قال ويليام ناتراس، المحلل والكاتب في صحيفة “وول ستريت جورنال”، إن حظر تأشيرات الاتحاد الأوروبي للروس أمر مشكوك فيه أخلاقياً، ويكشف أن عقوبات الأوروبيين على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب غزوه أوكرانيا، “قاصرة”.

وأشار ناتراس إلى أن دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لفرض حظر على دخول الروس إلى الاتحاد الأوروبي تكتسب زخماً واسعاً، إذ تنفذ إستونيا حظر السفر المقترح، كما أعلنت فنلندا تأييدها. لكن جمهورية التشيك اتخذت خطوة إلى الأمام بإعلانها التوقف عن إصدار التأشيرات للروس في اليوم الثاني من الحرب، ومددت الإجراء لاحقاً ليشمل البيلاروسيين أيضاً.

وقال وزير الخارجية التشيكي يان ليبافسكي، إن “حظر التأشيرات على مستوى الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون الخطوة التالية في جهود بروكسل لمعاقبة روسيا”، مشيراً إلى المخاوف الأمنية التي أثارتها قدرة الروس على دخول أوروبا كمبرر. لكن الاقتراح بحسب ناتراس لا يصمد أمام التدقيق، ويسلط الضوء فقط على عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على إلحاق المزيد من الألم بنظام فلاديمير بوتين.

يقول زيلينسكي: “يجب أن يعيش الروس في عالمهم الخاص حتى يغيروا فلسفتهم”. يوافق ليبافسكي على ذلك، قائلاً: “لا يمكن أن يكون هناك حديث عن السياحة العادية من قبل المواطنين الروس، بينما تواصل موسكو عدوانها. ربما يكون حظر التأشيرات التشيكية في فبراير قد ظهر في البداية كرد فعل سريع، لكنه يبدو الآن ذو رؤية، حيث من المتوقع أن يناقش وزراء الاتحاد الأوروبي مقترحات فرض حظر شامل في اجتماع في التشيك نهاية أغسطس (آب) الجاري.

نشاط سري روسي
وتزعم التشيك أن الحظر المفروض على المسافرين الروس ضروري، لأن الاتحاد الأوروبي يخاطر بخطر تسلل عملاء سريين. كما قال ليبافسكي: “الأمر يتعلق بأمننا.. أحاول منذ فترة طويلة تقليل تأثير الأجهزة السرية الروسية على أراضي الاتحاد الأوروبي”.

لدى التشيك أسباب أكثر من معظمها للقلق بشأن النشاط السري الروسي. كان دور السفارة الروسية في براغ كمركز استخباراتي أوروبي للكرملين أحد أسوأ الأسرار التي تم الاحتفاظ بها في أوروبا الوسطى حتى موجة عمليات الطرد العام الماضي، عندما تم اكتشاف أن الجواسيس الروس كانوا مسؤولين عن تفجير مستودع أسلحة تشيكي في 2014.

وشهدت حرب أوكرانيا عمليات طرد أخرى تتعلق بنشاط استخباراتي، بما في ذلك نائب السفير الروسي السابق في براغ، كما حذر مدير المخابرات التشيكية من أن الجواسيس قد يختبئون بين مئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين في البلاد، قائلاً إنه “من بين المهاجرين قد يكون هناك أشخاص ترسلهم روسيا لديهم مهام في منطقتنا”.

ومع ذلك، عند تقديم حظر التأشيرات لضمان أمن الاتحاد الأوروبي، يسلط ليبافسكي الضوء عن غير قصد على المشكلة الأخلاقية مع الاقتراح الذي يواجه الآن الكتلة ككل، لافتاً إلى فكرة أن جميع الروس بما فيهم ضمنياً، ما يقرب من 50 ألف يعيشون بالفعل في التشيك، يجب اعتبارهم تهديداً أمنياً لمجرد كونهم روس.

وبدأت بعض الجامعات والشركات الخاصة في التشيك بالفعل في مطالبة الروس بتأكيد معارضتهم للحرب من أجل الوصول إلى الخدمات، وهو بالضبط نوع البيان الذي يمكن أن يوقعهم في عقوبة سجن ضخمة إذا عادوا إلى ديارهم.

واقترحت الحكومة في يوليو (تموز) استبعاد الروس من الشهادات الفنية مثل علم التحكم الإلكتروني والطيران، على الرغم من أن الجامعات تقول إنه قد يُسمح لهم بمواصلة الدراسة إذا قدموا خطاباً رسمياً ينأون بأنفسهم عن تصرفات بوتين.

كما تساءل الكاتب عما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيحظر الآن دخول جميع مواطني جميع الدول المنخرطة في حروب عدوانية حول العالم؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف سيتم رسم حدود اللوم العام؟ مشدداً على ضرورة “تطبيق المعايير المشتركة”.

أوروبا تعتمد على بوتين
وفي حين أن دعوات زيلينسكي لمزيد من العمل ضد موسكو مفهومة، فإن أوروبا ليست في حالة حرب مع روسيا. في الواقع، لا يزال الاتحاد الأوروبي يعتمد بشكل مؤلم على نظام بوتين.

في أوروبا الوسطى، تم تسليط الضوء على هذا الاعتماد من خلال الذعر من التعليق المؤقت لشحنات خطوط أنابيب النفط الروسية في بداية أغسطس (آب) الجاري، نتيجة مشاكل العبور الناجمة عن العقوبات المفروضة على روسيا. وانتهى الأمر بشركات الاتحاد الأوروبي بدفع رسوم العبور بنفسها للحفاظ على تدفق النفط.

وبعيداً عن الإضرار بنظام بوتين من خلال فرض عقوبات على الغاز الروسي، فإن بعض دول الاتحاد الأوروبي متعطشة للمزيد. على سبيل المثال، أبرم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، صفقة جديدة مع الكرملين لجلب 700 مليون متر مكعب إضافية من الغاز من روسيا إلى المجر خلال الأشهر المقبلة، بالإضافة إلى عقد جديد مدته 15 عاماً تم توقيعه العام الماضي.

واختتم الكاتب مقاله بالقول إن “قيام الاتحاد الأوروبي بالنظر في وضع خطايا نظام بوتين على الجمهور الروسي، بينما تستمر شركات الطاقة العملاقة المملوكة للدولة في روسيا في جني مليارات أوروبا هو احتمال مسيء للغاية. لكن في مواجهة أزمة الطاقة، نفدت أفكار الاتحاد الأوروبي عندما يتعلق الأمر بإيذاء بوتين اقتصادياً”.

وأضاف “للحفاظ على استمرار نظام العقوبات، تهدف الكتلة إلى توجيه ضربات علاقات عامة رخيصة ضد بوتين بدلاً من المساعدة العملية لأوكرانيا. سواء تم تأطيرها على أنها مسألة ضرورة أخلاقية أو مسألة أمنية، فإن حظر الدخول إلى روسيا يتعارض مع المبادئ الغربية للحرية والتسامح التي يقاتل الأوكرانيون من أجلها.