كلام الليل يمحوه النهار – بقلم : مشعل السعيد
الليل والنهار من آيات الله الكبرى في الأرض، وهذا واضح في قول الله تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي لألباب) ـ آل عمران: 190)، فهما معجزة تدل على عظمة الخالق عز وجل، ولأهمية الليل والنهار في حياة البشر ذكر الله الليل في قرآنه العظيم 92 مرة، وذكر النهار 57 مرة، فالزمن له أهمية قصوى في حياتنا، وما نحن عباد الله إلا مجموعة من الأيام والشهور والسنين، يقول الوزير العباسي ابن هبيرة يحيى بن محمد مبينا لنا أهمية الوقت بالنسبة لنا:
الوقت أنفس ما عنيت بحفظه
وأراه أسهل ما عليك يضيع
ويقول الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه: «ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي»، وقال الخليفة الصالح عمر بن عبدالعزيزرضي الله عنه: «إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما»، ويقول الحسن البصري رضي الله عنه: «يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، وقد أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم»، ومن الأمثال السائرة عندنا قولهم: كلام الليل يمحوه النهار، والمقصود به كل من يخالف فعله قوله، فتجده يعد في الليل وعدا يتبرأ منه في النهار، وهذا يشبه القول المشهور: مواعيد عرقوب، الذي ضرب مثلا لخلف الوعد، وكنحو قول عبدالله بن معاوية الجعفري:
ولا يعجبنك قول امرئ
يخالف ما قال في فعله
وأول من قال كلام الليل يمحوه النهار الخليفة العباسي السادس محمد الأمين، وهناك من يذكر أن الذي قال ذلك أبوه هارون الرشيد ولكن الأكثر على أنه الأمين، وكان قد جرى بينه وبين إحدى جواريه هجر وخصام لأنها وعدته ليلا وأخلفت وعدها نهارا وتملصت مما قالت، فاقترح هذا القول على مجموعة من الشعراء ومن بينهم شاعر وقته أبونواس، وطلب منهم أن يجعلوا منه ابيات شعر تأتي بما في نفسه، ووعد من يقول ذلك بجائزة سنية، فانبرت لذلك مجموعة من الشعراء، وكل اجتهد أن يقول ما في نفس الخليفة، فقالوا أبياتا تضمنت قول الأمين «كلام الليل يمحوه النهار» لعلهم يفوزون بالجائزة، إلا أن ابا نواس الحسن بن هانئ بذهم كلهم في قوله:
فقلت الوعد سيدتي فقالت
كلام الليل يمحوه النهار
في أبيات أخرى، فأتى على ما في نفس الخليفة تماما، فأمر له بعشرة آلاف درهم، وأرضى بقية الشعراء بما دون ذلك، فاحرصوا كل الحرص على أن تبتلوا بمن ينطبق عليه قول «كلام الليل يمحوه النهار»، فهم كثر هذه الأيام.. ودمتم سالمين.