بساط تويتر منسل من قبل وصول ثريدز
فجر يوم 30 ديسمبر (كانون الثاني) 2006، استيقظ العالم على خبر إعدام السلطات العراقية للرئيس السابق صدام حسين، ولكن التلفاز لم يكن الوسيلة الأولى التي أذاعت الخبر، بل كانت منصة تويتر، التي لم يمر على انطلاقتها سوى بضعة أشهر.
صعد نجم منصة تويتر منذ يوليو (تموز) 2006 تحت شعار “ميدان عالمي”، أي مساحة يمكن لأي شخص الوصول من خلالها إلى الملايين بين لحظة وضحاها.
واستطاعت تويتر بالفعل أن تكون منصة محورية في العديد من نقاط التحول السياسية والاجتماعية حول العالم، مثل احتجاجات المناهضة للعنف ضد السود في الولايات المتحدة، أو تظاهرات ما يسمى “الربيع العربي” أو إعطاء مساحة كبيرة لدونالد ترامب قبل وصوله إلى رئاسة الولايات المتحدة، وغيرها من الأحداث العالمية.
الابتعاد عن تويتر
لكن، وفي الأشهر الأخيرة، لم تعد منصة تويتر “ميداناً عالمياً”، ويعزى ذلك إلى سلسلة من العثرات والمشاكل التي يلام عليها المالك الجديد للمنصة، إيلون ماسك، منذ عملية استحواذه نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2022، حيث لا تزال المنصة تعاني من استنزاف مستمر بعدد المستخدمين النشطين واستقرار خدمات المنصة وقيمة المنصة نفسها بأعين المستخدمين والأسواق المالية.
وبينما كشّرت شركة “ميتا” المالكة لتطبيق فيسبوك، عن أنيابها بوجه تويتر من خلال إطلاق نهاية الأسبوع المنصرم منصة “ثريدز”، يمكن القول إن “الميدان العالمي” الذي تم تصوره سابقاً بات بعالم الفيديو، وتحديداً مع منصة تيك توك، لذا المعركة القائمة اليوم على منصة مخصصة للكتابة قد تكون أضعف مما هو متوقع، وقد يكون هناك تنافس على من يبقى بنهاية صراع المنصات المكتوبة.
قرارات تخريبية
منذ توليه المنصب في الخريف الماضي، ومع الوعود المستمرة بمناصرة “حرية التعبير”، أدت قرارات ماسك الداخلية، بخاصة الأخيرة منها، إلى عزل المستخدمين عن قراءة التغريدات بحجة الوصول إلى الحد المسموح لإظهار التغريدات، كما سبق أن أزال ماسك جميع علامات التوثيق السابقة، التي كانت تبعث الاطمئنان إلى حقيقة مالكي تلك الحسابات – على الرغم من كل المشاكل التي كانت تعتري هذه الميزة – وجعلها متواجدة بشرط الاشتراك الشهري، ما سمح للمحتالين بانتحال شخصيات وشركات مهمة، كما جعل ماسك من تغريداته الأكثر مشاهدة على إغداق صفحة “For you” بأفكاره وتعليقاته المثيرة للجدل، ما يعني ظهوراً أقل للحسابات التي يهتم بها المستخدم فعلاً.
كما تعاني المنصة من عدم استخدام المشاهير لها بشكل مستمر، مع تفضيل العديد منهم منصة إنستغرام لنشر الصور، أو تيك توك لنشر الفيديوهات القصيرة، أو يوتيوب لنشر الفيديوهات الطويلة، أي إلى المنصات المرئية والمسموعة أكثر من المكتوبة.
هذه القرارات، إلى جانب العديد من الأعطال التي طرأت على المنصة وعدم الاستقرار في طريقة إدارة المنصة، أدت إلى زعزعة الثقة بتويتر والبحث عن البدائل. ولكن على الرغم من العدد الواسع من البدائل، لم يهتم المستخدمون حول العالم إلا بـ4 منصات بديلة، وهي ماستودن التي كانت تحظى ببعض الشهرة قبل استحواذ ماسك، وبلوسكاي المملوكة من مؤسس تويتر، تروث سوشيال المملوكة من ترامب، ومؤخراً ثريدز المملوكة من مارك زوكربيرغ، مالك فيسبوك.
ويأتي كشف رئيس شركة أمن المعلومات “كلاود فلير”، مساء أمس الأحد، أن نسبة استخدام تويتر في تدهور مستمر منذ ما قبل إطلاق “ثريدز”، لتأكيد أن تويتر تخسر الثقة التي أعطيت لها بالسنوات الماضية.
هوية ثريدز “المختلفة”
وفي حين ينظر إلى تويتر بكونها المنصة المعتمدة أو الأساسية حين تشارك الحكومات والشخصيات الرسمية رسائلها مع العامة، إلا أن زوكربيرغ يرى أن منصته الجديدة – ثريدز – ستركز على “اللطافة والإبقاء على المكان ودوداً للجميع”، والتركيز على المواضيع الخفيفة مثل الرياضة والموسيقى والأزياء والتصميم، لكن الاحتفاظ بهذه الرؤية خلال الأشهر المقبلة بعد أن يخف الاهتمام الواسع بالتطبيق مسألة ثانية يجدر الانتباه إليها.
يمكن بسهولة القول إن منصة زوكربيرغ ستتفوق على باقي المنصات، بخاصة أن العديد من المهندسين والمبرمجين الذين كانوا يعملون ضمن تويتر طردهم ماسك بعد الاستحواذ على المنصة، وبجعبتهم العديد من الأفكار لتطوير وعمل المنصة، التي باتت كلها الآن على طاولة زوكربيرغ.
وبدا ذلك واضحاً من خلال الخطوات البسيطة لفتح حساب وبداية النشر، والتي سبق أن تم التحدث عنها وتسريب تصميمها على تويتر، ولكنها لم تبصر النور، لأن المبرمجين بكل بساطة لم يعودوا يعملون مع تويتر.
البحث عن القيمة المضافة
ولكن على الرغم من الزخم الكبير الذي شهدته “ثريدز” منذ مساء الخميس الماضي، مع الإطلاق الرسمي للمنصة، لا تزال إلى حد اليوم تفتقر للعديد من الخدمات والميزات التي تجعل المستخدم يترك فعلاً تويتر ويذهب نهائياً إلى ثريدز.
لن تكون ثريدز مكاناً آمناً للمعلومات الموثوقة تماماً، وهذا ما أكدته المتحدثة باسم المنصة، عبر إبقاء شبكات تدقيق المعلومات بعيداً عما يتم نشره والتداول به داخل ثريدز بشكل حصري، بعكس ما يحدث حالياً عبر إنستغرام وفيسبوك، ولكن أي معلومة تتم الإشارة إليها بغير الدقيقة عبر المنصتين المذكورتين ستنقل بشكل تلقائي إلى ثريدز، تطبيقاً للرؤية التي وصفها رئيس إنستغرام آدم موسيري بكون ثريدز منصة “داعمة للخطاب العام” أكثر من باقي منصات “ميتا”.
إلى جانب مسألة أمان تداول المعلومات الصحيحة عبر المنصة الجديدة، لا يزال هناك 10 ميزات أساسية على الأقل تملكها تويتر غائبة عن ثريدز والتي من شأنها تحول منصة “فيسبوك” الجديدة إلى نسخة بدائية جداً عن تويتر، لا سيما إمكانية متابعة الهاشتاقات والمواضيع الرائجة، والتي باتت ركناً أساسياً في متابعة تويتر.
ومن يستمع إلى مستخدمي ثريدز بالأيام الماضية، يمكن أن يرى الانحدار المستمر في مدى اهتمامهم بالتطبيق، إلى حد تحوله إلى تطبيق “كلوبهاوس”، في حال لا يزال يخطر على بال أحد. التطبيق الذي وعد أن يكون “الميدان الصوتي الكبير” قبل أن يخف نجمه وتبدأ منصات أخرى بـ”اقتباس” تلك الميزة.
ولعل أبرز ميزة مزعجة اليوم في ثريدز هي واجهة التطبيق. إذ على الرغم من اختيار عدد محدد من الحسابات التي يهتم المستخدم بمتابعتها، إلا أن واجهة التطبيق تبدو مزدحمة بمنشورات حسابات لا ناقة للمستخدمين فيها ولا جمل، من كل أنحاء العالم، أغلبها لشركات وشخصيات يبدو أنها مدعوة بشكل مباشر من زوكربرغ لإعطاء زخم، وربما حبل حياة إضافي للتطبيق، آخرها حسابات لشركة مايكروسوفت ومؤسس أمازون.
هل يصمد ضعف ثريدز أمام طالبي اللجوء من تويتر؟ هذا سؤال لم يستطع رئيس إنستغرام آدم موسيري حتى الإجابة عنه، مع تأكيده أن الإثارة الكبيرة التي نالها التطبيق جيدة، ولكن الاختبار الحقيقي يكمن بالقيمة المضافة التي يمكن للتطبيق أن يقدمها للمستخدمين مع مرور الوقت.