عندما تكون الوعود صادقة .. بقلم العقيد الركن المتقاعد ناصر سلطان سالمين
عندما تتحقق الأحلام وتتحول الكلمات إلى أفعال على أرض الواقع وتكون الوعود صادقة ، هنا فقط تقف حروف الأبجدية حائرة عن وصف الحدث ، فلو نبحث في جميع قواميس اللغة العربية لنجد كلمة تصف شعورنا فلن نجد مفردة من الممكن أن تُعبر عن ما يجول داخل النفس من ذلك الاحساس الذي سيطر عليها فجأة ، هنا فقط تكون الفرحة لا توصف مهما حاولنا أن نعبر عنها سواءٌ بكلمة أو إبتسامة ، حينها تكون دموع الفرح أصدق تعبيرً عن الحال ، دموع امتزجت بالشـوق والحنين ، الشوق للأهل والحنين للوطن .
بينما كنا أسرى في غياهب المعتقلات العراقية تتلاطم بنا أمواج العذاب وآهات الألم ، ويحيط بنا الموت من كل جانب وأصبحنا مجرد أموات في هيئة أحياء ، وصل لمسامعنا أن الأمم المتحدة قد ضربت موعدً مع طاغية العراق المقبور / صدام حسين للإنسحاب من دولة الكويت وأمهلته حتى تاريخ ١٥ / يناير / ١٩٩١م ، وإلا لن يكون أمامها إلا خيار التدخل العسكري ، وكنا نأمل أن يخضع النظام العراقي للأمر وينسحب من دولة الكويت ولكنه للأسف أبى وكابر وأصر على موقفه السابق بضم الكويت وأحتلال أراضيها ، وبعد انتهاء المهلة المقررة للإنسحاب بدأت قوات التحالف شحذ قوتها استعداداً لطرد القوات العراقية من الأراضي الكويتية ، وفي فجر يوم الخميس الموافق ١٧ / يناير / ١٩٩١م وتحديداً في الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل بدأت معالم الضربة الجوية إيذاناً ببدء حرب ( عاصفة الصحراء ) لتحرير الكويت ، وعند الساعة الثانية والنصف انطلقت صافرات الإنذار العراقية لتعلن عن الحرب ، ودونما شعور ضجت مهاجع الأسرى بالتكبير ( الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر ) ، وعمت الفرحه بيننا وسجدنا شكراً لله ، وبينما نحن على هذا الوضع اهتزت الأرض من تحتنا بأصوات الانفجارات ودوي المدافع والصواريخ تدك المكان من حولنا دكاً دكا ، وعم التوتر بين صفوف القوات العراقية ، وسيطر الخوف عليهم وبات الجميع في حالة من الفوضى والضياع ، كنا نرى ذلك على ملامحهم ، بينما نحن كأسرى سيطرت علينا مشاعر السعادة واستبشرنا خيراً بهذا الحدث ، لأنه في كلتا الحالتين سنتخلص من هذا الوضع الأليم الذي نعيشه ، فإما الموت تحت القصف وإما النجاة والتحرر .
إن ذكرى الضربة الجوية مغروسٌ داخل قلب المجتمع الكويتي لأنها تمثل نهاية لمأساة شعبٌ بأكمله ، شعبٌ ذاق الأمرين من هذا الغزو الأليم ، فلا الذي غادر الكويت كان هنيئ البال مطمئنٌ ، ولا الذي آثر البقاء كان في مأمن من غدر جنود الطاغية ، كان في مهب الريح وعلى شفا حفرةً من الموت ، وكذلك كانوا يحملون بين ثنايا القلب هم الكويت وذلك الحدث العظيم الذي اهتز له العالم أجمع ، فمن الصعب التكيف والتأقلم مع حدثٌ بهذا الحجم ، وكما قيل في تلك الفترة المؤلمة ( ننام كويتيين ونقعد عراقيين … حيييييل صعبه ) ولكن وبفضل الله ثم فضل دول التحالف تم استرجاع دولة الكويت من بين براثن النظام العراقي البائد ، والذي لُقن درساً لم ينساه بقية حياته وبات عبرة لمن اعتبر .
إن هذه الذكرى يجب الوقوف عندها والتمعن جيداً لمضمونها ، فلولا إيماننا بهذا الوطن لما منحنا الله عز وجل الصبر على معاناة الأسر ، ولولا فضل دولة الكويت على بقية الدول لما وقفت معنا دول العالم أجمع تضامناً مع قضيتنا ، فهل نعجز اليوم على التكاتف والتعاون لتحقيق ما نربو إليه من مكانة بين دول العالم ونترك بصمة كويتية تحذوا حذوها بقية الدول .
وأخيراً دعونا نعشق هذا الوطن ونعود من جديد أحبة يجمعنا حب الكويت والخوف على خيراتها ، ولنتناسى خلافاتنا من أجلها والوصول بها لبر الأمان تحت مظلة سيدي صاحب السمو أمير البلاد وولي عهده الأمين ( حفظهما الله ورعاهما ) فوالله وتالله وبالله إن الكويت تستحق منا الأفضل .. دام الوطن ودمتم له سالمين 🇰🇼
الأسير المحرر
العقيد الركن المتقاعد
ناصر سلطان سالمين