“ما بعد رينارد”.. هل يواصل المنتخب السعودي التألق؟

بشكل مفاجئ رحل المدرب الفرنسي هيرفي رينارد عن تدريب المنتخب السعودي، مفضلاً تدريب “سيدات بلاده” اللواتي سيلعبن في كأس العالم 2023 الصيف المقبل في أستراليا.

ورحل رينارد الذي تولى قيادة “الأخضر” عام 2019 تاركاً إرثاً كبيراً خلال مشواره نحو كأس العالم 2022، والأداء الذي قدمه في البطولة بعد سنوات طويلة من التعثر.

ويشكل رحيل رينارد في هذه الفترة أزمة فنية تلوح بالأفق لـ”الأخضر”، خاصة في ظل استعداداته لخوض بطولة كأس آسيا 2023 في قطر، الشتاء المقبل، الأمر الذي يترك تساؤلات كبيرة حول قدرت خليفته في مواصلة تألق المنتخب السعودي.

لماذا رحل؟

بعد التأهل الكبير لكأس العالم للمرة السادسة في تاريخيه، متصدراً مجموعته الثانية التي ضمت منتخبات اليابان وأستراليا وعمان والصين وفيتنام، في يونيو الماضي، مدد الاتحاد السعودي لكرة القدم عقد المدرب الفرنسي حتى 2027، وذلك في خطوة هي الأولى من نوعها لمدة العقد الطويلة، بهدف ضمان الاستقرار الفني للمنتخب.

وشهدت قيادته للمنتخب السعودي تحقيق فوز تاريخي على الأرجنتين في المباراة الافتتاحية عن مجموعته في مونديال قطر 2022، قبل الخسارة أمام بولندا والمكسيك، ليودع البطولة من الدور الأول.

وكان رينارد يعد العدة لخوض غمار كأس آسيا في قطر، والتحضير لمواجهات تحضيرية، لكن رحيله شكل مفاجأة كبيرة للكرة السعودية.

ياسر المسحل، رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم، تحدث عن كواليس استقالة رينارد، مؤكداً أنه حاول الإبقاء عليه، لكنه لم يكن بإمكانه إجباره.

وقال المسحل خلال تصريحاته لصحيفة “عكاظ” المحلية: “رينارد أخطرني قبل خمسة أيام من انطلاق المعسكر الحالي بأنه تلقى عرضاً لا يمكن رفضه من اتحاد بلاده، وكذلك وصلني خطاب من الاتحاد الفرنسي لكرة القدم يطلب الإذن والسماح بالتفاوض مع المدرب، طلبت منه التفكير وعدم الاستعجال، فعاد لي مؤكداً أنه اتخذ قراره، ونحن لا يمكننا أن نجبره على البقاء”.

لكن هناك من ذهب إلى أن أسباب رحيل رينارد هي عائلية بحتة، حيث ذكر الإعلامي الرياضي السعودي حافظ المدلج أن زوجة المدرب لم تكن تشعر بالراحة في المملكة.

وقال المدلج لقناة “الرياضية” السعودية: “من المحتمل أن تكون زوجة رينارد هي سبب قراره، فعلى سبيل المثال اللاعب أنخيل دي ماريا زوجته لم تكن تشعر بالراحة في مانشستر يونايتد، لذلك أخطر ناديه بذلك ورحل”.

واللافت في عقد رينارد من منتخب سيدات فرنسا أن قيمته المالية أقل من نصف ما يتقاضاه مع الأخضر السعودي؛ ما يرجح فرضية عدم راحته في المملكة وأسرته، إلى جانب رغبته في التطور فنياً من خلال مشاركته مجدداً في مونديال السيدات مع منتخب بلاده.

ويوم الجمعة 31 مارس الماضي، كسر رينارد صمته وتحدث عن الأسباب التي دفعته لترك السعودية، قائلاً: “أتابع الكرة النسائية منذ عام 2014 من خلال البطولة الكبرى، والأندية الفرنسية التي توجت بألقاب قارية”.

وأضاف في مؤتمر صحفي عقده بعد مغادرته رسمياً: “متحمس لخوض التجربة، الآن ينتظرنا كأس العالم بعد أسابيع قليلة، ثم دورة الألعاب الأولمبية في باريس العام المقبل، لا يوجد تفسير أفضل من ذلك لقراري”.

وشدد قائلاً: “لم أقبل المسؤولية بغرض الانتقام أو رد الاعتبار، أنا مدرب فرنسي، عملت لمدة 3 مواسم في دوري الدرجتين الثانية والثالثة، وكان لي تجارب مع سوشو وليل، فخور بكوني مدرباً فرنسياً في كل تجاربي خارج البلاد”.

لكن صحيفة “ليكيب” كشفت ن أن سبب رحيل رينارد وذهابه لتدريب منتخب سيدات فرنسا “هو أنه مدرب لديه سجل ناجح كبير في الخارج، لكنه يبحث عن الاعتراف والتقدير في بلاده، ومنتخب السيدات فرصة لذلك”.

تفاعل سعودي

رحيل رينارد عن “الأخضر” كانت له تداعيات كبيرة على المشجع السعودي، الذي انقسمت مشاعره بين اتهامه بـ”الخيانة” للرحيل بهذه الطريقة، وبين شكره على ما قدمه للمنتخب الأخضر.

ما المنتظر؟

يمكن القول إنه لا مجال سوى تقبل حقيقة أن حقبة رينارد أصبحت من الماضي، لكن القادم يحتاج لمدرب وجهاز إداري على مستوى كبير ربما يضاهي فريق المدرب الفرنسي التدريبي.

فالمنتخب السعودي لم يتعرض للخسارة بالمباريات الرسمية مع المدرب رينارد إلا في 3 فقط، في آخر 21 مباراة رسمية، لكن قرب كأس آسيا والمعسكرات التحضيرية المنتظرة له الصيف المقبل تترك ثقلاً كبيراً على اللاعبين والمدرب القادم.

وتستضيف الدوحة بطولة كأس أمم آسيا 2023، في الفترة من 12 يناير 2024 وحتى 10 فبراير من نفس العام، بمشاركة 24 منتخباً.

وجاء المنتخب السعودي على رأس التصنيف الأول، وذلك رفقة منتخبات قطر واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وإيران، وستقام قرعة البطولة يوم 19 مايو المقبل.

ومع تبقي 8 أشهر فقط على البطولة، أصبح “الأخضر” بدون مدرب رسمياً، كما أكد رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم أنه “لن يتفاوض مع أي مدرب قبل نهاية الموسم الرياضي”، مضيفاً أن “أي أسماء ستطرح هي مجرد تكهنات أو محاولات من الوكلاء لتسويق مدربين بأعينهم”.

ووفقاً لما نشرته صحيفة “الرياضية” السعودية، الأربعاء 30 مارس، فإن هناك 4 مرشحين لقيادة المنتخب السعودي خلال الفترة المقبلة، مع إمكانية دخول أسماء جديدة ضمن قائمة الترشيحات.

ويتصدر الأسطورة الفرنسي زين الدين زيدان الأسماء الأربعة المرشحة، كما يحضر البرتغالي خورخي جيسوس، مدرب فنربخشة التركي الحالي والهلال السعودي وبنفيكا السابق، ضمن القائمة، بحسب الصحيفة.

وضمت الترشيحات أيضاً الإيطالي روبرتو مانشيني، رغم ارتباطه بعقد مع منتخب إيطاليا، وسعد الشهري، المدير الفني للمنتخب السعودي الأولمبي.

كما أكدت صحيفة “Le360” المغربية أن الاتحاد السعودي بصدد تقديم عرض ضخم للمدرب المغربي وليد الركراكي لخلافة رينارد.

وبينت الصحيفة، الأحد 2 أبريل، أن الاتحاد السعودي “سيحاول إغراء الركراكي، كما فعل من قبل مع رينارد، عندما كان مدرباً للمنتخب المغربي، قبل أن يقدم له عرضاً مادياً قوياً”.

وأوضحت أن الإنجاز الذي حققه الركراكي مع المنتخب المغربي بكأس العالم الأخيرة في قطر، من خلال حصول أسود الأطلسي على المركز الرابع، يجعل الاتحاد السعودي يصر على التعاقد معه.

ولم يخفِ النجم السعودي السابق اللاعب فؤاد أنور رغبته في جلب مدرب كبير لقيادة منتخب بلاده، حيث أوضح أن “المنتخب السعودي يحتاج إلى مدرب كبير على مستوى عالٍ كزيدان وكارلو أنشيلوتي (مدرب ريال مدريد الإسباني)، مضيفاً لقناة “الإخبارية” السعودية: “كما نأتي بنجوم كبار مثل كريستيانو رونالدو للدوري، فيجب أن نجلب مدرباً كبيراً للأخضر”.

أسلوب جديد قادم

ويرى المحلل الرياضي عروة قنواتي أن “رحيل رينارد في هذا الوقت كمن سار مع الموكب إلى نصف الطريق وتركهم بدون خريطة للتقدم أكثر للأمام”.

وأضاف لـ”الخليج أونلاين” أن المدرب الفرنسي “كان يدير المنتخب فنياً بشكل جيد، ويتعاون مع المشروع السعودي الجديد، ويساهم في هوية قدمت أول إشراقاتها في المونديال بأسلوب يستحق التحية والتصفيق”.

وأكد قنواتي في هذا السياق أن “رحيله سيؤثر على المنتخب السعودي مع بقاء 8 أشهر لبطولة كأس أسيا، وهي بطولة اشتاق الأخضر وعشاقه إليها بعد آخر تتويج لهم في العام 1996”.

وتوقع أن “أي مدرب قادم بعد رينارد، محلياً كان أو أجنبياً، سيكون له أسلوبه الجديد الخاص ونهجه الذي لربما يحتاج لنسف كل ما تم العمل عليه خلال السنوات الثلاث الماضية؛ وهذه مشكلة”.

لكنه استدرك بالقول: إن “تركيبة الأخضر السعودي في الجيل الجديد وتطور مستوى الأندية في البطولات المحلية والقارية والمستوى الاحترافي الدي وصلت إليه الكرة السعودية، ستتجاوب بالتأكيد مع أي مدرسة ينتمي إليها المدرب القادم، شريطة أن لا يكون من داخل المملكة”.

ورأى قنواتي أيضاً أن المنتخب السعودية بحاجة لمدرب أوروبي؛ معللاً ذلك بأن “فائدة المنتخب وتطوره والبطولات التي يرسم إليها المخطط السعودي الجديد عربياً وقارياً لا تخدمها سوى المدرسة الأوروبية”.

وشدد على أن “الأخضر” يحتاج لمدرب بوزن رينارد، أو أقوى تأثيراً وخبرة منه، وهذا ما يستحقه الأخضر في مشواره القادم.

وأشار إلى أن “مشكلة المنتخبات العربية ومشاريعها بأنها تقف عند حدود تغيير المدرب الفني وطاقته بالرحيل والبقاء، وهذا ما حصل مع المنتخب المصري والجزائري والتونسي، فيما استطاع المنتخب المغربي إلى الآن التألق مع مواطنه الركراكي، ويسجل النتائج الطيبة، ويرفع الهوية المغربية لتكون بين أقوى منتخبات العالم”.