأحداث الأخيرة، و«خصوصا التجاوز على المؤسسات الدستورية واقتحام مجلس النواب».
وفي الوقت الذي دعا فيه إلى «ضبط النفس وأقصى درجات الصبر» فإنه دعا أيضا إلى «التظاهر السلمي» دفاعا عما وصفها «بالدولة وشرعيتها ومؤسساتها والوقوف بوجه التجاوز الخطير والخروج عن القانون والأعراف والشرعية».
وحمل البيان الجهات السياسية التي «تقف خلف التصعيد» دون أن يسميها «كامل المسؤولية عما قد يتعرض له السلم الأهلي نتيجة مخالفتهم للقانون».
ولم يحدد الإطار التنسيقي موعدا لمظاهرات أتباعه ولا مكانا للتظاهر.
وما هي إلا دقائق حتى رد حساب وزير القائد على بيان الإطار التنسيقي ببيان آخر اتهمه فيه ضمنا بأنه هو من «كسر هيبة الدولة وزعزع الأمن» في العراق وليس المتظاهرون.
وأنهى وزير القائد تغريدته محذرا «إياكم والدعوة لزعزعة السلم الأهلي كما فعلتم في اعتصاماتكم ضد الانتخابات الأخيرة بحجة أنها مزورة» في إشارة إلى التهديدات التي طالت السلم الأهلي من قبل بعض المحسوبين على (الإطار) عقب إعلان نتائج الانتخابات التي لم تكن مرضية لهم.
وكان مؤيدون للصدر هاجموا مساء امس الاول مكاتب محلية في بغداد تابعة لحزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي، كما هاجموا مكاتب لتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، المنضوي في «الإطار التنسيقي»، كما أفاد مصدر أمني.
ووسط تسارع الأحداث، دعا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في بيان موجه إلى القوات الأمنية إلى حماية المتظاهرين، كما دعا المحتجين إلى التزام السلمية في حراكهم.
من جانبه، وجه رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي القوات الأمنية بعدم التعرض للمتظاهرين الذين اقتحموا مبنى البرلمان وعدم المساس بهم وعدم حمل السلاح داخل البرلمان.
ودعا الحلبوسي في بيان المتظاهرين إلى «الحفاظ على سلمية التظاهر» فيما وجه الأمانة العامة لمجلس النواب بالتواجد في المجلس والتواصل مع المتظاهرين.
وفي وقت لاحق، قرّر الحلبوسي تعليق جلسات البرلمان حتى إشعار آخر، وقال في بيان انه: «من منطلق المسؤولية الوطنية والسياسية والوظيفية، والتزاما باليمين الدستورية بالمادة 50 من الدستور، التي ألزمتنا حفظ مصالح الشعب، واستنادا إلى المادة 62 من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم 13 لسنة 2018، والمادة 34/ ثامنا من النظام الداخلي لمجلس النواب، تقرر تعليق عقد جلسات مجلس النواب حتى إشعار آخر».
ودعا الحلبوسي جميع القادة والكتل السياسية إلى «لقاء وطني عاجل، لإنجاز حوار وطني فاعل ومسؤول تكون مخرجاته من أجل الوطن، وتغليب مصلحته على كل المصالح الحزبية والفئوية، وأن يجتمعوا على رأي واحد يحفظ البلاد ومقدرات الشعب، ويعبر بنا من هذه الأزمة التي طالت وطال انتظار الشعب لحلها».
بدوره، دعا نائب رئيس مجلس النواب شاخوان عبدالله في بيان آخر فوج حماية مبنى مجلس النواب إلى عدم استخدام القوة أو التعرض للمتظاهرين الذين دخلوا مبنى المجلس الذي وصفه بـ«بيت الشعب» من أجل «التعبير عن رأيهم»، مشددا على «ضرورة احترام إرادتهم».
كما دعا المتظاهرين إلى ضرورة الحفاظ على سلمية التظاهر وعدم الإضرار أو التجاوز على الأبنية الحكومية وحماية مؤسسات الدولة.
من جهتها، دعت بعثة الأمم المتحدة في العراق «يونامي»، إلى ضرورة تهدئة الأوضاع، من أجل مصلحة جميع العراقيين.
وذكرت البعثة الأممية بحسابها عبر «تويتر» ان «التصعيد المستمر مقلق للغاية، أصوات العقل والحكمة ضرورية لمنع المزيد من العنف».