اعتزال الصدر للسياسة يقود العراق لـ «نفق مظلم»
انزلق العراق إلى نفق سياسي وأمني مظلم وسط مخاوف من تطوره لحرب أهلية أمس، بعد إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اعتزال العمل السياسي نهائيا، الأمر الذي عقد الأزمة السياسية المتفاقمة منذ الانتخابات التشريعية في أكتوبر الماضي، ودفع أنصاره إلى اقتحام المنطقة الخضراء شديدة التحصين والقصر الجمهوري ومبنى القصر الحكومي الذي يضم مقر مجلس الوزراء الذي علق جلساته حتى إشعار آخر، فيما أعلن حظر تجوال في مختلف محافظات العراق اعتبارا من الساعة السابعة مساء أمس بالتوقيت المحلي، بعدما كان اعلن الحظر في بغداد وحدها قبل تطور الاحداث وتعقدها.
وسارعت قيادة العمليات المشتركة إلى فرض حظر التجوال في بغداد وعموم المحافظات العراقية، فيما ردد المقتحمون شعارات من قبيل: ثورة الشعب وليس التيار الصدري حاملين صور الصدر وأعلام العراق. وشوهد أنصار الصدر يتجولون في قاعات القصر الجمهوري ويسبحون في مسبحه.
ورغم إعلان حظر التجوال في بغداد شهدت العاصمة اختناقات مرورية. وقالت «رويترز» ان الاحتجاجات تحولت الى مواجهات وتراشق بالحجارة تخللها اطلاق نار أسفر عن سقوط جرحى وقتلى، وذلك بعد تدخل انصار ميليشيات الحشد الشعبي و«الاطار التنسيقي الشيعي» الموالي لإيران والمنافس الرئيسي للتيار الصدري في البرلمان.
وأكدت وكالة الانباء الفرنسية أن مطلقي النار هم أنصار الإطار التنسيقي. كما أطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق أنصار الصدر عند مداخل المنطقة الخضراء وتمكنت لاحقا من استعادة السيطرة على القصر الجمهوري والقصر الحكومي وإخراج انصار الصدر منهما.
وفي وقت لاحق قال مسؤولون امنيون لوكالة (فرانس برس) ان انصار التيار الصدري اغلقوا مداخل ميناء أم القصر في العراق.
وانتشرت عناصر «سرايا السلام» التابعة للتيار الصدري لحماية المتظاهرين في ساحة التحرير بالمنطقة الخضراء.
وكان الجيش العراقي قد اعلن حظرا للتجول في بغداد في بداية الامر مع اقتحام أنصار التيار الصدري القصر الحكومي داخل المنطقة الخضراء تعبيرا عن غضبهم عقب إعلان زعيمهم اعتزاله العمل السياسي نهائيا.
وهـتـــف المتظاهـــرون «سلمية.. سلمية.. سلمية» ورددوا شعارات لدعم مواقف مقتدى الصدر وأخرى من قبيل: «ثورة الشعب وليس التيار الصدري»، و«الشعب يريد إسقاط النظام»، فيما حمل آخرون صورا لزعيم التيار الصدري وأعلام العراق.
واكتظت شوارع المنطقة الخضراء بالمتظاهرين رغم الانتشار الكبير للقوات الأمنية، حيث انتشر المحتجون في حديقة مبنى الحكومة وفي الشوارع الرئيسية المؤدية إلى مبنى الأمانة العامة لمجلس الوزراء وقصر الضيافة.
وقال شهود عيان إن العشرات من المتظاهرين أسقطوا الحواجز الاسمنتية لفسح المجال لدخول أعداد إضافية من المتظاهرين الى داخل المنطقة الخضراء، مشيرين إلى أن قوات حفظ النظام قامت باستخدام خراطيم المياه لإبعاد المتظاهرين عن الابنية الحكومية.
ولفتوا إلى أن وحدات من قوات الامن قامت بإغلاق الطرق المؤدية إلى الجسر المعلق داخل المنطقة الخضراء الحكومية، مؤكدين أن القوات العسكرية والأمنية عززت من انتشارها في في جميع الطرق والشوارع.
وقال مصدر أمني لم يكشف عن اسمه لفرانس برس إن أنصار الصدر دخلوا إلى قصر الحكومة الواقع في المنطقة الخضراء المحصنة التي أغلقت مداخلها.
وأفاد مصور لفرانس برس بأن المحتجين جلسوا على مقاعد في قاعة اجتماعات ورفع بعضهم الأعلام العراقية فيما التقط آخرون صور سيلفي. وسبح آخرون في مسبح في حديقة القصر. كما اقتحم مؤيدو الصدر مبنى محافظة ذي قار جنوبي بغداد، وأحرقوا الاطارات في الشوارع وسط إجراءات أمنية مشددة.
وعلى إثر هذه التطورات المتسارعة، وخشية تأزم الوضع، أعلنت قيادة العمليات المشتركة تطبيق حظر التجوال الشامل في بغداد بما يشمل السيارات والمواطنين كافة، والذي دخل حيز التنفيذ اعتبارا من الساعة الثالثة والنصف عصر أمس بالتوقيت المحلي، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع).
ودعت قيادة العمليات المتظاهرين إلى الانسحاب الفوري من داخل المنطقة الخضراء، وأصدر قائد عمليات بغداد الفريق الركن أحمد سليم توجيها بتعزيز الحماية للدوائر الحكومية والبنوك بسبب هذه الاحداث.
من جهته، أصدر مقتدى الصدر، توجيهات لأنصاره بعدم التدخل باسم تياره في جميع الأمور السياسية والحكومية والإعلامية، وذلك بعد إعلانه الاعتزال النهائي للعمل السياسي.
وشدد بيان صادر عن مكتب الصدر على منع رفع الشعارات والأعلام والهتافات السياسية وغيرها باسم التيار الصدري، وكذلك منع تداول أو استعمال أي وسيلة إعلامية بما في ذلك منصات التواصل الاجتماعي باسم التيار.
وجاءت هذه التطورات بعد إعلان الصدر اعتزال العمل السياسي بشكل نهائي وإغلاق كافة المؤسسات التابعة لتياره «إلا المرقد والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر»، بسبب استمرار الأزمة السياسية.
وقال الصدر في بيان عبر تويتر أمس «أعلن الاعتزال النهائي وغلق كافة المؤسسات»، منتقدا الزعماء السياسيين الآخرين لعدم استجابتهم لدعواته للإصلاح.
وسبق أن اعلن الصدر تعليق نشاطه السياسي مرات مماثلة، ثم استأنف عمله لاحقا، لكن الأزمة السياسية الحالية يبدو أنها عصية على الحل مقارنة بفترات الشلل السابقة.
وفي وقت دعت البعثة الاممية والسفارة الاميركية في بغداد جميع الاطراف الى الحوار وحل الخلافات السياسية، جدد رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي الدعوة إلى ضبط النفس من الجميع، معلنا تعليق جلسات مجلس الوزراء «حتى إشعار آخر». وقال الكاظمي في بيان صحـــافي إن «التطــورات الخطيرة التي جرت في عراقنا العزيز من اقتحام المتظاهرين للمنطقة الخضراء ودخول مؤسسات حكومية إنما تؤشر إلى خطورة النتائج المترتبة على استمرار الخلافات السياسية وتراكمها». وأكد أن «تمادي الخلاف السياسي ليصل إلى لحظة الاضرار بكل مؤسسات الدولة لا يخدم مقدرات الشعب العراقي، وتطلعاته، ومستقبله، ووحدة أراضيه».
من جانبها، جددت الرئاسات الثلاث (الجمهورية والبرلمان والوزراء)، دعمها لدعوة الكاظمي لعقد جولة جديدة من الحوار الوطني الأسبوع الحالي لبحث ومناقشة الأفكار والمبادرات التي تخص حل الأزمة السياسية بحضور التيار الصدري.