بعد الذكاء الاصطناعي.. هل تغني أسمهان في المهرجانات؟
في جدلية إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى عالم الموسيقى، واقتحامها لأصوات عمالقة الفن الجميل بتقديمها أغانٍ عصرية على أصواتهم، أو تركيب أصواتهم على ألحان وكلمات لفنانين آخرين، ضريبة حتمية فرضها التطور التقني.
في إدخال الذكاء على أصوات العمالقة ضياع لأرشيف الموسيقى
الراحل عبد الحليم حافظ أول من غنى في تقنيات الذكاء الاصطناعي
ويدفع ضريبة هذه التقنيات، الذائقة الفنية للمستمع، إذ تمتد لتطال أصوات خلدها التاريخ، فما إن أُذيع عن تقنيات تغيير الصوت ودمجه بتقنيات الذكاء، وسرعان ما تهافتت نماذج غنائية تجمع فنانين عرب وغرب بأغانٍ مشتركة من كل حدب وصوب.
جدل عاطفي بين المُلحنين ومحبي كوكب الشرق
إذ حازت محاولة المُلحن عمرو مصطفى خلق أغنية جديدة لأم كلثوم من كلماته وألحانه بعنوان “افتكرلك إيه”، جدل عاطفي مع رواد الأغنية الممتدة لكوكب الشرق، وأشعلت هذه التجربة حالة من الرفض لدى الجمهور.
وسرعان ما تكررت هذه التجربة من سلسلة استنساخ الأصوات أو دمجها، وكان أحدثها مزج صوتي يجمع النجمين المصريين أمير عيد وحمزة نمرة معاً في ديو غنائي لموشح أندلسي، بعنوان “جادك الغيث”، من كلمات الشاعر الأندلسي لسان الدين بن الخطيب.
وفي تعدد الأمثلة الغنائية التي تقدم “الديو الاصطناعي” كما أُطلق عليه، قُدم عمل يجمع حسين الجسمي وشيرين عبد الوهاب في أحدث أغنياته “يا خبر”، من خلال استنساخ صوت شيرين لتؤدي معه كلمات الأغنية، لتبدو كأنها “ديو غنائي” حقيقي.
إليسا تغني لآمال ماهر
وتجربة أخرى عزم المستمعون على تقديمها للفنانة إليسا في الذكاء الاصطناعي من خلال أغنية “ادّيني فرصة” لآمال ماهر، كما تم تجربة صوت أصالة باللغة الإنجليزية وهي تغني “دايموندز” لريهانا.
من جانبه، يوضح المتخصص في تقنيات الذكاء الاصطناعي زيد ربابعة لـ 24 “أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تتغول بشكل واضح على حقوق الفنانين بأعمالهم الفنية” مؤكداً أن “تعلم الآلة للنماذج العميقة يمكن أن ينتج لوحات فنية ومقاطع موسيقية وحتى أفلام كاملة وباحترافية عالية”.
“هذه الأدوات قابلة للتطور يوماً بعد يوم” بحسيب ربابعة فإن الذكاء الاصطناعي عجلة جامحة وغير قابلة للتوقف، ويقول “أنا كخبير أصدم بالضخ المهول والتطور السريع لعلم البيانات وتقنياته”، ما يثيره ليتساءل من يمتلك حقوق هذه الأعمال المنشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي؟
ويوضح ربابعة جدلية الحقوق الفنية ولمن تذهب ملكية أعمال الفنان في الذكاء الاصطناعي قائلاً:”في معظم البلدان، يُعتبر الإبداع الفني والأعمال المنشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي أملاكاً غير قابلة للتملك”، وعليه فإن حقوق الفنانين على أعمالهم الفنية قد لا تنطبق على الأعمال التي تتم بواسطة الذكاء الاصطناعي.
ويوصي ربابعة بحديثه، كمختص، الحكومات أن تدرس تطوير القوانين والتشريعات بما يخص قضايا الذكاء الاصطناعي، وكهدف بعيد المدى، حتى تطال حماية حقوق الفنانين.
أي معلومة في الفضاء الرقمي يمكن سرقتها
ويعتبر ربابعة “أن تأثير التقنيات الناشئة على حقوق الفنانين لا تزال قيد النقاش والتطوير، ويوضح أن أي معلومة على الفضاء الرقمي يمكن سرقتها ببساطة وأرشفتها وحفظها واستخدامها في تطوير وتعليم الآلة”.
وما يخيف برأي ربابعة “أن الذكاء الاصطناعي سيغير وجه العالم ونظرة الأشخاص إلى الفن نفسه، فالذكاء الاصطناعي لربما بيوم من الأيام سيتمكن من رسم أجمل لوحة وعزف أجمل مقطوعة.
وبهذه المقدمة التي تستعرض اندثار الأرشيف الفني وعدم ضمان الحقوق، نذهب معاً لمشاركة المُلحن والموزع الموسيقي حاتم منصور، الذي يتحدث لـ 24 عن الثورة الموسيقية التي يضفيها الذكاء الاصطناعي على الإنتاجات الفنية، فبحسب منصور فإن “التوزيع الموسيقي، يتم تعلمه وإتقانه في معاهد موسيقية لأكثر من 4 سنوات، لكن باتت اليوم تتم التوزيعات الفنية بدقائق معدودة دون أدنى جهد”.
يوضح منصور الأبعاد التدرج الحاصل على التطور الموسيقي فيقول: “هناك عدة مواقع من سنتين تقريباً منتشرة بما يخص المكس والماستر، والتي تُعتبر آخر مرحلة في الأغنية بعد تسجيلها”.
وتعرف مرحلة توزيع الأغنية بالمرحلة النهائية للعمل، ما يعتبره منصور أداة تسهل على الموزع الموسيقي، فأصبح الجميع بإمكانه إدخال عزف أي آلة موسيقية على الموسيقى التي يريد التعديل عليها”.
الفن .. إحساس مرهف وليس تقنية
ينقلنا منصور في حديثه عن إتقان الذكاء الاصطناعي للموسيقى قائلاً: “ما يختلف في الذكاء الاصطناعي، التفرقة بين القدرات الفنية للموسيقي وغيره” معتبراً أن “الفن مرتبط بالموهبة المُرهفة من الفنان”.
ويتطرق منصور أيضاً في حديثه عن الجانب النظري الفني للتقنيات المُدخلة على الموسيقى، سواء كانت دمج أو تركيب أصوات، إذ يقول: “التقنية رائعة وبشرية وكنا نسمع فيها بالأحلام، لكن هذه حقوق مُلحنين وشعراء ينبغي عدم المساس بها”.
وفي الإجابة عن تساؤلات الكثيرين، عمن سيحمي حقوق الملكية للموزّع مثلاً، يجيب منصور: “في الوطن العربي، نملك حقوق ملكية للشاعر والملحن فقط، لا نملك حقوق للموزع الموسيقي، إذ لم يُعترف بنا إلى الآن”.
وبالرغم من أن الثورة التقنية لا تزال تشق طريقها بصعوبة في معظم إصداراتنا الفنية، إلا أن امتدادها يعود لأكثر من 30 عاماً عن بزوغ فجرها “كتراكات موسيقية”، فيشير الناقد الفني المصري أحمد سعد في حديثه لـ 24 إلى اختلاف مسميّات التطور التقني في عالم الموسيقى.
ويأخذنا سعد في حديثه لأغنية للموسيقار محمد عبد الوهاب، ويقول: “تقنية التراكات الموسيقية، تعني فصل الصوت عن المزيكا، وتم توظيفها منذ 30 عاماً، بأغنية “من غير ليه”، من خلال تقديمها وفلترتها بتقنية التراكات الموسيقية بصوت العندليب في ثمانينيات القرن الماضي، حينها نزلت وكسرت الدنيا”.
ولعله في إشارة سعد للتغوّل الحاصل اليوم على عالم الموسيقى بما يخص الذكاء الاصطناعي، إشارة منه كما يخبر 24 “استدراج لأصوات العمالقة، يعني إنتاج فني جديد لفنان راحل”.
وبرأي سعد فإن “الفن رسالة يحاول إيصالها الفنان للمستمع”، يقول سعد: “لو أعطيت الذكاء الاصطناعي نماذج من كلمات مرسي جميل عزيز أو محمد حمزة، وطلبت منه كتابة مثيل، سيكتب فناً بلا روح وسيقدم للمستمع كلام العقل لا القلب”.
الغناء في الذكاء الاصطناعي.. بلا روح ولا قلب
يعتبر سعد أن “عمالقة الفن كـ عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وأسمهان لم يكونوا أصواتاً فقط، بل كانوا مثالاً من الذكاء الفني الممزوج بالإحساس، ولهذا خُلّدت أعمالهم”.
ويوضح سعد لـ 24 انتقائية فناني الزمن الجميل لأعمالهم التي لم تذبل إلى هذا اليوم، “أم كلثوم كانت تُدرك قيمة الجملة، وتطلب تغييرها أكثر من مرة، فلو كانت موجودة قد لا تتقبل الألحان والكلمات الموضوعة على صوتها حالياً”.
وبحسبه “علينا القلق تجاه وَرثة الراحلين”، ويضيف أن “عائلات الفنانين يعتبرون أن هذه التقنيات قد تدمّر تراث وأرشيف الفنان بالكامل، ويطالب سعد “الجهات المعنية للخروج بتوصيات تحافظ على التراث والمكتبة الموسيقية العربية، من أي تعديات”.
هل تُغني أسمهان المهرجانات؟
يختتم سعد حديثه: “إذا جاء ملحن عبقري واستخدم التقنيات الذكية الموسيقية لإنتاجات فنية جديدة سيخرج بطفرة فنية، لكن عليه ألا يقترب من أغنيات الزمن الجميل والعبث بأسماء أرشيفية تاريخية”، ويتساءل سعد “ينفع تخلّي أسمهان تغني مهرجانات؟”.
وما يقلقه حسب حديثه لـ 24 “أننا لا نملك قوة لـ الملكية الفكرية، التي تحفظ أساسيات التراث، وتمنع التعدي عليه”.