التأمينات» تتعثر قبل 2026
أكدت مصادر بحثية «أن مشروع خفض سن التقاعد سيعجّل في تعثر المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. فإذا كانت التقديرات السابقة المبنية على توقعات العجز الإكتواري تشير إلى تعثر في 2026، فإن المقترح النيابي بخفض تقاعد الرجال الكويتيين إلى 50 سنة، وإلى 45 سنة للنساء، سيعجّل ذلك التعثر بالنظر إلى جملة أسباب، أبرزها أن اشتراكات المؤمن عليهم، كما عدد سنوات الاشتراكات، منخفضة نسبيا في الكويت مقارنة مع دول خليجية وأوروبية».فسن التقاعد الحالية في الكويت أقل من كل دول الخليج والدول الأوروبية التي تعاني صناديق تقاعدها أساسا من عجوزات.
وقال الباحث الجامعي محمد العوضي «إن متوسط الراتب التقاعدي في الكويت ارتفع من 895 دينارا في 2007، إلى 1264 دينارا في 2016، أي بنسبة %41، في المقابل لا يزيد المعاش التقاعدي في فنلندا على 580 دينارا، وفي بريطانيا يعادل 603 دنانير، وفي ألمانيا ينخفض إلى أقل من 450 دينارا، علما أن تلك الدول تتراوح فيها سن التقاعد بين 64 و67 سنة، مقابل 55 سنة للرجال في الكويت، و50 سنة للنساء، وسينخفض أكثر إذا أُقر المقترح النيابي «المبني على تطلعات شعبوية انتخابية» وفقا للمعترضين من الباحثين والإكتواريين المتخصصين}.
أثارت موافقة اللجنة المالية بمجلس الأمة لمرسوم بقانون يهدف إلى تخفيض سن التقاعد للرجال الكويتيين إلى 50 سنة بخدمة قدرها 25 سنة، وللنساء إلى سن 45 سنة بخدمة 20 سنة جدلاً واسعاً بين مؤيد لفكرة تخفيض سن التقاعد لتوفير فرص عمل للشباب المتعطلين عن العمل من خريجي الجامعات والمعاهد التطبيقية، وبين معارض لها. والمثير للانتباه أن المقترح لم يشر إلى التكلفة المالية لهذا المقترح على صناديق المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وعما إذا كانت المؤسسة تستطيع تحملها.
صدر مرسوم أميري رقم 61 لعام 1976 بإنشاء المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وقد شمل قانون التأمينات الاجتماعية الضمان الاجتماعي بصرف المعاشات التقاعدية للمواطنين الموظفين العاملين في القطاع الحكومي والخاص والنفطي، وكذلك العسكريين، وكذلك العاملين لحسابهم الخاص، ويتم تمويل صناديق نظام التأمينات الاجتماعية من خلال نظام الاشتراكات، فمثلاً لصندوق تأمين الشيخوخة والعجز والمرض والوفاة للعاملين في القطاع الحكومي والقطاع الأهلي والقطاع النفطي وأعضاء مجلس الأمة يقوم المؤمن عليه (الموظف) بدفع %5 من راتبه الأساسي والعلاوة الاجتماعية، ويتكفل صاحب العمل بدفع %10 والحكومة ممثلة بوزارة المالية تدفع %10.
صدر مرسوم بقانون 128 لعام 1992 بشأن التأمين التكميلي والخاص باستفادة المؤمن عليه من البدلات التي يتكون منها راتبه في حساب معاشه التقاعدي.
يعطي نظام التأمينات الاجتماعية الحق لأي متقاعد استبدال جزء من راتبه عند التقاعد، وفي حالة وفاة المؤمن عليه أو المتقاعد يتم تقسيم معاشه التقاعدي إلى أنصبة توزع على أرملته وأبنائه الذين يعيلهم، تملك المؤسسة محفظة استثمارية كونتها من إيرادات اشتراكات المؤمن عليهم والعائد من استثمارها تقدر بـ22.5 مليار دينار، كما صرح أحد القياديين في قطاع الاستثمار في مقابلة مع احدى الصحف عام 2013، وتستثمر المؤسسة هذه المحفظة بتحوّط وتستخدم أرباحها مع إيرادات المؤسسة في الاشتراكات في تمويل استحقاقات المتقاعدين والمستحقين.
تشير المادة 10 من الباب الثاني من قانون التأمينات الاجتماعية بضرورة فحص المركز المالي مرة كل ثلاث سنوات، وذلك بمعرفة خبير اكتواري أو أكثر وذلك للتعرف على وجود عجز أو فائض في أموال المؤسسة.
ومن خلال الموقع الرسمي للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تم الحصول على البيانات الخاصة بأعداد المؤمن عليهم والمتقاعدين ومتوسط معاشاتهم التقاعدية، وكذلك عدد المستحقين لأنصبة معاشات آبائهم أو أزواجهم المتوفين، ومتوسط نصيب المستحق للفترة الممتدة من عام 2007 إلى عام 2006 وتم احتساب التكاليف المقدرة لمجموع المعاشات وأنصبة المستحقين خلال تلك الفترة، كما هو مبين في الجدول المرفق.
تقدير التكلفة من دون حساب تكلفة استبدال الراتب
يلاحظ من الجدول أن متوسط الزيادة السنوية للمؤمن عليهم (الموظفين) للفترة بين عام 2007 وعام 2016 تقارب %3.4، في حين كان متوسط الزيادة السنوية لنفس الفترة للمتقاعدين %5.4 والمستحقين %4.7، وفي نفس الوقت يلاحظ ان التكلفة التقديرية لمعاشات المتقاعدين وأنصبة المستحقين كانت 934 مليونا عام 2007، واصبحت مليارين ومئتين وعشرين مليون دينار في عام 2016، اي بزيادة تقارب %138، ويتضح كذلك ان متوسط المعاشات التقاعدية في عام 2007 كانت 845 دينارا ارتفعت في عام 2016 الى 1264 دينارا، أي بزيادة تقارب %50، ويلاحظ أيضا ان متوسط انصبة المستحقين ارتفعت من 319 دينارا في عام 2007 الى 438 دينارا عام 2016، أي بزيادة تقارب %37. ويلاحظ كذلك من الجدول ان متوسط الزيادة السنوية لمتوسط معاشات المتقاعدين لتلك الفترة تساوي %5 وتساوي %3.7 لأنصبة المستحقين. ولو نظرنا الى معدل المؤمن عليهم (الموظفون) الى كل متقاعد، سنجد انها في 2007 كانت 3.4 ثم اخذت بالانخفاض عاما بعد عام حتى وصلت الى 2.9، وهذا مؤشر قد يستدل من خلاله على ان ايرادات مؤسسة التأمينات من الاشتراكات لا تزيد بنفس نسبة الزيادة في تكاليف المعاشات وانصبة المستحقين. وهذه المشكلة تواجه صناديق التقاعد في العالم، خاصة في دول اوروبا الغربية التي يقل فيها عدد المواليد ويزيد فيها متوسط العمر المتوقع لمواطنيها الى ما يزيد على 80 عاما نتيجة التقدم في مجال الرعاية الصحية والذي يتسبب في استنزاف صناديق التقاعد فيها، ففي فرنسا يصل معدل العاملين لكل متقاعد الى 2.2 وفي اليابان يقارب هذا المعدل 2.3.
عند مناقشة وجود مخاطر قد تنتج عن المقترح النيابي الخاص بتخفيض سن التقاعد للمواطنين على مالية صناديق المؤسسة العامة للتأمينات المؤسسة العامة، اود الاشارة الى مذكرة ايضاحية رقمها 25 لسنة 2001 صدرت عن مؤسسة التأمينات الاجتماعية ومنشورة على شبكة الانترنت ضمن الدليل التشريعي للتأمينات الاجتماعية عام 2011، والتي تبين وجود عجز اكتواري في صناديق المؤسسة بقيمة 3 مليارات و900 مليون دينار نتيجة صدور قوانين تقتضي الغاء سن التقاعد للغالبية من النساء ذوات الاولاد من المتزوجات والارامل والمطلقات، والغاء سن التقاعد للمؤمن عليهم من الذين يقومون بأعمال شاقة او ضارة او خطرة لمدة عشرين عاما. وذكر في هذه المذكرة: انه ما لم تصحح الاوضاع ستعلن صناديق المؤسسة افلاسها في موعد قدره الخبراء الاكتواريون عام 2026. ومنطقيا سيكون حجم التأثير المالي للمقترح الخاص بخفض سن التقاعد المقدم من قبل بعض النواب والذي وافقت عليه اللجنة المالية في مجلس الأمة أشد وطأة ماليا على صناديق مؤسسة التأمينات الاجتماعية من القوانين المشار إليها في المذكرة.
البرلمانات والحكومات في جميع أنحاء العالم تعمل على حماية صناديق التقاعد من الاستنزاف، فكثير من الخبراء يشيرون إلى احتمال اقدام بعض الحكومات الغربية على رفع سن التقاعد إلى 70 سنة أو اكثر خلال العقد القادم، لتصحيح تأثير الاختلالات الديموغرافية التي تعاني منها تلك الدول على صناديق التقاعد. والآباء المؤسسون لنظام التأمينات الاجتماعية في الكويت أرادوا تكريم الشعب الكويتي بنظام تأمينات اجتماعية سخي، فمتوسط معاش المتقاعد في عام 2016 يعادل راتب طبيب او استاذ في الجامعة في بعض دول أوروبا الغربية، ومتوسط أنصبة المستحقين لنفس العام تزيد عن متوسط المعاشات التقاعدية في كثير من دول العالم، وبإمكان القارئ مقارنة متوسط معاشات المتقاعدين في الكويت بمتوسط معاشات المتقاعدين في بعض دول أوروبا الغربية، مثل بريطانيا وألمانيا، أو بعض الدول الاسكندنافية، مثل فنلندا التي يقل أعلاها عما يعادل 620 دينارا كويتيا في الشهر، كما هو مبين في الجدول الثاني المرفق، وسيلاحظ أن متوسط أعمار المواطنين عند التقاعد في تلك الدول يقارب 65 سنة.
وحري بأعضاء مجلس الأمة الحرص على مصالح الشعب الكويتي من خلال حماية صناديق نظام الضمان الاجتماعي من أي مخاطر كما تفعل كل البرلمانات في العالم، فلم نسمع عن برلمان في أي مكان في العالم يخفض سن التقاعد للعاملين حتى يوفر فرص عمل للشباب القادمين إلى سوق العمل.
الاقتصاد الكويتي يعاني من اختلالات هيكلية خطيرة، فهو الاكثر اعتمادا على النفط في العالم، فالكويت الدولة الوحيدة من الدول الرئيسية المنتجة للنفط في العالم تزيد نسبة مساهمة النفط في ناتجها المحلي الإجمالي عن %50، والنسبة المئوية للناتج المحلي الاجمالي لدولة الكويت في عام 2015 لم تتجاوز %8.2 من مجموع الناتج المحلي الاجمالي لجميع دول مجلس التعاون الخليجي حسب احصاءات المركز الاحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجاءت الكويت في مؤخرة الركب خليجيا في قيمة الصادرات غير النفطية وفي تجارة إعادة التصدير لتلك السنة، ومثل هذا الاقتصاد لا يمكن أن يستوعب التسونامي القادم من المواطنين الشباب الخريجين الى سوق العمل خلال الخمسة عشر سنة القادمة، والذين قد تتجاوز أعدادهم أعداد العاملين في الجهات الحكومية في الوقت الحاضر. وتقليص سن التقاعد لن ينفع في توفير كثير من فرص العمل لهم. ومن يريد خلق فرص عمل وظيفية حقيقية لأبنائنا القادمين الى سوق العمل عليه العمل بجد وتفان لخلق الاقتصاد البديل عن النفط، الذي يحتاج إلى اجراءات كثيرة وتشريعات غير شعبوية من قبل نواب مجلس الأمة، وأعباء وتكاليف غير معتادة على المواطنين، وإصلاحات كثيرة جذرية خاصة في نظم التعليم وفي أنظمة العمل وفي التوجه العلمي المدروس نحو الخصخصة، ويحتاج كذلك إلى صبر وجَلَدْ وهمة من قبل الحكومة والمجلس، لأن ثمار مثل هذه الإجراءات لن تأتي إلا بعد سنوات طويلة.
أنا على ثقة تامة بأن الحكمة ستسود، وسيعمل أعضاء مجلس الأمة على حفظ المكتسبات الشعبية المتحققة من قانون التأمينات الاجتماعية، وسيعلو صوت الخبراء المتخصصين على الصوت السياسي في هذا الموضوع، لأن الدرس المستفاد من مشروع الداو كيميكال والذي كلّف الكويت مادياً ومعنوياً، هو أن لا يعلو الصوت السياسي على صوت المتخصص عند مناقشة موضوع فني متخصص واتخاذ قرار على أثره.