جد قبيلة شمر (1-2) … بقلم: خالد طعمة
اتّفق و أجمع الغالبية الأعم من النسابة والمؤرخين أنّ قبيلة شمّر قد اكتسبت اسمها نسبة إلى رجل اسمه شمّر بن عبد جذيمة الطائي، و أنّ هذه التسمية قديمة و ليست بالحديثة، فقد كانت معروفة قبل أكثر من ثلاثة قرون أرجعها ورجّحها البعض إلى العصر العباسي، كما أنّها برزت على الساحة السياسية وتسيّدتها في كلٍّ من السعودية و العراق و سوريا عبر القرنين الماضيين، و تُعتبر شمّر قبيلة عربية كبيرة ذات انتشار واسع في مختلف الدول العربية اليوم .
تعود تسمية ” شمّر” إلى رجل من قبيلة طيء و هو ” شمّر بن عبد جذيمة بن زهير بن ثعلبة بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء (جلهمة) بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر (هود عليه السلام) بن شالخ بن قينان بن أرفخشذ بن سام بن (نوح عليه السلام) بن لملك بن متوشلخ بن خنوخ بن يارد بن مهيائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن (آدم عليه السلام) “.
و قبيلة طيء التي ينتسب إليها شمّر هي من جماجم العرب مثلما وثق ابن حبيب في المحبر، و ابن حزم في الجمهرة، و تُعتبر قبيلة عربية مشهورة و ذائعة الصيت منذ القدم، بل إن لها مكانة خاصة و متميزة بين العرب، و كان لها نصيب بارز من التوثيق القديم من حيث الاعتناء بنسبها، فقد قام الهيثم بن عدي الطائي بتصنيف كتاب خاص بنسب هذه القبيلة، و هو كتاب ” نسب طيء ” و من المعروف أنّ الهيثم الطائي قد توفي في عام 207 ه، و لحقه في التوثيق مصعب بن عبدالله بن الزبير المتوفى عام 232ه في كتابه ” الجمهرة في نسب قريش “، و لم يكن توثيق هذه القبيلة العربية مقتصراً بين العرب، بل امتد إلى غيرهم مثل الفرس و العبرانيين من علماء التلمود ، بالإضافة إلى أن السريان أطلقوا كلمة (طيايا) لكل العرب أي أنّ كلّ عربي كان يطلق عليه لقب الطائي.
إن قبيلة طيء تعود إلى رجل من قحطان اسمه ” جُلهمة بن أُدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان “، و لقب طيء جاء بسبب طي المناهل كطي البئر بالحجارة ، وقيل بسبب طي المنازل ، إلا أن هناك من أنكر هذه الأقوال بتبرير أنّ التسمية قد جاءت بسبب بعد الذهاب في الأرض و في المرعى ، وحول هذه النقطة الأخيرة التي تطرقت إلى المنازل، فإن الحديث يأخذنا إلى ديار طيء و التي كانت في اليمن، و هي جوف الخنقة، ظريب، الشجة، و الصدارة، ثم انتقلت القبيلة للعيش في الجبلين ” أجأ و سلمى ” بسبب سيل العرم، و أقتت عملية الانتقال في القرن الثالث أو الثاني قبل الميلاد و من عاصرها هو جُلهمة نفسه.
قلنا في ما سبق، أنّ شمّر هو الرجل المسمى بشمّر بن عبد جذيمة و الذي يعود في نسبه إلى قبيلة طيء والتي سكنت في الجبلين في القرن الثالث أو الثاني قبل الميلاد، و سوف يأخذنا الحديث الآن إلى التعرف على شمّر من هو؟ و أين عاش؟ وكم الفترة التي كان فيها؟ و أي مناطق الجبلين التي استقر فيها؟ و ما هي ديانته؟ هذه الأسئلة سوف نحاول أن نجيب عنها في حديثنا التالي .
بيّن لنا الكلبي أن لعبد جذيمة ابنين هما زريق و شمّر، و أن كلاً منهما قد أصبح في ما بعد بطناً، و ما يعنينا في الحديث هو شمّر الذي له ابن اسمه قيس، و فيه قال الشاعر امرؤ القيس هذه الأبيات:
” و هل أنا ماش بين شوط وحية وهل أنا لاق حي قيس بن شمرا
أجار قسيساً فالطهاء فمسطحا وجوا فروى نخل قيس بن شمرا”
كما بيّن الكلبي أن منهم ” الجرنفس بن عبدة الشاعر بن امرئ القيس بن زيد بن عبد رضا بن خزيمة بن حبيب بن شمر ”
و الواضح من كلام الكلبي الذي توفي سنة 204ه أن شمّر بطن، و وصف البطن له دلالة على أن شمّر كانت معروفة في ذلك الوقت و عددها كبير، أي أنّها فوق العمارة و أصغر من القبيلة، كما نستشف أن لشمّر ابنين هما قيس و حبيب .
و من الذين ذكروا لنا شمّر ابن دريد الأزدي المتوفى سنة 321ه، ذكر بني شمّر بأنّهم من رجال طيء، وأعاد ذكر أبيات أمرؤ القيس ، و ذهب أيضاً كلٌّ من نشوان الحميري المتوفى سنة 573ه، و ياقوت الحموي المتوفى سنة 626ه إلى أن شمّر بطن من بطون طيء، أما ابن الأثير المتوفى سنة 630ه، فقد نقل عن الكلبي و أضاف لقبهم بأنه ” الشمّري ” و قال : ” بفتح الشين و الميم المشددة نسبة إلى شمر بن عبد جذيمة بن ثعلبة بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء بطن من طيء منهم قيس …” ، و نستشف مما سبق أنّ شمّر كوّن أسرةً و عاش بها بين قبيلته طيء، في شوط و حية ،و ذلك وفقاً للأبيات التي نظمها أمرؤ القيس نعيد ذكرها لإيضاح ديار و منازل شمّر :
و هل أنا ماش بين شوط و حية و هل أنا لاق حي قيس بن شمرا
أجار قسيساً فالطهاء فمسطحا و جوا فروى نخل قيس بن شمرا
حول شوط و حية قال عنهما البكري : ” شوط في ديار بني ثعل ، من أحد جبال طيء ، و حية أيضاً : موضع في ديارهم ” ، و من الديار التي ذكرت بأنها لشمّر ما ذكره ياقوت الحموي : ” توران : قرية في أجأ أحد جبلي طيء ، لبني شمر من بني زهير ” ، إذاً ديار شمّر كانت في جبل أجأ هي : توارن ، شوط ، حية ، الطهاء ، مسطح، و جو ، وقد يتساءل القارئ حول ما ذكره البكري أنها من ديار بني ثعل وهو أحد أجداد شمّر و ربما كانت شهرة عشيرتهم أو أسرتهم في طيء، لأن شمّر بن عبد جذيمة بن زهير بن ثعلبة بن سلامان بن ثعل، و من الطبيعي أن الفترة التي كان يعيش بها ابني شمّر قيس و حبيب لن يشتهر اسم قبيلة شمّر لأنها أسرة صغيرة ببداية تكوينها، و نشير إلى أن أمرؤ القيس قد لجأ و ذكر حي قيس بن شمّر و بهذا البيت دلالة على قوة و منعة ابن شمّر .
خالد طعمة