حقائق لا تعرفها عن الرطوبة!
يُعتبر هذا اليوم ملائماً لارتداء قمصان قطنية في واشنطن، مع بلوغ الحرارة 30 درجة مئوية والرطوبة 65%. يدرك الجميع أن هذين الرقمين يشيران إلى يوم حار، ولكن ما تخبرنا به نسبة الرطوبة بالتحديد؟ ولمَ علينا أن نأبه بها؟ إليك بعض الحقائق عن الرطوبة وتأثيرها في حياتنا اليومية:
يمكنك تشبيه الرطوبة التي تبلغ 50% بإسفنجة نصف ممتلئة
تحدد الرطوبة مقدار بخار الماء أو جزيئات الماء في الهواء. يستخدم علماء الطقس مصطلح {الرطوبة النسبية}، الذي يعرّفه جو سوبل، عالم مناخ ونائب رئيس Accuweather، بأنه {مقارنة بين مقدار الماء في الهواء ومقدار الماء الذي يستطيع الهواء حمله}.
تخيل الجو إسفنجة يمكنها أن تحمل مقداراً محدداً من الماء، لنقل غالوناً مثلاً. يقول سوبل: {إن كانت الإسفنجة خالية من الماء… تكون الرطوبة النسبية في هذه الحالة صفراً}. أما إذا بللنا الإسفنجة بنحو نصف غالون من الماء، أي نصف قدرتها على احتجاز الماء، فترتفع الرطوبة النسبية إلى 50%.
يوضح سوبل: {ترتبط قدرة الجو على حمل الماء ارتباطاً وثيقاً بالحرارة}. تخيل أن ارتفاع الحرارة قد يزيد حجم الإسفنجة. تبلغ الرطوبة 50% إن كانت الإسفنجة تحمل نصف قدرتها من الماء. والآن، لنزد حجم الإسفنجة من دون أن نضيف المزيد من الماء. من المؤكد أن الرطوبة النسبية تتراجع لأن الإسفنجة، كلما كبرت، ازدادت قدرة على حمل الماء. إلا أن كمية الماء داخلها لم تتبدل.
إذا بللنا الإسفنجة بكمية أكبر مما تستطيع احتجازه، تقطر ماء. لكن هذه العملية لا تمثل دوماً تساقط المطر. فلا تعكس الرطوبة النسبية التي تُقاس على الأرض (حيث تقع الإسفنجة) معدل البلل على مستويات أعلى بآلاف الأمتار في السماء. يتساقط المطر عندما يعجز الهواء المرتفع عن حمل قطرات الماء التي تشكلت عالياً في السماء (من الممكن للسحب أن تتكون قريباً من الأرض، وتُسمى في هذه الحالة ضباباً). تتبدل الحرارة والضغط الجوي مع الارتفاع نحو السماء، ويزداد الهواء برودة ورقة. لذلك لا يعني بلوغ الرطوبة النسبية 100% المطر، بل الندى.
يحدث الندى عندما تبلغ الرطوبة النسبية 100%. يقول سوبل: «تشكل حرارة نقطة الندى مقياساً لكمية بخار الماء في الهواء». على سبيل المثال، إن بلغت حرارة نقطة الندى 18 درجة، فهذا يعني أن من الضروري انخفاض الحرارة الخارجية إلى 18 درجة قبل تشكل الندى أو الماء على العشب. وإذا كانت الحرارة في الخارج 65 ونقطة الندى 65، فيعني ذلك أن الرطوبة النسبية تبلغ 100%. تشكل حرارة نقطة الندى مؤشراً جيداً إلى مدى شعورك بالراحة أو الانزعاج، وفق سوبل. إلا أننا لا نسمع أي تفاصيل عنها في نشرات الطقس. لكنها تؤخذ في الحسبان عند تحديد الحرارة «التي تشعر بها فعلاً»، فضلاً عن عوامل أخرى مثل الرياح، السحب، وزاوية الشمس.
تأتي الرطوبة من تبخر الماء من البحيرات والمحيطات. وتتبخر المياه الدافئة بسرعة أكبر. ولهذا السبب نعثر على المناطق الأكثر رطوبة قرب أجسام الماء الدافئة، مثل البحر الأحمر، الخليج العربي، وميامي. أما حرارة نقط الندى الأعلى، فبلغت 35 درجة مئوية وسُجلت في الظهران في المملكة العربية السعودية. في الولايات المتحدة، شهد الوسط الغربي والميسيسيبي درجات حرارة نقطة الندى تفوق الـ 26. على سبيل المثال، أفادت منطقتا بايبستون وسانت جايمس في مينيسوتا بلوغ الرطوبة 30 درجة عام 2005. كذلك تستطيع الرياح حمل الماء مسافة بعيدة في الهواء. يشير سوبل: {يأتي عدد من الكتل الهوائية في الصيف من خليج المكسيك ويبلغ مناطق الأطلسي الوسطى}.
يؤكد العلماء في دراسة أجريت عام 2008 ما يعرف كثيرون من سكان المدن: تزداد قدرة الناس على شم الروائح مع ارتفاع الرطوبة. في الحر والرطوبة العالية، تزداد كمية جزيئات الماء في الهواء التي تتحد وتنقل جزيئات الروائح إلى أنوفنا. صحيح أن الأوساخ لا تفقد رائحتها الكريهة شتاء، لكن الهواء البارد الجاف يحد من مدى انتشار روائح مماثلة. وقد يكون هذا أيضاً السبب وراء رائحة الكلب الكريهة. فعندما تتبخر جزيئات الماء من فروة الكلب المبلول، تحمل معها بكتيريا رائحتها بشعة.
ترتبط أوتارنا الصوتية بغشائيين مخاطيين يمتدان عبر العلبة الصوتية أو الحنجرة. يهتز هذان الغشاءان، ويتحكمان بالهواء المقبل من الرئتين الذي يتدفق عندما نتكلم أو نغني. ولا شك في أن معدل الرطوبة في الهواء يؤثر في ليونة الأوتار الصوتية. لذلك يؤكد المعنيون أن من الصعب أداء الألحان في بيئة جافة.
ندرك منذ عقود أن الإنسان يتقن النغمات بفاعلية أكبر في البيئات الرطبة. لكن الباحثين طرحوا أخيراً نظرية مفادها أن الكلام كان واحداً من أنماط سلوك كثيرة عدلها الإنسان لتتلاءم مع بيئته. فبعد التأمل في أكثر من 3700 لغة، اكتشفوا أن اللغات النغمية، مثل الصينية والفيتنامية، قلما ظهرت في المناخات الجافة.
في عام 1783، بنى هوراس بينيديكت دي سوسور أول جهاز لقياس الرطوبة، واستخدم في صنعه… الشعر. لنفهم كيفية عمله، علينا أن نتعلم بعض التفاصيل عن الشعر.
للشعرة طبقات عدة. تحتوي الطبقة الداخلية على بروتينات تُدعى كيراتين تتحد إحداها بالأخرى، ما يمنح الشعر ضفائره المميزة. تتحد هذه البروتينات بتكوين روابط ديسالفيد قوية أو روابط هيدروجين أقل قوة. لكن روابط الهيدروجين هذه مسؤولة عن الطريقة المميزة التي يجف بها الشعر طبيعياً بعد الخروج من الحمام. فيمتص الشعر جزيئات الماء (ذرتا هيدروجين وذرة أكسجين)، التي تشكل جسراً يربط جزيئات الكيراتين معاً. وهكذا تحافظ روابط الهيدروجين على شكل الشعر إلى أن يبتل مجدداً، ما يسمح بتشكل روابط هيدروجين جديدة. ولكن عندما تكون الرطوبة مرتفعة، تدخل جزيئات الماء إلى الشعر من خلال الشعر الأملس. وفيما تتحد روابط الهيدروجين ببروتين الكيراتين، يبدأ الشعر بالانطواء على ذاته ليشكل تجاعيد. وهكذا تشعر السيدة أن شعرها مشعث، عندما ينطوي الشعر بما فيه الكفاية ليكسر الجليدة، أي الطبقة الخارجية من الشعر التي تبدو أشبه بقشور التنين تحت المجهر.
كلما كان الشعر جافاً، ازدادت نسبة الرطوبة التي قد يمتصها من الجو. لذلك يُعالج الشعر التالف (نتيجة تعرضه المفرط لمكواة التجعيد والشامبو) بواسطة كريمات مرطبة في صالونات التجميل. لنعد إلى جهاز قياس الرطوبة. ربط سوسور أحد طرفي شعرة إنسان طولها 10 إنشات ببرغٍ. ثم مرر الشعرة عبر بكرة وربط طرفها الآخر بوزن. ومع اكتساب الشعرة الرطوبة، تجعدت وقصرت، دافعة بالبكرة إلى رفع الوزن. وهكذا استطاع سوسور قياس مدى الرطوبة التي امتصتها الشعرة بالاستناد إلى مقدار رفعها الوزن. ومن الممكن جعل هذا الجهاز أكثر حساسية بتغطيس الشعرة بالكحول وإزالة أي زيوت عنها قد تمنعها من امتصاص الرطوبة.
على الرياضيين الأكثر احترافاً التكيف مع التغييرات في الرطوبة. فمن الممكن لرمية كرة القاعدة أن تبدل موقعها بنحو ثمن إنش مع انخفاض الرطوبة النسبية بنحو 20%. قد يبدو هذا التبدل طفيفاً بالنسبة إلى شخص عادي. ولكن بالنسبة إلى اللاعبين المحترفين، فقد يعني هذا الاختلاف بين كرة فاشلة والفوز في المباراة. في عام 2002، بدأ فريق كولورادو روكيز بتخزين طابات كرة القاعدة في جهاز ترطيب للحفاظ على طراوتها وقدرتها على القفز. كذلك تُعتبر الضربات الناجحة التي تسجل نقطة (Homeruns) أكثر شيوعاً في ملاعب المناطق المرتفعة عن سطح البحر حيث تتراجع الرطوبة، على غرار منطقة كروكرز فيلد. لكن حفظ الطابات في جهاز ترطيب ساهم في الحد من هذه الضربات بنسبة 25%، وفق آلن ناثان، بروفسور متخصص في الفيزياء في جامعة إيلينوي بأوربانا-شامباين.
يُشار إلى أن واقع مهم بشأن التمرن في الرطوبة العالية: إنه خطر. يوضح سوبل: {كلما كانت نقطة الندى مرتفعة، تتراجع فاعلية جسمك في تبريد ذاته بعد التمرن}. وإذا عجزت عن تبريد نفسك، فقد يبلغ جسمك درجات حرارة مميتة. إليك السبب. عندما نتمرن في دراجات حرارة مرتفعة، تتعرق أجسامنا لتخفض حرارتها. في الهواء الجاف، يتبخر العرق بسرعة. ولكن في الرطوبة، لا يتبخر العرق بالسرعة ذاتها، ما يدفع الجسم إلى التعرق أكثر لخفض الحرارة. وهكذا يؤدي كل هذا التعرق إلى جفاف الجسم، ما يرفع حرارته. نتيجة لذلك، يحتبس جسمنا في الصيف كمية أكبر من الماء للتعويض عن عملية التعرق المفرطة هذه.
إذا تأملنا في علاقة الحر والرطوبة بعالم الحشارات، نلاحظ أنهما يعودان بالفائدة على الحشرات. يوضح غوغي دافيدويتز، عالم حشرات في جامعة أريزونا، أن الحشرات الأصغر حجماً تعاني الجفاف بسرعة لأنها تُضطر إلى التعاطي مع مساحة كبيرة جداً نظراً إلى صغر كامل جسمها. ولما كانت غالبية الحشرات صغيرة، ولما كانت الرطوبة تعزز فرصها بالاستمرار، تبحث الحشرات عن مناخات رطبة. العث أحد أكثر الحيوانات استفادة من المناخات الرطبة. يدرس مختبر دافيدويتز الفراشة الصقر (سفنجيدا). تستطيع الحشرات رصد أدنى تبدل في الرطوبة حتى لو بلغ 4% فقط، ذلك برصدها التغيرات في تبخر نكتار الأزهار. ويساعد ارتفاع معدل الرطوبة العث في تحديد الأزهار التي تحتوي كمية أكبر من النكتار.