«كل ساقطة لها لاقطة» – بقلم : مشعل السعيد
هذا مثل عربي استخدم شعبيا وسار على الألسنة، وربما حرف قليلا، فقالوا: «كل ساقط له لاقط»، والمعنى واحد، وصاحب هذا المثل المشهور حكيم العرب أكثم بن صيفي التميمي، وله أمثال كثيرة أخرى كلها نافعة، والمعنى أن الكلمة تخرج من فم الإنسان لا يحسب لها حسابا تلقطها أذن من بجانبك فيذيعها للناس، وتصبح على كل لسان، فالحذر ثم الحذر من فلتات اللسان، فهي لا تأتي بالخير، كونوا صامتين أكثر منكم متحدثين، فهفوات اللسان تثير الضغائن وتجلب الشر وهي أساس كل النزاعات، ويأتي المثل أيضا بمعنى أن كل مزهود فيه له راغب وسوق، مثلما أن كل كلمة عوجاء لها أذن تسمعها، وكل سيئ يجد سيئا على شاكلته، وربما قال المرء كلمة بغير قصد وعن حسن نية ولكن ناشري الأخبار لا يهمهم أكنت قاصدا أو غير قاصد، كل ما يهمهم إذاعة الخبر ولا بأس من تكبيره وتهويله والإضافة له، فكلمتك أصبحت صيدا ثمينا بالنسبة لهم، وفي النهاية يندم صاحب الكلمة حين لا ينفع الندم، فقد سبق السيف العذل، فلسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك، والكلمة السيئة سريعة الانتشار خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الهشيم في النار، والحقيقة أن ناقل الكلمة وإن كان على خطأ، إلا أن الخطأ الأكبر يقع على عاتق من تفوه بالكلمة، فهو الملوم:
يموت الفتى من عثرة في لسانه
وليس يموت المرء من عثرة الرجل
فعثرته في القول تودي برأسه
وعثرته بالرجل تبرأ على مهل
وقد قيل في الأمثال: «الصمت حكمة وقليل فاعله»، وربما لا يعرف البعض أن للصمت سبع فوائد «فهو عبادة من غير عناء وزينة من غير حلي، وهيبة من غير سلطان وحصن من غير حائط واستغناء عن الاعتذار وراحة للكرام الكاتبين، وستر للعيوب»، ورب كلمة قالت لصاحبها دعني.
ومن أقوال لقمان الحكيم لابنه: «يا بني إن غلبت على الكلام فلا تغلب على الصمت، فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، ولقد ندمت على الكلام مرارا ولم أندم على الصمت مرة واحدة»، وقد صاغها أبو العتاهية شعرا فقال:
الصمت زين والسكوت سلامة
فإذا نطقت فلا تكن مكثارا
ولئن ندمت على سكوتي مرة
فلقد ندمت على الكلام مرارا
ودمتم سالمين.