كشف تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، مؤخراً، عن تأثيرات المناخ على العديد من البلدان حول العالم ومنها جزيرة توفالو الواقعة في المحيط الهادئ في منتصف الطريق بين هاواي وأستراليا، تجاورها جزر كيريباس وناورو وساموا وفيجي، والأضرار التي عانتها توفالو بسبب ارتفاع مستوى البحر وتضرر الحياة.
وقالت ليلي تيفا التي نشأت في الجزيرة، إن أعمامها كانوا يذهبون للصيد كل يوم ويعودون بصيد كبير يشاركونه مع الجيران، أما اليوم فإنهم يعودون إلى المنزل معظم الأحيان خالي الوفاض.
وتقول تيفا، 28 عاماً، والتي تعمل مع منظمة يقودها الشباب في مشاريع تغير المناخ مثل ترميم الشعاب المرجانية في الدولة الصغيرة الواقعة في المحيط الهادئ، إن علامات انجراف الجزيرة في كل مكان.
وأضافت: «عندما نذهب في نزهة خصوصاً في الأطراف الشمالية والجنوبية لهذه الجزيرة الجميلة، نلاحظ دائماً أن البحر جرف قطعة من أرض الجزيرة».
ومن المتوقع أن تكون توفالو واحدة من أوائل البلدان في العالم التي فُقدت تماماً بسبب تغير المناخ. إذ تبلغ مساحة الجزر المرجانية الثلاث والجزر المرجانية الست التي تشكل البلاد أقل من 26 كيلومتراً مربعاً. وفقاً للمعدلات الحالية لارتفاع مستوى سطح البحر. وتشير بعض التقديرات إلى أن نصف مساحة الأراضي في العاصمة، فونافوتي، ستغمرها مياه المد والجزر في غضون ثلاثة عقود. وبحلول عام 2100 ستغرق 95% من الأراضي بسبب المد والجزر الدوري، ما يجعلها غير صالحة للسكن بشكل أساسي.
ومسألة البقاء مسألة ملحة. وتقول تيفا: «بالنسبة إلى الشباب على وجه الخصوص، فإن الخوف هو العاطفة السائدة، وهو أسوأ شعور على الإطلاق، أسوأ من الخوف من المرتفعات والخوف من الظلام. الآن نحن خائفون من المستقبل».
وفي مواجهة هذا الواقع، يجري العمل في توفالو على استعادة الأراضي، إلى جانب محاولات الحفاظ على ثقافتها وتاريخها على الإنترنت، في خطط رائدة يمكن أن تجعل توفالو أول دولة رقمية بالكامل موجودة في ميتافيرس.
وتغطي فونافوتي كامل الجزيرة المرجانية التي تقع عليها، مع طريق رئيسي واحد يقسم طول الجزيرة، عند نقطة واحدة تضيق إلى 20 متراً بين الشواطئ المقابلة. وتتجمع معظم المباني بالفعل بالقرب من وسط الجزيرة قدر الإمكان، وتنتهي المنازل والمحلات التجارية والكنائس وقاعات الاجتماعات عند حافة الطريق. ويمكن عند المرور بمنازلهم رؤية السكان داخل منازلهم وفي مطابخهم وهم يطبخون على النيران المكشوفة، وهم يصلحون سياراتهم، بينما يلعب الأطفال في الساحات.
وترتفع المياه بسرعة كبيرة لدرجة أن سكان الجزيرة، في كل مكان، يروون قصصاً عن العثور على أنفسهم واقفين في أعماق مياه البحر، التي تتصاعد عبر الأرض التي يسهل اختراقها في وسط الجزيرة بفعل التعرية، ووجود كميات كبيرة من الحطام الذي تجرفه الأمواج على طول الساحل. كما أنهم قاموا بنقل المقابر، ولجأ السكان إلى إنشاء مقابر بجوار منازلهم.
وتشكل المياه المتصاعدة، التي تغذيها أزمة المناخ، خطراً شديداً على مياه الشرب والأمن الغذائي وإمدادات الطاقة، والمحاصيل الغذائية مثل جوز الهند والقلقاس، والتغيرات المناخية ودرجات الحرارة تجلب الأعاصير المدمرة ودرجات الحرارة العالية وفترات الجفاف الأكثر الطويلة. ويكاد يكون الطعام الطازج معدوماً، ما يجعل السكان أكثر اعتماداً على المنتجات المستوردة باهظة الثمن وعديمة القيمة الغذائية.
الأمر الذي حدا بانتقال 12 ألف نسمة من سكان الجزيرة، والعديد منهم إلى نيوزيلندا، حيث يسمح ل 150 مواطناً بالحصول على الإقامة في نيوزيلندا كل عام. ويكافح الكثيرون لكسب لقمة العيش، ويشعرون بالقلق من فقدان هويتهم الثقافية.
وقال كيليسوما سالوا الذي يعيش الآن في نيوزيلندا، منذ 10 سنوات، إنه يشعر بإحساس قوي بعدم الانتماء، وإن الانتقال من مجتمع مكتفٍ ذاتياً إلى مجتمع تجاري بحت، أمر صعب للغاية. إذا لم يكن لدى المرء مال هنا، فلا يمكنه البقاء على قيد الحياة. ليس كما هو الحال في الجزر، إذا لم يكن لديك مال، فلديك عائلتك وأرض صغيرة وأسماك.
وكان سالوا في السابق مسؤولاً عن مصايد الأسماك في توفالو، أما الآن فهو مرشد سياحي في متحف أوكلاند التذكاري للحرب، وقال إنه يشعر أحياناً بخيانته لشعبه بالابتعاد عنهم. ولكن لديه فرصة للحديث عن محنتهم.
وعلى الرغم من أن سالوا هاجر لضمان مستقبل أكثر استقراراً لأسرته، فإنه لا يعتقد أن الانتقال هو الحل الناجع. وأردف: «ولدت طفلتي الثالثة في نيوزيلندا، لذا فهي لا تعرف شيئاً عن توفالو، فقدت قيم توفالو الجميلة التي كان يجب أن تكبر معها، مثل الاحترام، ومساعدة بعضنا بعضاً، والعمل معاً، ليس لدينا هنا هذه الأشياء، تُدرّس في مدارس فقط، ولكنها في الواقع مختلفة تماماً عن ما عشناه».
وعرضت أستراليا أرضاً لإعادة توطين أهالي توفالو، مقابل حقوق بحرية ومصايد الأسماك، وهو اقتراح رفضته حكومة توفالو. كما عرضت فيجي المجاورة أرضاً لكنها تكافح هي الأخرى تهديدات تغير المناخ. ونظراً لعدم وجود حكم حالي لحماية ومساعدة لاجئي المناخ بموجب اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951، يتطلع سكان توفالو إلى توفير خيارات أخرى.
