كيف تحدد المشكلة الحقيقية لنشاط شركتك ؟
كيف تعرف أنك حددت المشكلة الحقيقية التي تواجه نشاط عملك؟ وبعد تحديدها، كيف تتأكد من أنك تحلها بطريقة صحيحة؟ إن الإجابة على هذين السؤالين يستلزم ليس فقط استعدادك للابتكار، بل أيضاً التحلي بالتواضع لتغيير اتجاه خطتك.
ويمكن أن يقدم الماضي دروساً مفيدةً لنا، فهناك العديد من الأمثلة التي تبين فشل قادة الأعمال في رؤية التحديات الحقيقية. وقد يساعد هذا القادة والمدراء التنفيذيين في عصرنا الحالي في إدراك أهمية التساؤل بشأن إستراتيجياتهم، وتقييمها بشكل أفضل، وإدخال التعديلات الضرورية عليها لتحقيق الأهداف المخطط لها.
قناة بنما نموذجاً
– عندما تولى الرئيس الأمريكي الأسبق ثيودور روزفلت مسؤولية حفر قناة بنما في عام 1903، اعتقد أن المشكلة كلها تتعلق بالحفر.
– في 1880s، أتى الفرنسيون إلى أمريكا الوسطى بخطط لاستنساخ نجاهم في إنشاء قناة السويس، التي استغرق بناؤها 10 سنوات وانتهى إنشاؤها عام 1865.
– لكن قناة بنما أثبتت أنها تحدي منيع. فبعد 8 سنوات من الحفر، رحل الفرنسيون مهزومين.
– تولى الأمريكيون المهمة بعدهم، معتقدين أن المسألة تتعلق فقط باستخدام حفارات أقوى وأكثر كفاءة. لكن مساعيهم الحثيثة لحفر القناة طوال عام أتت بنتائج كارثية.
– مثل الفرنسيين، حاول الأمريكيون بناء قناة بمستوى البحر، ما يعني حفر خندق بطول 50 ميل عبر بنما، وتركه يمتلئ بمياه المحيطين الأطلنطي والهادي.
– نجحت هذه الخطة في قناة السويس. غير أن بنما ليست مصر. فهي بلد جبلية، تغطيها المستنقعات، والغابات، وليس الصحراء.
– بحلول منتصف عام 1905، كان 60 إلى 75% من فريق عمل المشروع الأمريكي إما قد استقال، أو توفي جراء الحمى الصفراء.
– وبوتيرة العمل آنذاك، كان حفر قناة بمستوى البحر سيستغرق 27 عاماً.
– كان روزفلت سريع التعلم ولا يخجل من الاعتراف بخطئه، إذ أدرك أن عليه حل مشكلتين رئيسيتين في وقت واحد: وهما التراب والمرض.
– لحل المشكلة الأولى، عين روزفلت جون ستيفنز، وهو المهندس المسؤول عن مشروع “السكك الحديدية الشمالية العظمى” “Great Northern Railway”، رئيساً للمهندسين.
– ولحل المشكلة الثانية، وافق روزفلت على تمويل مبادرة صحية بقيمة مليون دولار، للقضاء على البعوض والتخلص من الحمى الصفراء.
– ركز ستيفنز على حل المعضلة عبر ابتكار حل للتخلص من مخلفات الحفر بطريقة أكثر كفاءة لتسريع وتيرة عمل المشروع
– فقد عالج ستيفنز هذه المشكلة بأن قرر حفر القناة من طرفيها في الوقت ذاته.
– وعبر وضع قضبان سكة حديدية على جانبي طريق الحفر، تمكن ستيفنز من إرسال القطارات فارغة أعلى الطريقة وإعادتها ممتلئة بمخلفات الحفر عند الطرف الأخر من القناة.
– رغم أن هذه الحلول حسنت كفاءة الحفر، فقد كشفت عن مشكلة أخرى؛ فما من قدرات هندسية يمكن أن تتغلب على عمق الأرض التي يجب حفرها لإنشاء قناة بمستوى البحر. فالجبال تختلف تماماً عن الصحراء.
– وكان الحل الوحيد لبناء قناة بنما هو تشييد مجرى مائي يعتمد على الأهوسة؛ والهويس هو قنطرة ذات حاجز آلي وتساعد السفن على الانتقال رأسيا من منسوب مياه لمنسوب آخر.
– غير هذا القرار مجرى الملاحة المائية وتاريخ العالم. وافتتحت القناة في عام 1914، بعد اختصار وقت إنشائها بـ 10 سنوات.
أمثلة أخرى من قطاعات مختلفة
– وهناك كثير من الحالات الشهيرة لمدراء تنفيذيين في قطاع الأعمال كانوا يتوقون لإحراز نتائج معينة، ليدركوا بعدها أن المشكلة الحقيقية التي تحتاج إلى حل لم تكن تلك البادية أمامهم.
– فقد استمرت شركة كوداك في التركيز على صناعة الكاميرات التي تعمل بأفلام تحميض بدلاً من تطوير كاميرات رقمية في ثمانينات القرن الماضي.
– وظلت شركة “بلوك باستر” “BlockBuster” تتوسع في خدمات تأجير الأفلام وألعاب الفيديو المنزلية، وفشلت في توقع ظهور شبكة نيتفلكس التي جعلت متاجر الأولى بالية.
– كما حرصت شركة بلاك بيري على تطوير لوحة مفاتيح هاتفها المحمول في الوقت الذي كان العالم يتحرك صوب الرسائل النصية القصيرة التي تكتب باستخدام شاشة تعمل باللمس.
دروس مستفادة لإستراتيجيات قوى العمل
– يجب أن تتجنب الاستراتيجيات المتعلقة بقوى العمل مثل هذه العقبات أيضاً.
– فمع مواجهة الشركات لما يعرف بـ “الاستقالة الكبرى”، وهي موجة الاستقالات الجماعية التي بدأت تحدث منذ بداية العام الماضي خاصة ً في الولايات المتحدة، يجب أن يحذر القادة من طرح الحلول للمشكلة الخاطئة -مثل عرض زيادة الأجور للموظفين.
– فتقديم المكافآت المالية هذه الأيام ليس دائماً العامل الحاسم في تشجيع الموظفين على البقاء في شركاتهم.
– وقد أظهر استطلاع الرأي، الذي أجرته شركة برايس ووترهاوس كوبرز مع 52 ألف مشارك حوال العالم بشأن آمال ومخاوف القوى العاملة العالمية لعام 2022، أن التحقق الوظيفي والقدرة على تحقيق الذات في العمل يتساوى في أهميته مع حجم الراتب.
– وصف ريتش بلومبرج، رئيس شركة “وورلد سيلز سوليوشن” “World Sales Solutions” التي تساعد الشركات الأخرى على بناء بيئة عمل تعاونية، تغييراً أجراه في شركته لرفع الروح المعنوية للموظفين.
– لم يكن هذا التغيير متعلقاً برفع الأجور أو زيادة المكافآت المالية، بل كان عبارة عن إجراء مكالمة صباحية اختيارية مخصصة لمشاركة الأنشطة الممتعة التي فعلها الموظفون خلال عطلة نهاية الأسبوع.
– ويقول بلومبرج: “لقد كان حل بسيطاً، ساعد في تعزيز ترابط فريق العمل. فمن الممتع أن تبدأ الأسبوع بهذه الطريقة المسلية بدلاً من التركيز على الأهداف الرئيسية للأسبوع، والشهر، والفصل، وهو ما يمكن مناقشته لاحقاً”.