شابة تؤسس شركة تدِّر الملايين بـ 700 دولار
تنمّروا عليها بسبب فقرها ونشأتها في قرية ساحلية تعاني ضنك الحياة. في مراحل عمرها المبكرة، ولّد ذلك الأمر لدى أوتاري أوكتافيانتي شعوراً بأنها أقل شأناً من الآخرين، لا لشيء سوى المكان الذي تنتمي إليه.
مسقط رأسها هي كامبونغ باهرو، وهي قرية صيد نائية في شرق كاليمانتان بإندونيسيا، حيث لا يستطيع الكثيرون الوصول إلى التعليم. بل إن هناك قولا مأثورا مفاده «إذا أتيت من قرية صيد، فلا يمكنك النجاح».
لهذا السبب اعتبرت أوكتافيانتي نفسها «محظوظة» عندما أرسلها والداها إلى مدرسة ثانوية في المدينة. لكنها سرعان ما اكتشفت أن هناك «فجوة» بينها وبين زملائها في المدرسة.
فكما قالت لشبكة سي إن بي سي: «لقد تعرضت للتنمر لأنني أتيت من قرية ساحلية.. لم أكن مثل الأشخاص الذين تلقوا تعليماً جيداً ولا يواجهون صعوبات اقتصادية».
أيقظت هذه التجربة في نفسها شعوراً بالتحدي وبضرورة الخلاص من صورة المستضعفة عند الآخرين، وإصراراً على أن تعرف قريتها بامكاناتها لا بفقرها.
شركة ناشئة
أوكتافيانتي (28 عاماً) هي الآن المؤسس الشريك لشركة أرونا Aruna، وهي شركة ناشئة للتجارة الإلكترونية لمصايد الأسماك في إندونيسيا، تعمل كمجمع لسلسلة التوريد من البداية إلى النهاية، مما يتيح للصيادين المحليين الوصول إلى شبكة عالمية.
حتى الآن، جمعت 65 مليون دولار في جولة تمويل من الفئة A، والذي يعتبر وفقاً لـ«أرونا» أكبر تمويل من نوعه للشركات الناشئة في أندونيسيا.
بدايات متواضعة
بدأت رحلتها في ريادة الأعمال في عام 2015، بشغف للمأكولات البحرية عندما كانت أوكتافيانتي في السنة الأخيرة من دراستها الجامعية في مجال التكنولوجيا في مدينة باندونغ.
وتقول أوكتافيانتي: «لم يكن من السهل العثور على المأكولات البحرية الجيدة. تقدم عائلتي المأكولات البحرية في المنزل كل يوم. لكن فجأة، كان من الصعب جداً عليّ أن أعثر عليها في المدينة. هنا قلت لنفسي، كم سيكون رائعاً لو تمكنا من شراء المأكولات البحرية مباشرة من الصيادين في القرى الساحلية».
شاركت فكرتها مع زملائها في الفصل. معاً، أنشأوا موقعاً على شبكة الإنترنت يهدف إلى تلبية متطلبات المأكولات البحرية للمستهلكين وربطهم مباشرة بالصيادين.
قررت مع شريكيها عندما كانوا في الـ21 من عمرهما الانضمام إلى مسابقة تسمى هاكثون ميرديكا Hackathon Merdeka للفوز ربما برأس مال يساعدهم في عملهم، ولدهشتهم فازوا بالفعل بالمسابقة. لكن المفاجأة الأكبر كانت مقدار الاهتمام الذي جذبته «أرونا» بعد إطلاق الموقع.
برنامج تجريبي
بدأ الثلاثي العمل بسرعة باستخدام جهازي كمبيوتر MacBook اللذين فازوا بهما في مسابقة هاكاثون لمواصلة بناء وتصميم موقع الشركة على الإنترنت.
أول فرصة للحصول على رأس المال جاءت من مسابقة أخرى فازوا بها وربحوا جائزة نقدية تبلغ حوالي 700 دولار.
على الرغم من أن المبلغ كان صغير جداً، فإن أوكتافيانتي وشريكيها المؤسسين استخدموا هذا المبلغ لإدارة برنامج تجريبي في مدينة باليكبابان الساحلية في شرق كاليمانتان. ومكثوا مع الصيادين لمدة شهر.
في نهاية إقامتهم، قاموا بأول معاملة لهم مع مطعم محلي في باندونغ. كانت تلك هي اللحظة التي أدركوا فيها أن فكرتهم قابلة للتنفيذ وأنها لم تكن مجرد برنامج على الورق فقط. وكما قالت أوكتافيانتي «أدركنا أنه يمكننا فعلا تحقيق ذلك».
إيجاد المستثمرين المناسبين
على مر السنين، توسعت «أرونا» لتشمل المزيد من قرى الصيد في اندونيسيا. ومع نمو الطلب على المأكولات البحرية، كبرت الشركة أيضاً ونمت. لكن أحد التحديات التي واجهتها أوكتافيانتي كان إيجاد المستثمرين المناسبين.
وتقول أوكتافيانتي أن منصة الصيد صدرت 44 مليون كيلوغرام من المأكولات البحرية إلى سبع دول العام الماضي، معظمها إلى الولايات المتحدة والصين. وحتى الآن، يستخدم أكثر من 26 ألف صياد في 150 مجتمع صيد في اندونيسيا، منصة «أرونا».
أجور عادلة
لكن أكبر إنجاز لها، بحسب ما تقول، هو منح الصيادين إمكانية الوصول المباشر إلى السوق، وبالتالي منحهم أجوراً عادلة وأفضل.
وأفادت «لقد ساعدنا الصيادين على زيادة دخلهم أكثر من مرتين إلى ثلاث مرات مقارنة بما كان عليه قبل انضمامهم إلى أرونا».
وقالت أوكتافيانتي إنه بينما كانت «أرونا» صارمة في اختيار مستثمريها، إلا أن هذا النهج هو الذي جعل الشركة أكثر جاذبية «نحن منفتحون على المستثمرين بشأن التحديات التي نواجهها، لكن في المقابل، نتوقع منهم أيضاً، على سبيل المثال، مساعدتنا في التواصل أو حل المشكلات».
مستقبل مستدام
في يناير، أعلنت «أرونا» عن تمويل لاحق بقيمة 30 مليون دولار من الفئة A بقيادة «فيرتكس فينتشرز ساوث ايست آسيا آند انديا». ومع التمويل الجديد، تتطلع أوكتافيانتي إلى التوسع إلى المزيد من قرى الصيد في اندونيسيا والاستثمار في ممارسات الصيد المستدامة.
وقالت أوكتافيانتي، وهي أيضا كبيرة مسؤولي الاستدامة في «أرونا»: «الآن بعد أن فتحنا السوق ولدينا المزيد من الصيادين، نحتاج إلى أن نكون حذرين للغاية بشأن مخزون الأسماك لأن اندونيسيا تعاني بالفعل من الصيد الجائر».
التركيز على جودة الصيد
تطلب «أرونا» من جميع صياديها التركيز على جودة الصيد بدلا من كميته والامتناع عن الصيد في المناطق البحرية المحمية.
كما تنصح «أرونا» الصيادين بعدم استخدام معدات الصيد، مثل شباك الجر والقنابل، التي من شأنها الإضرار بطبيعة قاع البحر.
وعلى حد تعبير أوكتافيانتي «يتعلق الأمر أيضاً بإلهام الصناعة. نرى الكثير من شركات الصيد في اندونيسيا لا تعير اهتماماً للاستدامة».