ربّ ضارةٍ نافعة – بقلم : مشعل السعيد
الخيرة فيما اختاره الله، فليس لنا من الأمر شيء، وهذا مثل عربي مشهور، توارثناه جيلا بعد جيل، وهو مصداق لقول المولى عز وجل: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) «البقرة: 216».
فقد يكون الخير بعد الشر، واليسر بعد الضر والعسر، والراحة بعد العناء، فكم من مصيبة آلمتنا وآذتنا ولكن بعد هنيهة أدركنا أن الخير في وقوعها، ولو كشف لنا الأمر لم نتمنّ إلا ما قدره الله لنا، والخير كل الخير بعد الابتلاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل لابن عمه عبدالله بن العباس رضي الله عنهما «إن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وإن ما أخطأك لم يكن ليصيبك».
ومقتضى اليقين بعلم الله تعالى ألا تتمنى غير ما قدره الله لك، وقد قال أبي بن كعب رضي الله عنه وهو ممن جمع القرآن الكريم: «ما من عبد ترك شيئا لله إلا أبدله الله به ماهو خير منه من حيث لا يحتسب».
وعندما ألقت أم النبي موسى ابنها في اليم كاد ينخلع قلبها من شدة حزنها عليه، لولا أن ثبتها الله تعالى، ولم تكن تفعل ذلك إلا وهي كارهة، خوفا من أن يذبحه فرعون، ولكن بعد برهة من الزمن وجدت الخير كله في ذلك، فقد نجا موسى وشب وترعرع في قصر عدوه حتى صار نبيا رسولا من أولي العزم من الرسل.
وهذا النبي يوسف رماه إخوته في الجب ظلما وعدوانا وفي قسوة بالغة، فكان الخير كله ليوسف جراء هذه الجريمة الشنعاء، فقد نال عزة وهيبة وسلطانا كما نعلم، وهذه أم سلمة رضي الله عنها مات زوجها أبو سلمة فحزنت عليه حزنا شديدا وقالت: أي المسلمين خير من أبي سلمة، ثم قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان خير عوض، ورب ضارة نافعة. ودمتم سالمين.