دلع المفتي تكتب: طلابنا في الخارج.. تيتي تيتي!
الكويت– النخبة:
المصدر – القبس:
على الرغم من وجود عدد كبير من طلبتنا المبتعثين الذين تفوقوا وأثبتوا جدارتهم علميا وعمليا في جامعات شتى في مختلف بقاع العالم، حاصلين على أعلى درجات التقدير والتكريم، فإننا لا بد أن ننظر بعين محايدة وواقعية لعدد كبير من الطلاب الذين يذهبون ويعودون كما ذهبوا: «تيتي تيتي مثل ما رحت مثل ما جيتي».
الكثير وليس كل طلابنا المبتعثين يسافرون إلى بلاد الله الواسعة طلبا للعلم، فيرحلون عن بلدهم، أهلهم، أصدقائهم، ليجدوا حياة جديدة وعالما جديدا ينهلون منه. لكن للأسف، تتكبد الدولة مبالغ خيالية لتلحق الطلاب بأفضل الجامعات وتتكفل بمصاريف دراستهم وأكلهم وشربهم وتذاكر سفرهم وحتى كتبهم وملابسهم، ليذهبوا ويعيشوا حياتهم السابقة بكل حذافيرها في بلاد الغرب من دون الاستفادة منها. أبناؤنا يحملون معهم أصدقاءهم (فهم لا يذهبون فرادى)، يتجمعون في جامعة واحدة، ويأخذون معهم عاداتهم (الصالحة والطالحة)، طعامهم وشرابهم، أسلوب حياتهم، ثم يبحثون عمن يشبههم من أبناء بلدهم، يتقوقعون في ما بينهم ليشكلوا شلة، يجتمعون يوميا في «ديوانية» عملت خصيصا لاجتماعاتهم وسهراتهم، ثم يضعون قدورهم على النار ويطبخون.
معظم طلابنا المغتربين لا يستفيدون من الغربة سوى الحرية التي تمنح لهم ما ان يضعوا أقدامهم في الطائرة، فلا هم يندمجون في المجتمعات الجديدة ولا هم يتعلمون منها شيئا جديدا، فهم لا يستغلون وجودهم في بلاد الغربة للتعرف على ثقافات مختلفة، لا يخالطون أهل البلد الذي يعيشون فيه، ولا يعقدون صداقات من جنسيات، قوميات، أديان مختلفة. في النهاية هم يقصون أنفسهم وكأنهم يحافظون على الصورة النمطية السلبية المنتشرة عنا، فلا هم يقدمون صورة أفضل عن شعوبهم وبلدانهم، ولا هم يحاولون التعرف على الآخر وفهمه، فيظل الخوف من الآخر سيد الموقف للطرفين.
أما على الجانب الأكاديمي، فمصيبتنا أكبر، فالكثير من طلابنا يتخرجون بشهادات البكالوريوس، بل ويتقدمون للحصول على الماجستير وهم لا يفقهون شيئا في المنهج الذي درسوه. فالدراسة سهلة، ومعظم المدرسين يعتمدون الصدق في معاملاتهم مع طلبتهم، فلا يشككون في أدائهم، وهذا الكلام ليس من عندي، بل أنقله من طلاب قابلتهم. تقول لي طالبة كويتية إن الكثير من الطلبة ينجحون بالغش من دون تعب أو جهد أو حتى دوام. فمن المعروف ان الدراسة في الجامعات الأميركية تعتمد على البحوث research أو الـessays، وعلى الطالب أن يدرس ويبحث ثم يكتب موضوعا من عدة صفحات يلخص فكرته أو فهمه للموضوع. بالنسبة لبعض طلابنا هذه العملية تتم عن طريق كاتب وسيط يتصل به الطالب ويطلب منه كتابة البحث عنه، وان احتاج إلى الكتاب يرسله له ليلخصه. وكله بثمنه. أما عن الامتحانات، فعن طريق طلاب عرب وأجانب سابقين، تصل أسئلة الامتحانات للطلاب مسبقا، وقد رأيتها بنفسي على هاتف واحد من الطلاب.
نتيجة لهذا العبث، يتخرج الكثير من طلابنا من دون علم أو معرفة، ولا حتى ثقافة مجتمعية تطور مداركهم، ولا لغة يستطيعون التحدث بها، فيصل طالب للماجستير وهو لا يستطيع تركيب جملة مفيدة بالإنكليزية.
عندما يطالب نواب مجلس أمة بإلغاء امتحانات الآيلتس والتوفل كشرط للحصول على بعثة دراسية، وتكون مخرجات التعليم المحلي قائمة على مدرسين غير أكفاء ودكاترة جامعة بشهادات مزوّرة، فلا يمكننا أن نتوقع ممن تخرجوا من تحت أياديهم إلا أن يكونوا نبتة لغرسهم!
D.moufti@gmail.com
@dalaaalmoufti