الكويت – النخبة:
المصدر – الراي:
تطالعنا بين الحين والآخر بعض الإعلانات من قبل جهات رسمية في البحرين، لطلب عاملين في مختلف المجالات من بعض الدول العربية والأجنبية، وبالأخص في المجالين الصحي والتربوي. كما نرى حراس الأمن في المجمعات التجارية جُلهم من الجنسيات الآسيوية والأفريقية، في حين يشكو الكثير من الخريجين من البطالة في البحرين، فالعاطلون في مهنة التمريض مثلا يفوق عددهم عن 500، ويزيد أعداد العاطلين في المجال التربوي.
فما الدواعي والأسباب يا تُرى؟
الطبيبة حنان معرفي تقول: «نحن في الحقل الطبي نعاني الأمرّين، وفي عيادتي قمنا بتوظيف بحرينيات متخرجات حديثا، لا خبرة لديهن ولا حتى ترخيص مزاولة المهنة، وعملنا لهم برامج وتدريب لكي نستثمر في الطاقات الشبابية الوطنية، لكن للأسف لم تثمر جهودنا، كلهن تركن العمل بعد أسابيع أو اشهر قليلة، والأعذار متعددة: بيتنا بعيد عن العيادة، زوجي لا يحبذ عملي، ظروف العمل لا تناسبني، وغيرها من الأعذار الواهية.
صرفنا لهن راتب ٥٠٠ دينار شهرياً، عدا عن تكاليف التدريب، وحتى أسلوب التعامل بلطف وحنان مع المرضى دربناهم عليها، وظفنّا الخامات واستخرجنا لهن التراخيص، وبعد التدريب الطويل ضاع تعبنا سُدى.
فهل العيب في الجيل الجديد أم في أسلوب تربية الأهل القائم على الدلال الزائد؟ فالأهل يحرمون أنفسهم من المُتع من أجل توفير كل الاحتياجات لأولادهم وبناتهم… جيل تعوّد على السيارة والمصروف من الأهل، واللف بالمجمعات، ودوما يشكو!
أم لاعتقادهم بأن الفرص أمامهم كثيرة بعد حصولهم على شهادة التمريض؟ وللأسف لا يدرك الخريج أن الفرص قليلة وعليه أن يستفيد منها.
وللعلم الجيل الجديد من الممرضات حتى ضغط الدم لا يعرفون قياسه بالأجهزة التقليدية، بل بالأجهزة الإلكترونية غير الدقيقة، ومن خبرتي كطبيبة أرى أن الممرضات الهنديات هن الأفضل».
الأخ عيسى، والذي كان يعمل في قطاع التربية عشرين عاما يقول: «أثبت الكادر البحريني العامل في التربية أنه مجد ومخلص في العمل، ويتفوق بمراحل على الجنسيات الأخرى، ومع ذلك، وزارة التربية تفضل الأجنبي على المواطن، وطوابير العاطلين في المجال التربوي خير شاهد».
الأخت فاتن العاملة في إحدى الشركات تقول: «يجب أن تكون لدى الخريج توقعات واقعية، الموظفات والموظفون الجدد ليس لديهم خبرة وصبرهم وجهدهم محدود، لكن سقف توقعاتهم عالٍ ويريدون كل المميزات، لم يعرفوا الضنى والتعب الذي عرفناه، حتى واجباتهم وبحوثهم حصلوا عليها بسهولة من الانترنت.
ولو كانوا فعلا محتاجين للوظيفة لسعّوا من أجلها، لكنهم اتكاليون ويعتمدون على أهاليهم، كما أن مخرجات التعليم سيئة جدا ولا تواكب متطلبات ولا احتياجات سوق العمل، لأن كل خريج بحاجة إلى تعليم وتدريب في كل التخصصات».
شخصيا أرى إن الممرضات البحرينيات في المراكز والمستشفيات الحكومية من أفضل الكفاءات، كما أرى إن الموظف البحريني من خيرة العاملين، والمواطن له الأحقية الأولى في التوظيف، لنعطي فرصة للمواطن أولا، وليتقدّم للوظيفة كل متأهل، ولنختبر عمله في فترة التجريب، وإذا لم ينجح، فلنعطي فرصة لمواطن غيره، وحتما سنجد من يثبت نفسه وكفاءته.
إن طوابير العاطلين في ازدياد، ألوف مؤلفة، وعلى الدولة أن تضع الخطط الناجعة لحل المشكلة من جذورها قبل أن تتفاقم أكثر.
تحديات الجيل الحالي مختلفة عن الأجيال السابقة، نحن لم نعاصر الأنترنت وعوالمه الافتراضية اللانهائية، وعلينا أن نمسك العصا من الوسط.
الجيل الجديد مجد ومجتهد ودرجاته امتياز مع مرتبة الشرف، ولكننا نعترف، الشهادة شيء ومخرجات التعليم التي لا تتناسب مع سوق العمل شيء آخر. ويوجد نقص في التعليم الميداني والعملي، فالمدرسة والجامعة تُخرّج حَملة شهادات، ولكن مؤهلاتهم لا تتناسب مع سوق العمل. وهذا ليس خطأ الجيل الجديد.
وإذا واجهتنا بعض الحالات السلبية فلا يمكن تعميمها على جميع الخريجين… أعرف العديد من الشابات والشباب ممن يعمل لساعات أكثر من المعدل المطلوب، في القطاعين التربوي والمصرفي والشركات، ويرجعون إلى بيوتهم منهكين، ولا يسعهم الوقت للمشاركة في العمل التطوعي، أو حتى للجلوس والاستمتاع مع أهليهم.
إعلان طلب أكثر من 650 وظيفة تمريضية في الصحافة الأجنبية للعمل في مستشفى حكومي! هل يُعقل؟ يكفينا الأجانب الذين يكتسحون المدارس والمستشفيات والمؤسسات الخاصة.
نعتقد أن الأمن الوظيفي أساسي للمواطن، ومن واجب الدولة أن توفّر فرص العمل للمواطنين، وأن تدرس الأسباب الحقيقية للبطالة.
هذه التنمية البشرية الحقيقة المستدامة، إن أردناها حقا، والله المُستعان.
