بين نقل الحقيقة وكرامة الضحية.. ضياع الإنسانية لحصد “اللايكات”
تتضارب الآراء، بين مؤيدي تصوير الضحايا باعتبارها إثبات ونقل للحقيقة، ومعارضين يعتبرون أن التصرفات تعدٍّ على خصوصية الإنسان وكرامته.
هوس السوشال ميديا جعل الناس تتغير بهذا الشكل
الحل يكمن في رفع الوعي لدى رواد هذه المنصات
وفي جدلية هذا التضارب، يحسم هذه القضية الآلية والتوقيت الذي يتم فيهم تصوير الضحايا، إذ أن بعض الحالات تستدعي مساعدة بدلاً من القيام بتصويرها، والبعض الآخر يكون في حالة صدمة نفسية جراء الحدث الحاصل.
سمكة قرش تلتهم سائح
إذ أثار مؤخراً فيديو التهام سمكة قرش لسائح في بحر محافظة الغردقة بمصر، تساؤلات واسعة على مختلف المنصات، والتي اعتبرت أن الأفضل مد يد المساعدة لهذه الضحية بدلاً من تصويرها، فيما قال آخرون إن التصوير لهذا الحدث، نقل صورته الحقيقية للحدث وإلا فلن يصدق أحد.
وبين مصداقية الصورة وخصوصية الضحية وكرامتها الإنسانية، تعتبر المعالجة النفسية فاطمة العابدي في حديثها لـ 24 “أن غياب الجانب الإنساني بالتعامل مع المعاناة البشرية تعتبر من مسببات الأذى النفسي للضحايا”.
وتضيف أن “عدم إلمام الأشخاص المهتمين بنشر الأحداث المأساوية على مواقع التواصل الاجتماعي بالبعد النفسي للمتضررين يخلق حالة من الأزمة الإنسانية”.
ورداً على مدى اعتبار هذه التصرفات غير إنسانية، تشير العابدي إلى أن “القضية لم تتوقف فقط على تصوير الجثث أو عدم مساندتها، بل حتى باختيار الكثيرين للتوقيت المناسب للنقاش مع الضحايا وطريقة طرح السؤال وسرد الحدث”.
وكما يندفع الكثيرون لنشر مقاطع لضحايا أو ناجين، ترى العابدي “أن المعني بنشر الصور أو مقاطع الفيديو لديه سيكولوجية غير معرفة، تظهر المزيد والمزيد من التشويق في تغطية الحدث سواء للضحايا أو للناجين على حد سواء”، معتبرة أن هذه الأبعاد على المدى القريب لهذه الظاهرة.
زلزال تركيا وسوريا.. الأكثر مأساوية
وكان أحد أكثر الأمثلة مأساوياً “قهرمان مرعش” أو زلزال جنوب تركيا، الذي ذهب ضحيته 51.000 قتيلاً، و120.000 مصاباً، وكان للمقاطع المنشورة لانتشال الضحايا من تحت الأنقاض تأثير كبير على نفسيات كثير من رواد هذه المنصات.
حملت هذه الفيديوهات كثيراً من الصرخات والأشلاء التي كانت تُنشر للعلن، وحتى التغطية الإخبارية المهولة للناجين والضحايا بشكل عام، كان لها تأثيراً سلبياً على الكثيرين.
“المدى البعيد لهذه الصدمة يسمى الصدمة عبر الأجيال لأن غياب المسؤولية في التعامل مع هذا النمط المؤذي لتغطية الحدث يتصدر للأطفال والأجيال الجديدة التي تستطيع من خلال محرك الإنترنت مشاهدة الصور والفيديوهات المخزنة “.
اللهفة التي نراها في نشر منشورات عن ضحايا أو قتلى ينبئ بغياب “الجانب الإنساني والأخلاقي وعدم إلمامهم بما يدعى أخلاقيات الإعلام، التي تجرم مثل هذه الأفعال”.
فيما وصل الأمر لتصوير الجثامين في المشرحة لدى البعض، إذ صورت بعض الممرضات جثمان الشابة نيرة أشرف، التي تعتبر ضحية إحدى الجرائم التي هزت الشارع المصري حين وقوعها، وفي ذلك تعدي على حرمة الميت، وغياب لمفهوم الإنسانية.
حصد الشهرة وراء تصوير الضحايا
ترى العابدي في مقابلتها مع 24 أن الأفراد الذين يقومون بسلوكيات كهذه غالباً ما يهدفون إلى “حصد الشهرة والمزيد من المتابعين وبذلك ضمان دخل مادي على حساب معاناة الناس”.
وعن سؤالها عما إذا كانت السوشال ميديا هي سبب إفراز هذه الظاهرة، تعتبر العابدي أن “هذه الظاهرة بدأت من أفراد يسيئون استخدام مواقع التواصل”.
وتكمل: “الكثيرون يستخدمون السوشال ميديا لغايات جلب جمهور متابع ولغايات شخصية، وقد ساد هذا النموذج لدى الكثيرين”، تضيف “لذلك على الإعلام تغيير نمطية الثقافة السائدة في نشر المحتوى الإعلامي بما يتعلق بتغطية المعاناة الإنسانية وذلك لأن الإعلام بشكل عام مكون أساسي للفكر ويقع عليه مسؤولية أخلاقية في التوعية المجتمعية”.
في حين أن الخبير القانوني عمران فريحات، يفرق بين كرامة الضحايا وحق الحصول على المعلومة قائلاً: “تصوير الضحايا أو العامة في الأماكن العامة، تصرف غير قانوني ويمثل اعتداء على الخصوصية”.
وبحسبه “هناك إشكال دائم بين التغطية الصحفية المهنية، والتغطية التي يقوم بها من غير الصحفيين، بطريقة تحترم كرامة الإنسان ولا تخرج عن أخلاقيات المهنة الصحفية”.
ويستأنف فريحات في حديثه لـ 24 أنه “غالباً ما يرافق الإعلان عن الجرائم، تعدي على الخصوصية للميت أو الناجي وذكر تفاصيل لا تهم القراء، بل بهدف الإثارة وإشباع الفضول”.
ويعتبر أن المسيء في مثل هذه الأحداث “التعدي على الضحايا أياً كانت حالتهم، والذي غالباً ما يذهب فيه العامة لتتبع صور الضحايا ومعلوماتهم والتنقيب وراءهم لتحظى القضية بشهرة أكثر إثارة”.
تصوير الضحية مجرّم قانونياً
ويقول: “مثل هذه الأفعال مجرّمة قانونياً في أغلب الدول، إذ أن الإنسانية جمعاء تتفق على خصوصية حرمة الميت أو الناجين حتى”.
خبير علم الاجتماع الدكتور حسن الصباريني، يتحدث لـ 24 عن الأضرار التي خلفتها السوشال ميديا على ملامح المجتمع، فيقول: “أصبحت السوشال ميديا هوية الإنسان التي تحدد شخصيته ومدى وجوده مجتمعياً”.
ويعتبر صباريني أن مشاكل المجتمع تفاقمت إلى أن وصلت لأزمة أخلاقية في السلوكيات البشرية، إذ كان لوجود السوشال ميديا أثراً مجتمعياً لا يمكن إنكاره.
وفي الحديث عن بعض الفروقات الواضحة قبل وجود السوشال ميديا يستذكرها صباريني قائلاً: “كان الإنسان الطبيعي عند وقوع حادثة معينة يهرع للمساعدة من أجل الإنقاذ، ويشعر بالدهشة بشكل لا شعوري، ويساند الآخرين بداعي الإنسانية”.
يقارن صباريني متغيرات الجيل الحالي وسلوكيات الأفراد في التصدي للصدمات والحوادث واختراق حرمة الميت اليوم، “الهدف الآن تحقيق التريند، وتجميع أكبر عدد ممكن من اللايكات وحصد المال عن طريق الإثارة، على حساب المفاهيم الأخلاقية”.
هوس السوشال ميديا.. وراء هذه الظواهر
ويشير صباريني إلى أن: “هوس السوشال ميديا، هو من جعل الناس تتغير بهذا الشكل، وخلق حالة لا إنسانية لدى الكثيرين، فقد طغى شعور الفردانية والعزلة على أي قيمة أخلاقية أخرى”.
والمحرّك الأساسي وراء هذه الأخلاقيات بحسب صباريني:”الفطرة الإنسانية التي تميل للبروز والشهرة ونيل الإعجابات، إضافة إلى غياب الثقافة المجتمعية بمعرفة الحقوق والواجبات، والتي تنص على احترام الغير وخصوصيته”.
والحل برأيه يكمن “في رفع الوعي لدى رواد هذه المنصات، من خلال تعريفهم بما عليهم تصويره بهدف إثبات الحقيقة، أو بما ليس عليهم تصويره ونشره وفيه اعتداء على الخصوصية وحرمة الإنسان وكرامته”.